شركات ناشئة ولكن جريئة.. كيف؟

تاريخ النشر: 17 أغسطس 2016 - 08:52 GMT
شركات ناشئة ولكن جريئة
شركات ناشئة ولكن جريئة

في يوليو 2013، عمر جبر ومعتز سليمان، كلاهما 26 عاماً، كانا يستعدان للسفر لأول مرة إلى الولايات المتحدة لعرض منتجهم في مسابقة الشركات الناشئة التي نظمت من قبل (VentureBeat)، موقع إخباري للتكنولوجيا ومقره سان فرانسيسكو.

تحدد أداة (البرمجية كخدمة) أعطال البرمجيات في تطبيقات الجوال على أجهزة الأندرويد وأجهزة (iOS). كان يأمل كل من جبر وسليمان في أن يوفر الحدث انتشاراً لـ(Instabug). قاما بإنشاء الشركة الناشئة بالجيزة في مصر خلال وقت سابق من ذلك العام، كما قامت 200 شركة في جميع أنحاء العالم بالاختبار البرمجي الخاص بالشركة، وأبرزها (SNCF)، شركة السكك الحديدية الفرنسية.

قبل أسبوع من الحدث، علم كل من جبر وسليمان أن تأشيراتهم إلى الولايات المتحدة قد تأخرت. وكانت السفارة الأمريكية قد أغلقت أبوابها لعدة أسابيع، بسبب اشتداد الاحتجاجات التي وقعت آنذاك ضد الرئيس محمد مرسي والتي أدت في النهاية إلى الإطاحة به.  الأمر الذي دفعهم إلى الاستنجاد بصديقهم تامر حسنين، الرئيس التنفيذي
لـ(Timeline.com) والشريك العام في (Rising Tide Fund)، وطلبوا منه تقديم عرض حول (Instabug) في سان فرانسيسكو حيث الحدث نيابة عنهما.

بقي الثنائي مستيقظين طوال الليل لمشاهدة العرض التوضيحي في الجيزة عبر تحديثات وسائل الإعلام الاجتماعية على هواتفهم. على الرغم من أن (Instabug) لم تفز بأي من الجوائز، إلا أن العرض التوضيحي قد أحدث ضجة في القطاع التكنولوجي. وبحلول نهاية عام 2013، قامت (Instabug) بإصلاح ما يقرب من الـ1000 تطبيق. وهي تخدم الآن عملاء مثل (PayPal) و(Yahoo) و(Hilton)
و(Souq.com).

إنها تدفع رسوماً شهرية تتراوح بين 50 دولاراً إلى 10 آلاف دولار شهرياً، اعتماداً على الميزات. ووفقاً لجبر، تستطيع (Instabug) أن تحدد 50 ألف خلل كمتوسط في اليوم الواحد، وهي تعمل حالياً على أكثر من 12 ألف تطبيق. خلق انتشار (Instabug) على المستوى العالمي، وهو مكون يبحث عنه أصحاب رؤوس الأموال المغامرين، تحدياً مهماً: كيفية توسيع نطاقها خارج مصر، وهي سوق غير مشهور بإنتاج شركات التكنولوجيا البارزة. يقول عمرو عوض الله، مستثمر مصري وريادي ناجح شارك في جولتين تمويليتين

 

لـ(Instabug): "من النادر جداً أن تصادف شركة في مصر مثل (Instabug) تفكر بالعالمية. إنها تؤسس شيئاً ليس فقط من أجل سوقنا، بل سوف يعمل في جميع أنحاء العالم". لقد انتشر سوق التطبيقات بشكل مذهل.

 ووفقاً لـ(Statista)، قاعدة بيانات إحصائية أمريكية، من المتوقع أن تصل عائدات تطبيقات الهواتف العالمية إلى 76 مليار دولار في العام المقبل ارتفاعاً من 41 مليار دولار في عام 2015. تقوم شركات مثل (Bugzilla) و(Jira) و(Lean Testing) بالكشف عن أعطال البرمجيات، ولكن (Instabug) هي إحدى الشركات القليلة التي تركز على تطبيقات الهواتف المحمولة بشكل خاص. (Crashlytics) هو أداة أخرى تملكها (Twitter)، وتراقب تعطل التطبيقات.

يقول جبر: "إننا نقوم على إنشاء منصة لمطوري الهواتف المحمولة لمساعدتهم على إصلاح الأعطال والتواصل بشكل أسرع". ويقدر أنه ما لا يقل عن 2000 تطبيق للهواتف المحمولة يتم إطلاقه يومياً على (iTunes)
و(Google Play).

 إن التطبيقات الجديدة التي تعمل بشكل سيئ بسبب وجود خلل في البرمجيات ستفشل في الواقع.  وتشتمل الأعطال الشائعة على الأخطاء في التنقل والعرض ومزامنة البيانات التي تنشأ عن أخطاء التعليمات البرمجية. كما يمكن لأي خلل أيضاً أن يعرض البرنامج للقرصنة.

عادة عندما يواجه صانعو التطبيق خللاً؛ فإنهم يلتقطون صورة للشاشة ويقومون بإرسالها عبر البريد الإلكتروني إلى مطور البرامج مع الوصف. ثم يقوم المطور بالبحث عن المشكلة من خلال رموز التطبيق سطراً بسطر للوصول إلى مكان المشكلة وحلها، وهي عملية يمكن أن تستغرق ساعات أو حتى أيام. وكلما طالت مدة الإصلاح زاد خطر خسارة الشركة لعملائها وحصولها على الملاحظات السلبية،
لأن (App Store) و(Google Play) تعتمدان على تقييمات المستخدم لتصنيف التطبيقات.

هذه قضية تهم بشكل خاص تلك التطبيقات الحديثة، والتي غالباً ما تكون عرضة للأخطاء بسبب اندفاعها لإتاحتها للجمهور. كشفت دراسة في 2014 من قبل (Codenomicon)، شركة أبحاث تكنولوجيا المعلومات، أن ما يقارب النصف من تطبيقات الأندرويد الـ50 الأكثر شعبية عانت مشاكل وأعطالاً كبيرة. يقول جبر: "إن يصبر المستخدم على وجود خلل ما هو أمر نادر. ومن الصعب حقاً أن يسترد التطبيق شعبيته إذا حصل على مجرد نجمة واحدة في التقييمات".  يمكن للتطبيقات تحميل (Instabug)، حيث يمكنها أن تعمل في الخلفية بالزمن الحقيقي. إذا عثر مطورو التطبيق على خلل ما، مثل بطء عرض صفحة ما، فإنهم يقومون بهز هواتفهم الذكية أو الأيباد بسرعة. إن مجسات الاستشعار المدمجة بالأجهزة تلتقط الحركات. يبعث الاهتزاز تقريراً من (Instabug) يشير فيه إلى الرمز الخاطئ، والذي يسمح للمطورين بعد ذلك بإصلاحه. ويقدر جبر أن (Instabug) توفر الوقت الذي يتم فيه الكشف عن الأعطال بنسبة %90. يقول سليمان: "الاهتزاز شيء بديهي حقاً".

 كما يملك مطورو التطبيقات أيضاً خيار التقاط صورة للمشكلة واستخدام أداة الرسم على الشاشة التي تعمل باللمس للإشارة للمشكلة، والتعليق عليها في مربع النص. تحصل (Instabug) على إشعار وتقرير يتضمن معلومات عن الوقت والموقع ونوع الهاتف المحمول للمساعدة في تحديد المشكلة. تختصر العملية بعض الخطوات غير الضرورية، مثل إرسال وتسلم رسائل البريد الإلكتروني. لقد كان تطوير وتمويل تقنية (Instabug) في حاجة إلى جهود كبيرة في ظل تغيير نظام الحكم المصري.

 التقى كل من جبر وسليمان كزملاء للدراسة في جامعة القاهرة، حيث كان لهما اهتمام مشترك في مجال تطوير البرمجيات. تخرجا عام 2012، حصل جبر على درجة البكالوريوس في هندسة الاتصالات وسليمان في هندسة الحاسوب، وبدآ في تطوير منصة برمجية لاختبار تطبيقات الجوال من خلال إتاحة أدوات تقييم ودعم العملاء للمطورين. قاموا بتسميتها (AStarApps)، وتمكنوا من الوصول إلى (Flat6Labs)، حاضنة المشروعات الجديدة ومقرها القاهرة، التي استثمرت 10 ألاف دولار في الشركة الناشئة. لقد كان التقدم بطيئاً. بسبب الاضطرابات في مصر، كان انقطاع الكهرباء متكرراً وقد أحبط جهود جبر وسليمان في خدمة العملاء. لم يتمكنا من الاستجابة بسرعة للعملاء الذين احتاجوا إلى المساعدة عبر الإنترنت، في ظل انقطاع الكهرباء والإنترنت.

ولكن ظهرت أيضاً مشكلات أخرى لا يمكن أن تلام عليها الفوضى الحاصلة في البلاد. إذ افتقر منتجهم للتركيز وكان مليئاً بالخصائص غير الضرورية. يقول جبر: "كره العملاء (AStarApps)".

لقد أصابهم الاكتئاب وفكرا في وقف تطبيقهم، إلا أنهما قد لاحظا أمراً. على الرغم من أن مستخدمي (AStarApps)؛ وخصوصا مطوري التطبيقات المصريين، قد كرهوا التطبيق، إلا أنهم قد أعجبوا بميزة واحدة؛ أداة الكشف عن الخلل. وبينما كان سليمان لايزال في جامعة القاهرة، توصل إلى الفكرة خلال فترة تدريب لمدة 4 أشهر في شركة (Microsoft). وكانت مهمته في الشركة إيجاد الخلل في برامجها، وتقديم تقرير عنها إلى رئيسه بالطريقة القديمة، عبر أخذ لقطات للشاشة. اتخذ كل من جبر وسليمان قراراً ذكياً للتحول بسرعة؛ وتخلوا عن كل الميزات، باستثناء أداة الكشف عن الخلل. في ربيع عام 2013، قاما بتغيير العلامة التجارية إلى (Instabug). لقد ساعدتهما جاذبيتها المبكرة عند المطورين في الفوز بالمركز الأول وجائزة تبلغ قيمتها 50 ألف دولار في مسابقة (Pan Arab Region competition) التي تقيمها (MIT Enterprise Forum) عام 2013.  الأمر الذي أدى إلى دعوتهما لحضور مؤتمر (VentureBeat) في عام 2013.

أدى الانتشار إلى نتائج إيجابية. في ديسمبر/ كانون الأول 2013، حصلت (Instabug) على تمويل بقيمة 300 ألف دولار من قبل مستثمرين بما فيهم عمرو عوض الله وجورج حارك، مستثمر لبناني، وكان أحد موظفي (Google) الأوائل. كما عمل عوض الله أيضا ًكمرشد حيث قدم المشورة التقنية والعملية للشبان اللذين بلغ عمرهما آنذاك 23 عاماً وكانا يملكان الخبرة البسيطة. لقد أدركا أن (Instabug) يمكن أن تتخطى مصر. يقول جبر: "كان تركيزنا الرئيسي منذ البداية على أمثال (Soundcloud) و(Airbnb) و(Lyft) و(Uber) في العالم. لم تكن هناك أي حواجز ثقافية أو جغرافية لإنشاء مثل هذه التطبيق." (Instabug) مجانٍ لغاية  1 مليون مستخدم شهري نشط. في صيف عام 2013، قدمت الشركة 3 خطط مدفوعة.

 الخطة الذهبية، والتي تبدأ بـ350 دولاراً في الشهر، تتيح للعملاء تصميم الميزات حسب الطلب، مثل المقارنات والتحليلات الشهرية، ودعم العملاء على مدار 24 ساعة. أما الخطة الفضية، الخدمة الشهرية بقيمة 150 دولاراً، فهي الأكثر شعبية. وتشمل الدعم عند الخلل، وتوفير أداة الاتصال في التطبيق، فإذا عثر الأشخاص العاديون على مشكلة فإنه يمكنهم عندئذ أن يجروا حواراً مباشراً حولها مع طاقم الدعم في (Instabug) من خلال أداة الرسائل الفورية. الخطة البرونزية؛ هي الأقل تكلفة 50 دولاراً في الشهر، وتشمل الدعم عند الخلل، بالإضافة إلى التقارير.

إذا كان هناك خلل في التطبيق فإن (Instabug) تبلغ المطور على الفور بذلك. ووفقاً لجبر وصلت (Instabug)  نقطة التعادل التجاري في مدة 10 أشهر. وفي وقت مبكر، أجبرتهم قلة أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في مصر إلى التطلع إلى الولايات المتحدة للحصول على تمويل. في أواخر عام 2015، وكانوا يحملون هذه المرة التأشيرات، قدم كل من جبر وسليمان طلبا
لـ(Y Combinator)، شركة مرموقة في وادي السيلكون تقوم بتسريع أعمال الشركات الناشئة، وانضموا إليها. وحصلوا على تمويل بقيمة 120 ألف دولار من (Y Combinator).

 وفي يونيو 2016 حصلوا على تمويل أولي بقيمة 1.7 مليون دولار  بقيادة (Accel Partners)، شركة استثمارية مغامرة ومقرها بالو آلتو. كما شملت الجولة التمويلية على تمويلات من قبل عمرو عوض الله ورائد الأعمال جيم باين، ليصل المبلغ الإجمالي إلى 2.12 مليون دولار. ومع هذا التمويل، تخطط (Instabug) لفتح مكتب في سان فرانسيسكو بحلول نهاية عام 2016. وستظل معظم العمليات بما فيها هندسة البرمجيات في مصر.

 وسوف يقسم سليمان وجبر وقتهما بين الجيزة وسان فرانسيسكو. وذلك تماشياً مع مشورة عوض الله، بسبب نقص مطوري البرمجيات في الولايات المتحدة، حيث يقول عوض الله: "إن هندسة البرمجيات يجب أن تبقى بكل تأكيد في مصر، وذلك لأن تكلفة المهندسين في الولايات المتحدة في الوقت الحالي كبيرة." إن إحدى أهم الشركات الناشئة في مصر تقفز إلى الساحة العالمية.

المصدر: فوربس الشرق الأوسط 

اقرأ أيضاً: 

كيف تتخلص من إرهاق العمل؟