رغم مواقفها الاقل صرامة حيال سوريا وايران ومحاولاتها ايجاد مخرج للأزمة السورية، وللأزمة النووية الايرانية، فإن كبار الخبراء الاستراتيجيين يؤكدون ان روسيا هي المستفيدة الاولى من تردي الاوضاع السياسية في كل من طهران ودمشق لما سينعكس من ايجابيات على قطاع الطاقة والنفط خاصتها.
اذاً، وبحسب المعلومات المتداولة، ستكون روسيا هي الرابح من فرض عقوبات دولية على سوريا، كما انها ستستفيد بدرجة أكبر اذا حظر الاتحاد الاوروبي واردات النفط الايراني مما يبقي على خام الاورال الروسي عند مستويات أسعار مرتفعة عدة أشهر أخرى. وبالتالي، سيؤدي ذلك الى ارتفاع عوائد النفط الروسية بما سيحمله معه من دفعة قوية للاقتصاد المتراخي، وبما سيخول الحكومة الروسية الدخول في مشاريع عدة، وتطوير خطط بنيوية واجتماعية لتحسين اوضاع روسيا الاقتصادية.«أورينت برس» راقبت فوائد ازمات سوريا وايران على روسيا وكتبت:بالنظر الى الاحداث الدرامية التي تجري في سوريا مع استفحال التظاهرات ضد نظام الرئيس بشار الاسد، وتزايد حالات القمع والقتل ضد المدنيين، ولاسيما مع اتخاذ جامعة الدول العربية قرارا بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا، فقد زادت أسعار خام الاورال الروسي بالفعل متجاوزة سعر خام القياس مزيج خام برنت منذ منتصف اكتوبر لاطول فترة على الاطلاق.
ويبدو ان روسيا استفادت ايضاً من الشحن المتزايد في العلاقات بين ايران والغرب في الاشهر الاخيرة، بحيث بعثت ايران برسائل قوية ومستفزة الى الغرب ليس اقلها اقتحام السفارة البريطانية، وانزال طائرة تجسس امريكية بطرائق تقنية، والقبض على مجموعة جواسيس تابعة لوكالة الاستخبارات الامريكية على الاراضي الايرانية. بينما في المقابل، سجل الغرب محاولات لفرض عقوبات اضافية على طهران وتضييق الخناق عليها بشكل اكبر.
قيمة الأورال
بحسب خبراء في عالم الاستشارات النفطية وقطاعات الطاقة فإن «قوة خام الاورال بالمقارنة بمزيج برنت في الاسابيع القليلة الماضية ترجع الى عدة عوامل هي عدم اليقين بشأن أثر العقوبات في ايران وفقد الانتاج والصادرات السورية في المقام الاول». وتخسر المصافي الاوروبية أموالا كثيرة اذ تضطر لدفع سعر أكثر مقابل خام الاورال وهو ما قد يثني الاتحاد الاوروبي عن التحرك قدما باتجاه حظر الخام الايراني الذي يعد مصدرا بديلاً. وفي العادة يباع خام الاورال بسعر أقل من سعر برنت لانه يحتوي على الكبريت بنسبة 1,3 بالمائة كما انه أكثر ثقلا من خامات بحر الشمال. وأغلب خامات ايران وسوريا اما مماثلة لخام الاورال وإما أثقل منه، وكل هذه الخامات تحتاج لدرجات أعلى من التكرير. وصدرت سوريا أغلب انتاجها البالغ 150 ألف برميل يوميا من الخام الثقيل العالي الكبريت عبر البحر المتوسط قبل فرض العقوبات في وقت سابق هذا العام في أعقاب حملة قمع الاحتجاجات ضد حكم الرئيس بشار الاسد الذي تولى السلطة قبل 11 عاما.
وكانت خامات سوريا الثقيلة بديلا تقليديا لخام الاورال الروسي عندما كانت الاسعار الروسية مرتفعة لكن اليوم تختلف الاوضاع الى حد كبير، وتقطف روسيا ثمار ما يجري في سوريا عبر ارتفاع عوائدها النفطية الى حد كبير بعدما لمست الحاجة المتزيدة الى نفط الاورال، وبالتالي عدم قدرة الدول المستوردة له على الاعتراض على رفع سعره.بانتظار رفع العقوبات يضيف الخبراء انه مع عدم توقع رفع العقوبات عن سوريا في أي وقت قريب من المرجح ان تكون هناك ضغوط ترفع سعر خام الاورال الى حد اكبر مما هو عليه الآن ما سيدر اموالا طائلة على الخزانة الروسية، بينما سترتفع صرخات دول الاتحاد الاوروبي المستوردة له التي تعتمد عليه اليوم كالبديل الوحيد المتوافر.
وفضلا عن ذلك اذا وافق الاتحاد الاوروبي على حظر واردات الخام الايراني في يناير كما كان متوقعاً، فسيتعين على المصافي الاوروبية ايجاد بدائل لنحو 600 ألف برميل يوميا من الخام المتوسط والثقيل العالي الكبريت وهو تقدير أوردته وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري عن سوق النفط في الآونة الاخيرة. ويتوقع المطلعون على قطاع النفط الروسي والايراني أن تدفع الخسارة المحتملة لواردات الخام الايراني المصافي الاوروبية الى مواصلة دفع علاوة سعرية على خام الاورال ليتجاوز سعر برنت في الاجل القصير حتى تتضح الصورة فيما يتعلق بايران، بعد ان تكون الدول الكبرى قد قالت كلمتها بهذا الخصوص.وقال هؤلاء انه حتى في حال فرض حظر جزئي ستواجه المصافي الاوروبية أسعارا مرتفعة للخام البديل من منتجين آخرين منهم روسيا والسعودية والعراق، لانهم سيجدون الفرصة متاحة امامهم لرفع اسعار نفطهم والاستفادة من عوائده بسبب ارتفاع الحاجة اليه.وتبيع المملكة العربية السعودية الخام فقط الى المتعاقدين بعقود اجلة، لكن ليس كل المشترين في أوروبا تربطهم عقود مع السعودية وبالتالي فمن المرجح ارتفاع سعر النفط السعودي ايضاً.من دون الخام الايراني اما روسيا فهي تبيع الخام في السوق الفورية وبعقود اجلة، وقال المتعاملون ان اليونان التي تعتمد على الخام الايراني اشترت في الفترة الاخيرة شحنة من خام الاورال من شركة جلينكور أول مرة منذ عدة اشهر. وقال متعامل «انهم بالتأكيد يختبرون كيف سيكون الحال بدون الامدادات الايرانية. ذلك ان سعر الخام الروسي مكلف بالتأكيد، ونتمنى الا يستمر الحال على ما هو عليه». واضاف: «اليونان ستجد أنه من الصعب جدا العيش بدون الخام الايراني والتحول الى خام الاورال المكلف الى حد اكبر، خصوصا انها تعاني ضائقة معيشية واقتصادية تحتم عليها التقشف والبحث عن الاسعار المخفضة بدلا من دفع اسعار أعلى لما كانت تستورده بأسعار اقل. ومن شأن ذلك ان يضيف الى عجز الميزان التجاري اليوناني وان يكبد الاقتصاد خسائر اضافية، لذلك ندعو الدول الكبرى الى التفكير مرة ثانية بفرض حظر على الخام الايراني لان في ذلك مشقة للكثير من الدول».
بيانات وارقام
واظهرت بيانات مختلفة أن روسيا صدرت نحو اربعة ملايين برميل يوميا غالبيتها الساحقة من خام الاورال الى اوروبا في نوفمبر عن طريق شاحنات وخطوط أنابيب، وتقوم شركات روسية واوروبية كبرى بعمليات بيع الخام الروسي. وفي حين ستكسب روسيا من ذلك ستكون الاسواق الاوروبية هي الخاسر، فالمخاوف من حظر أوروبي اكثر اضرارا بها منه بايران التي يمكنها بيع خامها الى أسواق اسيا المتعطشة للنفط. واستثمر العديد من المصافي الاوروبية مثل نيست الفنلندية وايني الايطالية في السنوات الماضية في وحدات تكرير متطورة مثل وحدات عزل الكبريت والتكرير لتتمكن من معالجة الخامات الثقيلة العالية الكبريت، وقد يكون لهذه السياسة أثر عكسي في انتاج هذه المصافي اليوم.وقال متعامل في النفط «خام الاورال الغالي يقلب اقتصادات المصافي رأسا على عقب.. الكل استثمر في المصافي لشراء المزيد من خام الاورال وغيره من الخامات العالية الكبريت التي كانت سبباً في ارتفاع تكاليف التكرير الى حد كبير مما يساهم في نقص الارباح». ويقول الخبراء في هذا الصدد ان هوامش الربح من عمليات التكرير لانتاج منتجات مثل البنزين والديزل من خام الاورال تحولت الى خسائر بين 1,25 دولار ودولارين للبرميل في الاسبوعين الماضيين على ان تتفاقم الارقام. وعلى العكس أظهر نموذج هوامش ربح المصافي ان المصافي مازال بامكانها تحقيق ارباح من خام برنت الخفيف الخالي من الكبريت. لكن السؤال هو: الى متى؟