الكثير من الاشخاص يعتقدون أن أسلوب الحياة الصحي شيء صعب المنال ، ولا متعة فيه . تعلمنا من الحمية الغذائية التقليدية أن إنقاص الوزن يستوجب منا عدّ السعرات الحرارية ، والإنتباه لكل شيء نأكله ، وحرمان أنفسنا بتحديد كميات وأنواع الطعام الذي نتناوله .
الحمية الغذائية تفرض علينا كمية ونوع الطعام الذي نستطيع أكله ، بغض النظر عن رغبتنا وشعورنا بالجوع أو الشبع . قد تساعدنا الحمية الغذائية على إنقاص الوزن (الدهن والعضل والماء) على المدى القصير، ولكنها ليست طبيعية وغير عملية لدرجة يستحيل معها أن تصبح الحمية أسلوب حياة نستطيع تحمله ، ولا أقول الاستمتاع به .
قليل من أنواع الحمية هي التي تعلمنا استراتيجيات اختيار الأطعمة الصحية قليلة الدسم والطبخ والأكل خارج البيت ، إلا أن الكثير من انواع الحمية تعطينا توصيات غير واقعية وتشجع التقيد بأطعمة تقيدا يهدد صحتنا . والأهم من ذلك كله هو أن الحمية لا تعلمنا أسلم الطرق لممارسة التمارين البدنية وأكثرها فعّالية ، ولا تعلمنا كيف نتعامل مع رغباتنا واشتهائنا الطعام ، أو كيف نتصرف أزاء الشعور بالجوع والشبع . في نهاية المطاف نسأم من تعقيدات الحمية والجوع وانعدام الطعم وعدم المرونة وقلة الحيوية والشعور بالحرمان . لذلك نتوقف عن الحمية ونسترجع الوزن الذي فقدناه أو حتى بعض الأحيان يزيد وزننا عن ما كان عليه قبل الحمية .
كلما اتبعا نوعا آخر من الحمية والحرمان ، كلما ازدادت صعوبة إنقاص الوزن وأصبحنا أكثر احباطا وثبطت عزيمتنا . ثم نأكل أكثر ونمارس قدرا أقل من التمارين البدنية فيزداد إحباطنا وتثبط عزيمتنا أكثر وتغشانا الكآبة . وسـرعان ما نقع في حلقة مفرغة ، فنبدأ نسال أنفسنا هذا السؤال : لم نفعل كل هذا ؟ ثم نروح نلوم أنفسنا على انعدام قوة الإرادة ، مع أن كل ما نحتاجه في الواقع هو معلومات واضحة مبنية على أساس علمي تساعدنا على إيجاد أسلوب حياة صحي نستطيع تطبيقه طيلة البقية الباقية من حياتنا .
القيود المتعمدة التي توضع على كميات الطعام بغية إنقاص الوزن أو منع ازدياده ، وهو ما يعرف بالحمية ، هي السبيل الذي يتبعه ملايين الناس في سائر أنحاء العالم سعيا إلى الوصول إلى الوزن أو المظهر المرغوب . الانشغال بشكل الجسم والحجم والوزن يخلق أسلوب حياة غير صحيّ مليء بالحرمان العاطفي والبدني .الحمية تنتزع منا السيطرة على أسلوب حياتنا .
يقع الكثيرون من متبعي الحمية في ورطة اليويو (الطلوع والنزول) التي تبدأ بانخفاض مستوى رضى النفس وتؤدي إلى طريقة أكل وحياة محددة وثابتة لانعدام الثقة بأجسامنا وعدم رغبتنا في سماع وإطاعة الإشارات المنبعثة من أجسامنا الدالة على الجوع والشبع . أثناء الحمية لا نثق بالإشارات الصادرة من أجسامنا عن الشهية والجوع وحاجتنا إلى اشباع الحاجات الجسدية والنفسية . بل نعتمد على برامج الحمية وقياس كميات الطعام وتحديد عدد الوجبات .
نتيجة لذلك فقد الكثيرون منا المقدرة على الأكل تلبية لنداء حاجاتنا البدنية ، نعاني الشعور بالحرمان ، ثم نقبل على الأكل ، وأخيرا نوقف البرنامج الغذائي (الحمية). وهذا بدوره يؤدي بنا إلى الشعور بالذنب والانهزام وازدياد الوزن وتردي احترام الذات ، ومن ثم نعود إلى بداية حلقة اليويو الغذائية . بدلا من أن تجعلنا الحمية نشعر برضى النفس فإنها تهيئّنا للفشل واضمحلال احترامنا لذاتنا .
التفكير والممارسات التي نكتسبها خلال سنين من الحمية قد ينتج عنها هاجس الوزن، وفقدان احترام الذات ، وسوء التغذية ، وقلة التمارين البدنية . فقدان الوزن باتباع حمية قاسية يكون عادة مؤقتا . أغلب الحميات تكون قاسية لدرجة يصعب معها استدامة الالتزام بها ، وتكون غير واقعية وبغيضة ، وتولد ضغطا جسديا وعاطفيا . وأغلبنا نستأنف أنماط الأكل والنشاط التي كنا نتبعها سابقا . الحمية تتحكم بنا ، ولا نتحكم بها . الناس الذين يحاولون أن يعيشوا تبعا لقوائم وقواعد الحمية لا يعرفون سوى القليل ، أو حتى لا شيء ، عن التغذية الصحيحة أو كيف يستمتون بوجباتهم أو بنشاطهم البدني أو اسلوب الحياة الصحي .لا أحد يستطيع العيش بموجب الحمية طيلة حياته حارما نفسه من متعة الطعام الصحي والنشاط الصحي .
نحن لا نخفق في اتباع الحميات ، الحميات هي التي تخذلنا
بيّنت عقود من الأبحاث أن الحميات ، سواء منها ما نضعه لأنفسنا أو ما يضعه لنا الأخصائيون ، لا تؤدي على المدى الطويل إلى الصحة الجيدة ونقصان الوزن (أو السيطرة على الوزن) . عندما لاتؤدي الحمية إلى نقصان وزنك تقول لنفسك : " يا ليتني لم أكن أحب الأكل لهذه الدرجة ... يا ليتني أستطيع ممارسة المزيد من التمارين البدنية .. يا ليت إرادتي كانت أقوى مما هي عليه . " المشكلة ليست ضعف شخصي أو ضعف إرادة . لا ينجح من الناس الذين يتبعون الحمية سوى خمسة في المئة فقط . يجب أن ندرك أننا لا نخفق في اتباع الحميات ، إنما الحميات هي التي تخذلنا .
بسيط جدا السبب الذي يجعل 95 % من جميع الحميات التقليدية تفشل . عندما تتبع حمية قوامها قلة السعرات ، يعتقد جسمك أنك تعاني الحرمان والمجاعة فيصبح جسمك في الواقع أكثر قدرة على تخزين الدهنيات بواسطة إبطاء عملية تمثيل (حرق) الطعام . عندما توقف برنامج الأكل هذا غير الواقعي ، تظل عملية التمثيل في جسمك بطيئة وضعيفة الكفاءة لدرجة أن وزنك يعود إلى مستواه السابق بسرعة أكبر ، حتى لو كنت لازلت تأكل أقل مما كنت تأكله قبل الحمية .
علاوة على ذلك فإن الحمية القائمة على غذاء قليل السعرات يجعلك تفقد كميات متساوية من العضل والدهن . ولكن عندما تسترجع الوزن الذي فقدته يكون الوزن المسترجع كله دهن وليس فيه عضل ، مما يسبب المزيد من البطؤ في عملية التمثيل، فيكون وزنك قد زاد وصحة بنية جسمك قد ساءت وجاذبية مظهرك الجسدي قد نقصت .
الحمية تتطلب منك التضحية والجوع ، ولا تسمح لك بالاستمتاع بالطعام الذي تحبه . وهذا لا يعلّمك اية عادات تستطسع الاحتفاظ بها بعد انتهاء الحمية . معظم برامج الحمية ترغمك على إنقاص سعراتك الحرارية إلى مستويات خطيرة . النظرية العامة هي أنك إذا أخذت عدد سعرات أقل مما تحرقه فإن وزنك سينقص . ولكنك عندما تأكل سعرات حرارية أقل مما يحتاجه جسمك للقيام بالنشاطات الضرورية للمحافظة على الحياة ، فإنك في الواقع تفقد عضلا إلى جانب الدهن . جسمك يذيب العضل للحصول على الطاقة اللازمة لاستمرار الحياة .
الحميات التقليدية التي تضع قيودا على تناول السعرات الحرارية لم تعد ملائمة . معظم برامج إنقاص الوزن تقيس مدى النجاح فقط بعدد الأرطال التي تنقص كل مرة يحاول الشخص إنقاص وزنه . الحميات لاتعطي اعتبارا لنوعية الوسيلة التي تتبع لأنقاص الوزن ولا للاحتمال الضعيف جدا للمحافظة على نقصان الوزن الذي يتحقق . إذا أردت المحافظة على صحة جيدة على المدى الطويل ، يجب عليك الابتعاد عن الحمية التي تتطلب تقليل السعرات وأن تركز على نشاطات بدنية ممتعة وتغذية جيدة . القيام بتمارين بدنية بانتظام ، وأكل سعرات تدعم قلة الدهن ، وأكل بروتين وكاربوهيدريت ، وإنقاص السعرات الداعمة لتوفر الدهنيات في
الجسم ، لايساعدك على الظهور بمظهر أحسن والشعور بصحة أفضل فحسب بل سيقلل أيضا إلى حد كبير تعرضك لخطر الإصابة بالمرض .
تنفق الدول بلايين الدولارات على مختلف الطرق لعلاج المواطنين . لو أنها ركزت أكثر على الوقاية وتحسين التصرفات اليومية لكان بإمكانها تخفيض تكاليف العناية الصحية إلى النصف . على عكس الاعتقاد العام ، العيش حياة صحية ليست بالضرورة أمرا صعبا ، وليس من الضروري أن تكون شاقة أو أن تستغرق وقتا طويلا . إدخال تغييرات تدريجية بسيطة على الحمية التي تتبعها وعلى نشاطاتك البدنية سيحقق لك تحسنا كبيرا في صحتك ورفاهيتك وتقلل كثيرا تعرضك لخطر الإصابة بالمرض .
إذا أردت لبرنامج تحكمك بوزنك أن ينجح ، وجب أن يكون كل شيء تأكله وكل تمرين بدني تقوم به ممتعا لك . إذا كنت غير مستمتع بما تفعله وما تأكله كان من المستبعد أن تواصل برنامجك . الأمر بهذه البساطة . هذه التغييرات التدريجية البسيطة ليست شاقة ولا تثقل كاهلك ، إنما أنت تتطلع إلى جوهر أسلوب حياة مثير .
إجعل برنامج التحكم بالوزن خاليا من الإحباط والشعور بالذنب والحرمان ، واسمح لنفسك بإدخال تغييرات واقعية تدريجية على حياتك تجعل الطعام الصحي والنشاط البدني متعة أزليّة . سرعان ما تكتشف ما الذي يقدر عليه جسمك فتبدو في أحسن مظهر وتتصرف أفضل تصرف وتشعر على ما يرام . نتمنى لك حظا سعيدا . متع نفسك بفوائد اسلوب الحياة الصحي المفعم بالنشاط._(البوابة)