تحل يوم 17 مايو من كل عام ذكرى رحيل الفنان المصري القدير أحمد مظهر، الذي لُقب بـ"فارس السينما المصرية"، لنشأته العسكرية، وأفلامه التي لازالت تُخلد اسمه حتى الآن، وعلى رأسها "الناصر صلاح الدين"، فهو صاحب تاريخ فني مميز، اتسم بالأداء البارع في تجسيد شخصياته بجدية.
ويرصد لكم "البوابة"، أبرز المحطات في حياة الفنان القدير أحمد مظهر، منذ نشأته وحتى وفاته.
ميلاده ونشأته
ولد أحمد حافظ مظهر، 8 أكتوبر عام 1917، بحي العباسية في القاهرة، ونشأ نشأة عسكرية، حيث تخرج من الكلية الحربية عام 1938، مع الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات، ثم التحق بعدها بسلاح المشاة، ثم انتقل إلى سلاح الفرسان، وتدرج إلى أن تولى قيادة مدرسة الفروسية، وشارك في حرب فلسطين عام 1948، واستقال منها وهو برتبة عقيد، وبعدها تفرغ للتمثيل في عام 1958، فأبدع وترك تراثاً كبيراً من فن الزمن الجميل.
وتزوّج "مظهر" من السيدة هدايت، ورزق منها بـ 4 أبناء، ثلاثة بنات وولد وحيد، ووقع بينهما الطلاق بعدما أطلق ابنه الوحيد "شهاب" الرصاص بطريق الخطأ فقتل أحد أصدقاء والده، وكانت تلك الواقعة من أهم الأسباب الرئيسية لانفصال الفنان عن حب عمره الوحيد السيدة هدايت.
مسيرته الفنية
بدأ مظهر، مسيرته الفنية، عندما قدمه المخرج القدير زكي طليمات في مسرحية "الوطن" عام 1948، ثم دخل عالم الفن السينمائي من بوابة الفروسية، حينما اختاره المخرج إبراهيم عز الدين ليقوم بدور في فيلم "ظهور الإسلام" عام 1951 م، وبعدها رشحه يوسف السباعي لبطولة فيلم "رد قلبي" عام 1952، الذي حقّق نجاحا كبيرا، قرر بعده مخرجو السينما أن يستثمروا نجاح هذا النجم.
ومنذ أن خلع "مظهر" بدلته العسكرية، توالت الأعمال الفنية عليه بكثرة، وأصبح نجماً سينمائياً بارزاً، وأبرز أدواره كان دور صلاح الدين الأيوبي الذي مثله في فيلم "الناصر صلاح الدين"، وبرع في جميع الأدوار التي أسندت إليه من كوميديا مثل فيلم "الجريمة الضاحكة" و"لصوص لكن ظرفاء"، وفيلم "الأيدي الناعمة".
بجانب الأفلام، نجح مظهر في الأعمال الدرامية، وشارك في عدد من أبرز المسلسلات المصرية مثل "ليالي الحلمية"، "ضمير أبلة حكمت"، "ضد التيار"، "على هامش السيرة"، "ألف ليلة وليلة"، و"حب في الحقيبة الدبلوماسية".
ومثّل "مظهر"، فيلم أجنبي عالمي مع الفنان بيتر جريفز صاحب أشهر مسلسلات السينما الإمريكية "مهمة مستحيلة"، وكذلك الممثل العالمي "كاميرون ميتشل"، وشاركهم البطولة الفنان المصري الشاب عمرو سهم ومجدي وهبه، ودارت أحداثه في بدايات القرن العشرين، والبحث عن البترول، وهذا الفيلم من إنتاج المنتج العالمي تونى زارانداست، وحمل اسم "البنادق والغضب".
علاقته بناصر والسادات
بعد التخرج أرسل أحمد مظهر وعبد الناصر والسادات إلى منطقة تسمى "منقبات"، حيث سنحت تلك الفرصة لهم للتعرف على بعضهم البعض بطريقة جيدة، كما كوّن علاقة مع عزيز المصري، الذي كان عضوًا فاعلًا ومؤسسًا في تنظيم "الضباط الأحرار"، وهي العلاقة التي أدخلته في تجربتين منتهى الخطورة، وهي إسناد مهمة التأمين للمصري خلال لقائه بالقائد الألماني روميل في أثناء الحرب العالمية الثانية، إلا أن اللقاء أُلغي في اللحظات الأخيرة بسبب عطل في محرك السيارة التي كان بها مظهر، والخطورة الثانية كانت محاولة تهريب عزيز من القاهرة بمساعدة الألمان خلال الحرب العالمية عن طريق غواصة إلا أن الأمر فشل.
أزمته مع مبارك
كشف مظهر، خلال حلقة قديمة له مع الإعلامي مفيد فوزي، وحكى عن حديقة فيلته التي تحوي مجموعة من أندر النباتات والأشجار، وكانت على وشك أن يدهسها "البلدوزر"، تمهيدًا لإنشاء طريق المحور الذي كان يمر بجوار الفيلا، ولأن تلك الحديقة كانت كل حياته، لم يتحمل مظهر حدوث ذلك فسالت دموعه بحرقة على الشاشة.
واتصل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بوزير الإسكان والمرافق حينها حسب الله الكفراوي، ليسأله عن مدى إمكانية إجراء تعديل لتفادي نزع نصف أرض فيلا أحمد مظهر، وتم عمل دراسة ورأى المهندسون تعذر إجراء تعديل، لأن الابتعاد عن الفيلا يستلزم إجراء انحراف بالطريق 20 مترًا ناحية الإسكندرية، ما سيتسبب في وقوع حوادث.
وبعد فشل "مبارك" في حل الأزمة، عرضت الحكومة على الفنان الراحل تعويضًا ماليًا بمبلغ كبير من المال نظير الجزء المستقطع من حديقة الفيلا، لكنه رفض بشدة، وقال إن الأشجار النادرة التي تم اقتلاعها لا تعوض بمال، ثم إن الفيلا نفسها تشوهت لأنها أصبحت بحديقة صغيرة، وكان يقضي فيها أيامه الأخيرة، ويستمتع مع أحفاده بما تبقى من عمره داخلها.
أزمته مع سعاد حسني
حكى "مظهر" أيضًا خلال لقاء نادر له، أنه عاني في حياته الفنية، ومشواره السينمائي، من مسألة كتابة أسماء الأبطال على تتر العمل، وكانت أهم المشكلات التي ضايقته، إن البطلات تتمسكن بكتابة أسمائهن قبل اسمه، ومن بين تلك الوقائع كانت مع الفنانة سعاد حسني، وبسببها فكر في اعتزال الفن نهائيًا، رغم أنه والسندريلا تألقا في أهم الأعمال التي اعتبرت من كلاسيكيات السينما، مثل "القاهرة 30، غصن الزيتون، ليلة الزفاف، اللقاء الثاني، شفيقة ومتولي".

وذكرت مجلة "الموعد" اللبنانية، أنه أثناء تصويرهما أحد الأفلام عام 1972، دهش "مظهر" من تصميم "سعاد" أن يكون اسمها الأول على أفيش الفيلم، وبعد هذا الموقف، قرر أن يتنازل عن تقديم الفيلم معها، وأن يعتزل التمثيل نهائيا، حيث أدرك وقتها أن أسهمه في بورصة النجوم بدأت تهبط بمعدل بسيط مع مرور السنوات، وبعد تفكير طويل، عدل عن قراره.
تكريمه
حاز "مظهر"، تقدير الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات، حيث قلّده الأول وسام "العلوم والفنون" من الطبقة الأولى عام 1969، وكرّمه الثاني أيضا بوسام آخر رفيع في احتفالات مصر بعيد الفن، الذي توقف بعد اغتيال السادات في أكتوبر عام 1981، ونال أكثر من 40 جائزة محلية ودولية على مدى مشواره الفني الطويل، من أهمها جائزة الممثل الأول في فيلم "الزوجة العذراء"، وحصل على جائزة في التمثيل عن دوره في فيلم "الليلة الأخيرة"، كما تم تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

وفاته
توفي فارس السينما المصرية أحمد مظهر، في يوم الأربعاء، 8 مايو، عام 2002، في مستشفى الصفا بالمهندسين، عن عمرٍ ناهز الـ 84 عاما، على إثر التهاب رئوي حاد للغاية، وشيعت جنازته بشكل مهيب من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، ودفن بمقابر باب الوزير قرب قلعة صلاح الدين الأيوبي.