الذكاء الاصطناعي أداة لدعم صحتنا النفسية: حقيقة أم وهم؟
أصبح الذكاء الاصطناعي يضطلع بدور كبيرٍ في مجال رعاية الصحة النفسية، لا سيما من خلال تطوير أدوات التشخيص المبكر لبعض الأمراض العقلية وتقديم الدعم النفسي. غير أن الاكتساح المتسارع لهذه التقنيات التكنولوجية لمنظومة الصحة النفسية يطرح في الوقت ذاته جملة من التحديات والاعتبارات الأخلاقية التي تحتاج إلى معالجة شاملة وتبصّر.
صحيح أن مجال الصحة النفسية يشهد تحولات كبرى بسبب الاستخدام الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي في جوانب مختلفة، بدءًا من تقديم الدعم العاطفي عبر "روبوتات الدردشة "، مرورًا برصد العلامات المبكرة للاضطرابات، ووصولًا إلى تتبّع المزاج اليومي – لكن هذا الاقتحام الكاسح لا يجري دون إثارة ثمة تساؤلات جوهرية.
في هذا الصدد، تقول الدكتورة سهيلة غلوم: "من الخطأ أن نركّز فقط على مظاهره السلبية. الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه، ولا يمكننا تجاهله؛ إنه بالفعل يسهّل حياتنا في جوانب كثيرة".
لقد باتت أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل "تشات جي بي تي"، وسيلة يلجأ إليها كثيرون للحصول على دعم مباشر وسري، خاصة في البيئات التي تعاني من وصمة اجتماعية، أو قيود قانونية، أو فترات انتظار طويلة تحول دون الوصول إلى خدمات الصحة النفسية التقليدية.
تشير التقديرات إلى أن قيمة سوق تكنولوجيا الصحة النفسية عالميًا ستصل بحلول عام 2030 إلى ما بين 30 و35 مليار دولار. وتكمن أبرز عوامل الجذب للذكاء الاصطناعي في هذا المجال في سهولة الوصول؛ فبخلاف المعالج النفسي البشري، فهو متاح على مدار الساعة، لا يصدر أحكامًا، ولا يحتاج إلى حجز مواعيد. بالنسبة لكثيرين، خصوصًا في المجتمعات التي ما زالت تعاني من نقص في الموارد أو من اعتبار الصحة النفسية من المحظورات، يوفر الذكاء الاصطناعي شعورًا بالسرية والتحكم.
ومع ذلك، تحذّر الدكتورة غلوم من الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، قائلةً: "المشكلة ليست في التكنولوجيا بحد ذاتها، بل في طريقة استخدامها". وتنصح باستخدام هذه الأدوات بحذر وفهم حدودها، من خلال تجنّب مشاركة معلومات شخصية. وتؤكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد الأشخاص على تعلّم استراتيجيات للتكيّف أو تخفيف الشعور بالوحدة، لكنه لا يمكن أن يحل محل التشخيص أو العلاج المتخصص.
وتشير إلى أن مخاطر الاعتماد الكامل على هذه الأدوات حقيقية وملموسة، مسلطةً الضوء على حالات صادمة حصل فيها مستخدمون على نصائح ضارة من أنظمة ذكاء اصطناعي، وصلت إلى حد تقديم طرق للانتحار. وتقول: "لا توجد أي من الأدوات الحالية آمنة أو فعّالة بما يكفي لأن أوصي بها للمرضى. ورغم تحسّن بعض المنصات بتوفير موارد للأزمات، بدلاً من التداعيات الضارة، لا يزال أمامنا طريق طويل لضمان السلامة والمساءلة".
وتشمل المخاوف الأخرى الأثرَ المحتمل على القدرات المعرفية. فقد أبرزت الدكتورة غلوم، استنادًا إلى دراسة دولية، أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى انخفاض في بعض جوانب معدل الذكاء البشري. وتضيف: "قد لا يكون هذا الانخفاض ملحوظًا سريريًا أو في الحياة اليومية، لكنه يظل انخفاضًا، وهو أمر مثير للقلق، لأنه يطرح أسئلة حول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على تفكيرنا وصنع قراراتنا على المدى البعيد."
ومع هذه المخاطر، لا يمكن إنكار إمكانات الذكاء الاصطناعي في دعم رعاية الصحة النفسية. فكما يُستخدم اليوم في مختلف مجالات الطب والرعاية الصحية، يمكن تدريبه مستقبلًا على رصد المؤشرات العاطفية – مثل نبرة الصوت أو تعابير الوجه – لدعم أطباء الصحة النفسية.
لكنها تؤكد في الوقت ذاته على أن البنية التحتية الداعمة لدمج هذه التقنيات لا تزال غير مكتملة، فلا توجد إرشادات عالمية شاملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية، خصوصًا مع البالغين. وفي مناطق مثل الشرق الأوسط، حيث يوجد نقص حاد في الكوادر المتخصصة، يزداد الاعتماد على حلول بديلة، مثل الذكاء الاصطناعي.
وتخلص الدكتورة غلوم إلى الدعوة إلى اعتماد نهج متوازن عند التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي: "من المفيد استكشاف الأعراض بمفردك، لكن دع التشخيص والعلاج للخبراء".
خلفية عامة
مؤسسة قطر
تأسست مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع سنة 1995 بمبادرةٍ كريمةٍ من صاحب السموّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر بهدف تنمية العنصر البشري واستثمار إمكاناته وطاقاته.
توجّه مؤسسة قطر اهتماماتها إلى ثلاثة مجالات هي التعليم والبحث العلمي وتنمية المجتمع، كونها ميادين أساسية لبناء مجتمع يتسم بالنمو والإستدامة، وقادر على تقاسم المعارف وابتكارها من أجل رفع مستوى الحياة للجميع. تُعد المدينة التعليمية أبرز منجزات مؤسسة قطر وتقع في إحدى ضواحي مدينة الدوحة، وتضمّ معظم مراكز المؤسسة وشركائها.