ايران تستخدم الاقتصاد في اﻷلعاب السياسية

تاريخ النشر: 05 مارس 2013 - 01:06 GMT
لا تتورع إيران عن استخدام الاقتصاد في الألعاب السياسية الإيرانية المعهودة للضغط والابتزاز
لا تتورع إيران عن استخدام الاقتصاد في الألعاب السياسية الإيرانية المعهودة للضغط والابتزاز

تدرك إيران مكانة تركيا الإقليمية، ولذلك تسعى إلى خلخلة هذه المكان، وإضعاف هذا الدور من خلال زعزعة الدخل التركي، وفي دراسة للباحث المتميز علي باكير بين فيها أوجه التدخل الإيراني في تركيا، وسنستعرض هنا جانبين والجوانب الأخرى سنوردها في مقال قادم علنا نحذو حذو إيران في فهم خيوط اللعبة ومعاملة إيران بالمثل.

يقول الكاتب باكير إن إيران تعتمد ثلاثة طرق للتدخل في تركيا، الأقليات الطائفية المرتبطة بإيران عقائدياً أو سياسياً، وغالباً في هذه الحالة الأقليات الشيعية والعلوية، التيارات المتعاطفة مع النموذج الإيراني، المدخل المالي الذي يتم من خلاله شراء ذمم ضعاف النفوس ويضمّ هذا اللوبي صحفيين وإعلاميين ومثقفين وسياسيين ولا يقتصر عمل هذا اللوبي على بثّ الروايات التي تساند النظام السوري، بل إنّ عمله يستهدف القرار السياسي للحكومة التركية أيضاً.. وهو إن لم يحقق كل أهدافه، إلا أنه نجح على ما يبدو في إرباك المبادرات التركية الداعمة للثورة السورية، أو التشويش عليها، بحيث يعرقل عملها أو يصدّها. الاختراق الاقتصادي: كشف تقرير صادر عن اتحاد الغرف التركيّة أنّ 17 في المائة من الشركات (44 من أصل 253) التي اسّست في تركيا خلال أغسطس 2012 لوحده فقط؛ تبيّن أنّها مموّلة من إيران، وهي المرة التاسعة على التوالي التي تحتل فيها طهران لائحة الصدارة فيما يتعلق بالجهات التي تؤسس شركات داخل تركيا. فقد شهد عدد المؤسسات التي تم إنشاؤها في تركيا بدعم إيراني، ارتفاعاً سريعاً منذ بداية عام 2012، وبلغ عددها 651 شركة، لتتفوق بذلك على ألمانيا وروسيا وأذربيجان بواقع 252 للأولى، و126 لكلّ من روسيا وأذربيجان، علماً أنّ عدد المؤسّسات الإيرانية بلغ عام 2011 نحو 2140 شركة، بزيادة بلغت نحو 40 في المائة عن عددها عام 2010.

وتثير هذه النشاطات الاقتصادية الإيرانية قلقاً لدى أوساط مختلفة من الطيف التركي؛ من سياسيين واقتصاديين، وخصوصاً أنّها تركّز على القطاعات الاستراتيجية المهمّة، ومعلوم أنّ مفاتيح الشركات الاقتصادية الإيرانية يديرها الحرس الثوري الإيراني، فمعظم النشاط الاقتصادي الإيراني يركّز في تركيا على قطاع الطاقة والاتصالات والبناء. لكن لوحظ أيضاً، ومع اشتداد العقوبات على إيران، حصول نقلة في التركيز على هذه القطاعات إلى قطاعات أخرى يأتي في طليعتها قطاع الصيرفة والمال وقطاع المعادن والذهب، علماً أنّ صادرات الذهب التركية إلى إيران ارتفعت بشكل هائل خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2012 لتبلغ 6 مليارات دولار، ولتشكّل زهاء 75 في المائة من قيمة السلع التركية المصدّرة إلى إيران خلال تلك الفترة. وتخشى أوساط تركية من أن يؤدّي هذا الاختراق الإيراني للاقتصاد التركي إلى زيادة المشاكل الداخلية، على اعتبار أنّه يزيد من النفوذ السياسي لإيران وكلّ من يرتبط بها عبر هذه المؤسّسات والشركات التي تقيم معها عادة شبكة من المنتفعين، ويتمّ من خلالها تمويل عدد من الجهات المشبوهة داخل البلاد، وخصوصاً في هذه المرحلة الصعبة والحرجة التي تشتبك فيها الحكومة التركية مع النظام السوري، ناهيك عن موضوع خرق العقوبات الدولية والعقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث من الممكن أن يؤدّي التوسّع الإيراني في الاقتصاد التركي والالتفاف على العقوبات الدولية، إلى مواجهة غير مطلوبة بين أنقرة وكلّ من حلفائها الغربيين؛ واشنطن والاتحاد الأوروبي.

اختراق أمن الطاقة

لا تتورع إيران عن استخدام الاقتصاد في الألعاب السياسية الإيرانية المعهودة للضغط والابتزاز؛ فعلى سبيل المثال: بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران عام 2010 نحو 10,7 مليارات دولار، منها 3 مليارات دولار صادرات بضائع تركية إلى طهران، والبقية في أغلبها واردات نفط وغاز منها. أما في عام 2011، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 16 مليار دولار، تدفع تركيا منها نحو 12,5 مليار دولار ثمن الواردات من النفط والغاز، علماً أنّ إيران تبيعه لأنقرة بأسعار أغلى بكثير من سعر السوق! وهو ما يزيد الهوّة في عجز الحساب الجاري في تركيا، ناهيك عن استخدام الغاز والنفط الإيرانيين للابتزاز، كأن يتمّ قطعه في أوقات حرجة بالنسبة إلى الداخل التركي، أو في أوقات تتعلق بمسائل سياسية.. إذ تبيع طهران الغاز لأنقرة بسعر يفوق سعر السوق بكثير، إذ تشتري تركيا على سبيل المثال المتر المكعب الواحد من الغاز من أذربيجان بسعر 330 دولاراً، وتدفع الى روسيا نحو 400 دولار للمتر المكعب الواحد، وهو السعر الذي يتطابق مع سعر السوق العالمية، أما إيران فتبيع تركيا المتر المكعب الواحد من الغاز بقيمة 505 دولارات! وهو الأمر الذي دفع أنقرة إلى اللجوء الى المحاكم الدولية للبَتّ في القضية أمام تعَنّت الإيرانيين في تعديل السعر. إضافة إلى مشكلة السعر وإمكانية استخدام الابتزاز عبر قطع الإمدادات الإيرانية خلال فصل الشتاء (وهو ما تكرر عدة مرات)؛ تعتمد أنقرة على دولتين بشكل شبه كامل فيما يتعلق بإمدادات الطاقة من الغاز والنفط، هما روسيا وإيران، وهو ما يعدّ اختراقاً كبيراً لأمن الطاقة لديها، إذ من الممكن أن يؤثّر على خيارات البلاد الاستراتيجية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.