المعادن تتفق على التراجع وهروب جماعي للمستثمرين

تاريخ النشر: 26 يوليو 2015 - 08:25 GMT
خسائر الأسواق لم تنحصر في المعادن فقط إذ امتدت إلى السلع الزراعية
خسائر الأسواق لم تنحصر في المعادن فقط إذ امتدت إلى السلع الزراعية

هروب جماعي للمستثمرين من أسواق المعادن دفع أسعار النحاس والزنك والنيكل إلى التراجع في الآونة الأخيرة، فيما يواصل الذهب والفضة انخفاضهما وتسجيل مستويات قياسية منذ سنوات.

مؤشر بلومبرج للسلع انخفض الأسبوع الماضي بنسبة 3.3 في المائة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2009. والسبب قناعة عامة في الأسواق الدولية بأن موعد رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يقترب، وأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يقدم على تلك الخطوة لأول مرة منذ قرابة العقد بنهاية العام، ومن ثم لا يرغب أحد في الاستثمار أو المضاربة حاليا في انتظار القرار المنشود الذي سيقفز بقيمة الدولار للأعلى.

لكن الفيدرالي الأمريكي وإن كان يتحمل جزءا كبيرا مما وصلت إليه الأوضاع في أسواق المعادن، فإنه لا يتحمل المسؤولية بأكملها بمفرده.

فأسعار النحاس على سبيل المثال وصلت إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات، وانخفضت قيمة المعدن الأحمر في بورصة لندن – تسليم ثلاثة أشهر – بنحو 6 في المائة من قيمتها خلال أسبوع واحد ليصل الطن حاليا إلى 5191 دولارا تقريبا.

ديفيد راديل المختص في بورصة لندن يقول لـ"الاقتصادية" إن الاتجاه العام في سوق المعادن العالمية ربما يكون متأثرا بقضية رفع أسعار الفائدة في أمريكا، لكن التغير السعري لكل سلعة له أسبابه الخاصة".

وأضاف "النحاس على سبيل المثال تراجعت أسعاره نتيجة انخفاض الطلب الصيني، ففي شهر تموز (يوليو) وصل النشاط الصناعي في الصين إلى أدنى مستوى له خلال 15 شهرا، والانخفاض في الطلب تواكب مع زيادة من قبل المنتجين".

التوقعات المستقبلية لأسعار النحاس تبدو متشائمة بالنسبة لدونالد روب أحد المضاربين في سوق المعادن في بورصة لندن.

ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "التوقعات أن يواصل الطلب الصيني على النحاس الانخفاض، وسيرتفع الإنتاج خلال السنوات الثلاث المقبلة، أضف إلى ذلك أن ارتفاع قيمة الدولار ستعني عمليا انخفاض تكلفة الإنتاج في بعض المناجم".

وتابع روب "أعتقد أن توقعات بنك جولدن ساش صحيحة فقد توقعوا أنه بنهاية العام المقبل لن يزيد ثمن الطن على 4500 دولار، لكنه قد يستعيد عافيته عام 2020 ليصل إلى 5500 دولار للطن".

التراجع لم يصيب النحاس فقط فقد طال أيضا الزنك والقصدير، وبينما لم يتجاوز الانخفاض في أسعار الزنك 1 في المائة ليصل إلى نحو 2000 دولار للطن فإن التوقعات المستقبلية لا تسير في مصلحته وباء بمزيد من الانخفاض.

فبعد التوقعات التي سادت بداية الشهر بأن يزيد الطلب على العرض بنحو 151 ألف طن، فإن آخر البيانات تشير الآن إلى أن أسواق الزنك تتمتع حاليا بفائض يقدر بـ181 ألف طن.

أسواق القصدير كانت الأسوأ أداء إذ انخفض سعر الطن بما يقارب 3.6 في المائة ليصل حاليا في بورصة لندن إلى نحو 14790 دولار للطن وهو أدنى مستوى خلال أسبوعين.

ولـ "الاقتصادية" يعلق اندرو مارت المضارب في بورصة لندن بالقول "التوقعات بشأن أسعار الزنك كانت متفائلة، نتيجة تناقص الشحنات القادمة من ميانمار، والقيود التي فرضتها الحكومة الإندونيسية على التصدير، إذ شجع ذلك على رفع سقف التوقعات".

وتابع مارت بالقول "لكن تراجع الطلب الصيني، واستمرار عمليات التصدير من إندونيسيا أسهما في انخفاض الأسعار. السوق في حاجة إلى انخفاض الصادرات الإندونيسية بشكل حقيقي لتقليص المخزون ورفع الأسعار".

الألمنيوم والنيكل كانا أيضا ضمن قائمة المعادن التي تراجعت أسعارها. فبالنسبة للألمنيوم وصلت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في ستة أعوام ليبلغ ثمن طن الألمنيوم حاليا 1634 دولارا، وحمل المختصون الصين إلى حد كبير مسؤولية الانخفاض نتيجة زيادة إنتاجها من الألمنيوم مع انخفض استهلاكها نتيجة تراجع كل من النشاط الصناعي وعمليات التشييد والبناء.

ويعرب بعض المختصين عن مخاوفهم من أن ينعكس ذلك على صناعة الألمنيوم في السنوات المقبلة ليس داخل الصين فحسب بل على المستوى العالمي.

النيكل لم يخرج عن مسار السلع الأخرى. ويتوقع المسؤولون في بورصة لندن أن تشهد الأسعار التي وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2009 مزيدا من التراجع خلال الفترة المقبلة.

تيم نيت رئيس قسم الاستراتيجيات في مجموعة نيونيكل يقول لـ"الاقتصادية" "إضافة إلى الوضع الاقتصادي في الصين، فإن الأزمة اليونانية أوجدت شعورا بعدم الثقة بنمو الاقتصاد العالمي عامة وأوروبا خاصة، وأوروبا بمفردها تستهلك خمس الإنتاج العالمي من النيكل، ولهذا نجد أن أسعار النيكل في تراجع منذ عام تقريبا، وهذا أطول فترة منذ عام 2001 نشهد فيها انخفاضا سعريا متواصلا".

وامتد انخفاض الأسعار إلى الذهب والفضة، إذ أغلقت البورصة البريطانية أمس الأول على 1085.50 للأونصة بنسبة انخفاض قدرت بـ0.79 في المائة وهذا أدنى سعر يصل إليه الذهب في العاصمة البريطانية منذ 10 شباط (فبراير) 2010.

وقد مثل التراجع المستمر في أسعار الذهب كارثة حقيقية للمنتجين، فمجموعة باريك للذهب أكبر شركة منتجة للمعدن الأصفر في العالم خسرت خلال أسبوع واحد 2.2 مليار دولار أي ما يعادل 17 في المائة من قيمتها السوقية

الفضة سارت في مسار الذهب لتصل إلى أقل سعر في ستة أعوام ولتبلغ الأونصة 14.49 دولار أمريكي بنسبة انخفاض 1.45 في المائة. والاستثناء الوحيد كان في أسعار البلاتين الذي ارتفع بنسبة 1.1 في المائة.

وبصورة عامة انعكست الخسائر في أسواق المعادن سلبا على القيم السوقية لشركات دولية عملاقة إذ خسرت شركة فريبورت ماك موران 3.7 مليار دولار أي ما يعادل 23 في المائة من قيمتها السوقية، لتصل الآن إلى 12.8 مليار دولار.

الدكتور كيفت هوتن أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة أدنبرا يعتبر أن وضع الاقتصاد الدولي هو المسؤول الأول عن تدهور أسعار المعادن.

ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "انخفاض الطلب الصيني ليس العامل الوحيد، وإنما الصورة العامة للاقتصاد العالمي الذي لم يفلح حتى الآن في الخروج من الأزمة الاقتصادية عام 2008 هي السبب الرئيسي، فمتوسط النمو العالمي منذ الأزمة الاقتصادية 3.3 في المائة مقارنة بـ4.7 في المائة خلال السنوات الست السابقة للأزمة".

خسائر الأسواق لم تنحصر في المعادن فقط إذ امتدت إلى السلع الزراعية، فانخفض الذرة بنحو 1.6 في المائة لتصل إلى 3.95 دولار، أما فول الصويا فتراجع بنسبة 0.9 في المائة، بينما ظلت أسعار القهوة استثناء لارتفاعها بنحو 1.3 في المائة

ولـ "الاقتصادية" يعلق المختص الاستشاري في عدد من شركات الاستثمار الدولية بيل وليم "ربما تعاني أسواق المعادن والمنتجات الزراعية أوضاعا صعبة خلال الفترة المقبلة، فالوضع الاقتصادي للصين لا يزال في حالة من الارتباك من جراء ما حدث في البورصة أخيرا إضافة إلى البيانات الاقتصادية غير الإيجابية".

وتابع وليم "لا يزال هناك أمل في أن تتغير الصورة إذا ما ارتفعت معدلات النمو في اليابان وأوروبا، إذ سيعزز ذلك الطلب على المنتجات الزراعية والمعادن الخام بما في ذلك النفط".

اقرأ أيضاً: 

ارتفاع الدولار يهوي بأسعار المعادن

أسعار الذهب في اضطراب بسبب التردد في رفع الفائدة الأمريكية

الذهب يستقر مدعوماً بأزمة اليونان

 

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن