على الرغم من تباين صورة المسار السعري للذهب في الآونة الأخيرة، إلا أن حالة من التفاؤل لا تزال ملموسة بين عديد من المتعاملين في السوق، مرجعها أن المعدن الأصفر نجح في الصمود وعدم التراجع كثيرا في مواجهة الدولار القوي.
وتنظر الأسواق إلى الأيام الثلاثة المقبلة باعتبارها تحمل مؤشرا لما سيكون عليه وضع الذهب خلال الأشهر المقبلة.
وينتظر المستثمرون في اليومين المقبلين رد فعل المعدن النفيس على ثلاثة إعلانات رئيسية وهي: قرار البنك المركزي الأوروبي وكذلك بنك إنجلترا بشأن أسعار الفائدة، وبيانات أمريكية حول معدل التوظيف في الشهر الماضي.
ويقول باحثون في مجلس الذهب العالمي "إن مسؤولية اضطراب المعدن النفيس يتحملها البنك المركزي الأمريكي الذي لم يحسم حتى الآن قراره برفع أسعار الفائدة أو وضع جدول زمني لذلك".
وكشف استطلاع رأي لـ 20 مختصا بريطانيا أجراه مركز المساعدة الاستثماري في بريطانيا، أن 13 يتوقعون ارتفاع الأسعار هذا الأسبوع، بينما تكهن 3 فقط بانخفاضها، واعتبر 4 أن الأسعار ستحافظ على مستواها الراهن.
وحول الأسباب الداعية إلى لتفاؤل، تعتقد لورا هاري المحللة في مركز المساعدة الاستثماري، أن العامل الأساسي يكمن في شعور عام بأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لن يقوم برفع أسعار الفائدة قريبا، وهذا يحد نسبيا من الإقبال على الدولار.
وقالت لـ "الاقتصادية"، "إن كثيرا من التجار لا يقارنون الذهب بالدولار بل بالعملة المحلية. الفلاحون في الهند والصين مثلا يقدرون الأسعار وفقا لعملتهم المحلية وليس الدولار".
ويعتقد بعض المختصين أن العلاقة العكسية بين الذهب والعملات الدولية تكمن فقط في علاقته بالدولار الأمريكي بينما تغيب تلك العلاقة على سبيل المثال مع اليورو. ويقول البعض "إن علاقة الذهب بباقي العملات إيجابية".
وقال لـ "الاقتصادية" طوني جرين من قسم الصرف الأجنبي في مجموعة مورجان ستانلي "إن العملة الأمريكية هي الاستثناء الوحيد، لأن انخفاضها يشجع البلدان الأخرى على شراء الذهب، لكن عندما ترتفع العملة الوطنية فإن الطلب المحلي على الذهب يرتفع لأن المستهلكين يعتبرونه في تلك الحالة عملة موازية للدولار".
مع هذا فإن البعض لا يخفي تشاؤمه بشأن أسعار الذهب خلال الأيام القليلة المقبلة، ويطالب تاجر الذهب انيت مكارجي بتوخي الحذر حتى إعلان بيانات التوظيف في أمريكا.
وقال لـ "الاقتصادية"، "إنه لا يمكن للذهب أن يرتفع خلال الأسبوع المقبل إلا إذا كانت بيانات التوظيف الأمريكية سلبية أو إعلان عجز اليونان عن الالتزام بتعهداتها للإصلاح الاقتصادي أو ارتفاع الطلب الصيني بشكل كبير وهذا مستبعد جراء الانتعاش الراهن في أسواق البورصة الصينية".
بعيدا عن متابعة التغيرات اليومية في أسعار المعدن النفيس، فإن السؤال المطروح حاليا لدى كبار المتعاملين يدور حول محاولة استشراف المسار السعري للذهب في الأجلين المتوسط والطويل وما إذا كان الذهب قد فقد بريقه كملاذ آمن في أوقات الأزمات.
ويشير تحليل البيانات المتاحة عن الربع الأول من هذا العام إلى أن الطلب العالمي على الذهب انخفض بنحو 1 في المائة ليصل إلى 1079.3 طن.
وحول أسباب الوضع السعري المضطرب في أسواق الذهب العالمية يلقي إدوارد رايد الباحث في مجلس الذهب العالمي بالمسؤولية على واشنطن.
وقال لـ "الاقتصادية"، "إن العامل الرئيسي في اضطراب الأسعار الزيادة المتصاعدة في قيمة الدولار، وعدم حسم مجلس الاحتياطي الفيدرالي قراره برفع أسعار الفائدة، أو الرغبة في تحديد جدول زمني للقيام بذلك".
وأضاف "بمجرد رفع أسعار الفائدة سيحدث إقبال كبير من قبل المستثمرين على الدولار، لكن بعد بضعة أشهر ستستقر الأسواق وتصبح العلاقة بين الدولار والذهب أكثر استقرارا وتتراجع أجواء التذبذب السعري الراهن".
البعض رغم عدم نفيه التأثير السلبي لارتفاع قيمة الدولار في الذهب، يرى أن مشكلة الوضع الراهن في السوق العالمية للمعدن النفيس لا تعود فقط إلى الدولار.
وقال لـ "الاقتصادية" فيليب باور المحلل المالي في بورصة لندن "إن السوق الصينية والهندية هما السوقان الرئيسيتان في الطلب على الذهب، فمتوسط استهلاك الهند 233 طنا سنويا، والصين أعلى قليلا تقريبا، والشرق الأوسط 80.5 طن والولايات المتحدة 47.1 طن".
وباستثناء الهند فإن معدل النمو السنوي لاستهلاك الصين والشرق الأوسط والولايات المتحدة في تراجع.
وأضاف "بالنسبة إلى الصين فإن الطلب على المجوهرات انخفض بنسبة 10 في المائة، وكما أشارت دراسة حديثة فإن هذا مرجعه انخفاض معدل النمو الاقتصادي، وارتباك المستهلكين بشأن المسار السعري للذهب مستقبلا سواء بالانخفاض أو بالارتفاع".
ويعتقد البعض أن السوق الصينية والتغيرات الداخلية فيها هي التي ستلعب الدور البارز إن لم يكن الدور الأكبر في تحديد أسعار الذهب مستقبلا.
فمنذ عام 2013 أصبحت الصين أكبر سوق للذهب وتمثل بمفردها ثلث الطلب العالمي، وتشير تقديرات مجلس الذهب العالمي إلى أنه يتوقع نمو الطلب الصيني بحلول عام 2017 بنسبة 20 في المائة.
وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور هاورد جرهام أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كنت "إن تحول الصين إلى أكبر مستهلك للذهب في العالم يرتبط في جزء كبير منها بالتحول التدريجي الجاري في الاقتصاد الكوني بانتقال القوة الاقتصادية العالمية من الغرب إلى الشرق".
وأضاف "هذه عملية طويلة ومعقدة ومؤلمة وستشهد تقدما وتراجعا، لكن من الواضح أنها تتم وسط مقاومة شديدة من البلدان الغربية، والصين لم تصبح فقط أول مستهلك للذهب في العالم بل أيضا أكبر منتج للمعدن النفيس".
لكنه استدرك بأن مشكلة سوق الذهب في الصين عدم وجود الشفافية كالأسواق الأمريكية أو الأوروبية.
وقال "نظرا لأن النظام المال الصيني يسعى تدريجيا لأن يقدم بديلا للنظام المالي الذي تهيمن عليه البلدان الرأسمالية عالية التطور، فإن الذهب أصبح بصورة ملحوظة متزايد الأهمية من النظام المالي الصيني".
وتوقع أن يكون الوضع المضطرب حاليا في سوق الذهب مؤقتا وأن السوق في الأجلين المتوسط والطويل ستعاود الانتعاش سريعا، لأن في ذلك مصلحة للاقتصاد الصيني سواء كمستهلك أو منتج.
اقرأ أيضاً: