الأمن الغذائي: مشاكل رئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تاريخ النشر: 21 مارس 2010 - 09:02 GMT

 يشكّل الاحتياج العالمي إلى الأغذية بأسعار مقبولة مشكلة أساسية في كل دول العالم. فتزايد القلق بشأن توفير الإمدادات الغذائية ناتج عن الأسعار الباهظة للسلع والانخفاض في مستويات المخزون الاستراتيجي العالمي والتكلفة المتزايدة للمدخلات الزراعية، بالإضافة إلى التنافس من جانب مصنعي الطاقة البديلة. وتتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص بهذه العناصر، نظراً لعدم وجود مساحات كافية من الأراضي الزراعية وندرة مياه الريّ.
"وفي بعض دول المنطقة، أدّى النقص في الأغذية إلى اضطرابات في المجتمع، فيما أجبر ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعض الحكومات على زيادة الدعم الغذائي، ما يساهم في تشكيل ضغط إضافي على ميزانيات الدول" كما يوضح نبيه مارون، شريك في بوز أند كومباني. ونتيجة هذه العناصر، بدأت حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باتخاذ خطوات لإعداد سياسة شاملة للأمن الغذائي.
الأمن الغذائي: لماذا الآن، وما هي الخطوات المطلوبة؟
في العام 2008، مع ارتفاع أسعار النفط، ازداد طلب مصنّعي الطاقة البديلة على بعض المحاصيل، ما ساهم بدوره في زيادة أسعار الأغذية. وقد أطلق هذا الارتفاع المفاجئ والحادّ في الأسعار حملة من التظاهرات المدنية في بعض الدول، وبإجهاد لمالية الحكومات نتيجة الارتفاع الهائل في أسعار المواد الإستراتيجية الغذائية في دول أخرى. بالإضافة إلى ذلك، إنّ المساحات الزراعية ووفرة الماء محدودة جداً في المنطقة حيث يسجّل عدد كبير من الدول مؤشرات منخفضة جداً مقارنة بمعايير الأمم المتحدة للفقر المائي. ويوضح جورج عطا الله، شريك في بوز أند كومباني: "بما أنّ زراعة بعض المحاصيل كالأرزّ تتطلب كميات كبيرة  من الماء، قد يستعين عدد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالواردات، ما يؤدي إلى تعزيز تأثّرهم بأي خلل في السوق العالمي للمواد الغذائية الإستراتيجية".
وتنظر دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً في استراتيجيات توريد بديلة كجزء من سياسة شاملة للأمن الغذائي. وعلى هذه السياسة أن تحدّد الأغذية الإستراتيجية أولاً قبل التركيز على العناصر الأربعة الأساسية: توفير الكميات المطلوبة، التأكد من كونها في متناول الجميع مادياً، البعد الغذائي، وصحة وسلامة المنتج الغذائي.

توفّر الأغذية: تقاطع بين الكمية والتوقيت والوصول إلى الأغذية
إنّ الكمية والتوقيت والنفاذ عناصر رئيسية لضمان الأمن الغذائي. وتقوم دراسة بوز أند كومباني على تعزيز فعالية هذه العناصر الثلاث: على السلع الإستراتيجية أن تكون متوفرة بالكميات المطلوبة، وفي الوقت المطلوب، وتكون بمتناول كل فئات المجتمع في جميع المناطق.

الكمية: توفير الأغذية المطلوبة
ويقول مارون: "على صانعي السياسات أن يؤمنوا كميات كبيرة من الأغذية في البلد المعني من خلال مزيج من الإنتاج المحلي والواردات. أمّا الخيار الثالث الجديد فهو التعاقد الزراعي الخارجي، حيث تتمتع الدول بالاستفادة من الأراضي الزراعية والموارد المائية واليد العاملة المتوفرة في بلد آخر بهدف زراعة محاصيلها الإستراتيجية واستيرادها".

الإنتاج المحلي للأغذية: لتعزيز الإنتاج المحلي للأغذية، يمكن لصانعي السياسات أن يزيدوا مساحة الأراضي المزروعة أو أن يستبدلوا مزيج المحاصيل بالمحاصيل الإستراتيجية، ويعزّزوا إنتاجية الأراضي ومردودها من خلال الأبحاث، و/أو يدخلوا تحسينات تكنولوجية بيولوجية مثل الكائنات المحوّرة وراثياً GMOs.

الواردات الغذائية: تساهم الواردات في تلبية الحاجات الاستهلاكية عندما تتّسع الفجوة بين الطلب على الأغذية والتوريد المحلي. وتعتمد الأنظمة الاقتصادية المتحرّرة على القطاع الخاص لتأمين الواردات، فيما لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد على القطاعين العام والخاص في هذا المجال. كما أنّ الاعتماد على الواردات قد يفرض على الحكومات تأمين بنية تحتية فعالة لسلسلة الإمدادات، كقدرات التفريغ في الموانئ، ومساحات التخزين الكافية.

التعاقد الزراعي الخارجي: عندما يكون خيار الإنتاج المحلي غير ممكن وتكون الواردات متقلّبة وغير مستقرة، يبرز التعاقد الزراعي الخارجي كخيار جديد. وفي هذا الإطار، تعقد دولتان اتّفاقاً يخوّل إحداهما الاستفادة من الأراضي الزراعية والموارد المائية والخبرة واليد العاملة المتوفرة في الدولة الأخرى. ومؤخراً، بدأت حكومات مجلس التعاون الخليجي، الساعية إلى ضمان الأمن الغذائي، تنظر في إمكانية اعتماد التعاقد الزراعي الخارجي.

ولكن ليس من الواضح بعد ما إذا كان التعاقد الزراعي سيثبت فعاليته، نظراً إلى أنّ بعض الدول قد تلغي صادراتها عندما تكون الإمدادات محدودة. وفي هذا الإطار، يقول عطا الله: "بهدف تأمين توفّر المحاصيل، على صانعي السياسات إعداد اتفاقات تجارية وتطوير علاقات متينة مع دول تتميّز بوفرة الموارد والاستقرار السياسي".

التوقيت: تأمين توفّر الأغذية
إنّ تأمين الكميات الكافية من الأغذية عند الحاجة أمر حيوي. ولبلوغ هذا الهدف، يلجأ صانعو السياسات إلى التخزين وتخفيض مدة التوريد لتسريع وتيرة التسليم.

التخزين: يشمل ذلك إنشاء احتياطات إستراتيجية كافية لمدة محددة من الاستهلاك المحلي. ويتطلّب التخزين تخطيطاً كافياً لتحديد حجم المخزون الضروري وطريقة الشراء وطرق الإدارة الفعلية والتخزين وتوقيت إطلاق المخزون في السوق المحلي. ويتم تحديد كميات الاحتياطات الإستراتيجية بحسب المدة التي يتطلبها تسليم الشحنات وإمكانية بروز اختلال في الإمدادات.

تخفيض مدة التسليم: يمكن تخفيض مدة التسليم عند تنويع مصادر الإمدادات، وعندما يكون هناك تفضيل واضح لتوريد المنتجات الغذائية من دول مجاورة.

الوصول: تمهيد الطريق لوصول الأغذية إلى السوق
الوصول هو القدرة على تسليم الأغذية في كل أرجاء البلد. ويتطلّب ذلك تقييماً لسلسلة الإمدادات الخاصة بكلّ سلعة، بما في ذلك قدرة تحويل المنتج إلى الحالة النهائية مثل تحويل القمح إلى خبز، وقدرات وشبكات النقل ونقاط البيع، مع الأخذ بالاعتبار التركيز الديموغرافي في البلد.

أغذية في متناول الجميع مادياً: أدوات لتخفيض الأسعار
إنّ توفّر الأغذية بأسعار مقبولة هو العنصر الثاني في سياسة شاملة للأمن الغذائي. ويمكن للدول استخدام مجموعة واسعة من الأدوات للتأكد من أنّ السلع الإستراتيجية والمنتجات الغذائية متوفرة بأسعار مقبولة للسكان. ويعتمد تبنّي هذه الأدوات والتكاليف المرتبطة بها على سياسات الاقتصاد الكلي الخاصة بالدولة المعنية.

وبحسب عطا الله: "تدعم بعض الحكومات القطاع الزراعي لتوفير الحوافز من أجل إنتاج سلع غذائية إستراتيجية، فيما تدعم حكومات أخرى المنتج النهائي، ما يؤدي إلى تخفيض العبء المالي على الفئات الفقيرة والضعيفة مادياً كالأطفال والأرامل وكبار السنّ".

وفي مصر، تهتم وزارة التضامن الاجتماعي بتأمين توافر السلع الإستراتيجية الأساسية بأسعار مقبولة، من خلال برنامجَين رئيسيَّين: دعم الخبز لكل المواطنين، بالإضافة إلى دعم الأرزّ والسكر والزيوت والشاي من خلال بطاقات تموينيّة تُوزَّع على الفئات الأكثر فقراً.

وفي استطلاع حديث أجرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) مع المسؤولين الحكوميين الدوليين، أعرب معظم المشاركين عن تفضيلهم للتحكّم بالأسعار والدعم بهدف ضمان الأمن الغذائي. مع ذلك، وخلال تصميم أي سياسة دعم غذائي، هناك ثلاثة عناصر يجب أخذها بالاعتبار:

- الاستهداف: تحديد المجموعات الخاصة الواجب استهدافها من خلال الدعم مع الأخذ بالاعتبار مستويات الفقر والمجموعات الضعيفة على المستوى الاجتماعي.
- الشكل: تصميم الدعم بطريقة تساهم في تحقيق الأهداف المرغوبة، كدعم المنتج النهائي فقط بدل دعم كل سلسلة الإمدادات.
- الفعالية: التأكّد من أنّ المنتج المدعوم يصل إلى المستخدمين المستهدفين ويحقق الأهداف المنشودة.

ويقول مارون: "في الوضع المثالي، على ديناميات السوق أن تحدّد الأسعار، فيما تعيد الحكومات تحضير القوانين الحالية التي لطالما سبّبت اختلالاً في الأسعار". وعلى الدول أن تلجأ إلى مراقبة الأسعار في الحالات القصوى فقط، وبطريقة محدودة.

القيمة الغذائية والصحية: برامج الرعاية الاجتماعية المستهدفة
في أي دولة نامية، يعاني المواطنون من النقص في التغذية عندما لا يستهلكون الكمية الكافية من السعرات الحرارية، أو من سوء التغذية، عندما لا يستهلكون المزيج المناسب من النشويات والبروتينات والدهون، بحسب ما توصي به منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO). ويمكن للدول أن تصمّم برنامجاً لتثقيف المجتمع حول مخاطر النظام الغذائي غير المتوازن أو عدم استهلاك الكمية المطلوبة من السعرات الحرارية بحسب العمر والجنس. يمكن لوزارات الصحة والتربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العمل معاً من أجل إعداد برامج تشجّع المواطنين على تحسين عاداتهم الغذائية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومات النظر في إمكانية إعداد برامج دعم تشجّع على استهلاك منتجات صحيّة.

الأمن الغذائي: الامتثال للمعايير الدولية
يشمل الأمن الغذائي معالجة الأغذية وتحضيرها وتخزينها للتأكد من أنها صحية وآمنة للاستهلاك. في العام 1963، أعدّت لجنة أسستها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) ومنظمة الصحة الدولية (WHO) هيئة الدستور الغذائي (Codex Alimentarius)– وهو عبارة عن مجموعة معايير ومبادئ توجيهية وممارسات ذات صلة بالأمن الغذائي. وتدير الوكالات المحلية المملوكة من الدولة الأغذية على أساس هذه المبادئ التوجيهية، بما في ذلك الهيئة العامة للغذاء والدواء في المملكة العربية السعودية وجهاز أبو ظبي للرقابة الغذائية.

وسيضطلع القطاع الخاص بدور مهم في الحفاظ على الأمن الغذائي نتيجة اشتراكه في سلسلة الإمدادات الغذائية. وعلى صانعي السياسات إعداد مبادئ توجيهية للسلامة كي يتبعها القطاع الخاص. ويضيف عطا الله: "في الأزمات أو الحالات الطارئة الغذائية – كانتشار تلوث غذائي – يمكن للحكومة أن تتدخل لتأمين الإمداد بالأغذية الآمنة".

مهام القطاعين العام والخاص
خلال تنفيذ سياسات الأمن الغذائي، يمكن لحكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اختيار التوازن المثالي بين مشاركة القطاعين العام والخاص. وتبرز فعالية إستراتيجيات الأمن الغذائي حين يقتصر الدور الحكومي على المهام السياسية والرقابية. وتعتمد غالبية الدول على جهود القطاعين العام والخاص للحفاظ على توفّر السلع الغذائية الإستراتيجية.

مع ذلك، تقع على عاتق الحكومات مسؤولية القرارات الإستراتيجية في ما يتعلّق بكمية المخزون، وإعداد حوافز أو سياسات لتمكين القطاع الخاص من تنمية إمدادات السلع الغذائية أو استيرادها.

الخاتمة
إنّ تأمين الوصول إلى السلع الغذائية الإستراتيجية الجاهزة للتسويق هو مصدر قلق كبير بالنسبة للحكومات. ويعلّق عطا الله: "يمكن لحكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنفيذ سياسات للأمن الغذائي قادرة على تأمين توفّر السلع الإستراتيجية المغذية والآمنة للاستهلاك بأسعار مقبولة. ويمكن تحقيق هذه الأهداف من خلال عدد من التدابير التي تشمل حوافز واضحة للقطاع الخاص وبنية تحتية مرنة لسلسة الإمدادات".

نبذة عن بوز أند كومباني
بوز أند كومباني هي شركة عالمية رائدة في مجال الاستشارات الإدارية تقدّم الدعم للشركات العالمية الكبرى، والحكومات، والهيئات والمؤسسات.

أسّس أدوين بوز الشركة، وكان أوّل من زاول مهنة الاستشارات الإدارية ووضع لها تعريفاً عندما أنشأ أول شركة للاستشارات الإدارية عام 1914.

واليوم، تضمّ الشركة أكثر من 3300 خبير ومهني يعملون في 59 مكتباً حول العالم، وبفضل بعد النظر والمعرفة المتميزة والخبرة العملية والمنهج الوظيفي الذي تتمتع به الشركة، تساعد بوز أند كومباني عملائها على بناء القدرات وإحداث تأثير ملموس وفعلي، وذلك في إطار مساعيها للعمل بشكل وثيق مع عملائها وبلورة القيم والمزايا الأساسية للعمل وتوفيرها.

© 2010 تقرير مينا(www.menareport.com)