تداعيات الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني

تاريخ النشر: 12 يوليو 2012 - 08:42 GMT
بدأت الاضطرابات الأمنية في سوريا تأكل من الصحن اللبناني
بدأت الاضطرابات الأمنية في سوريا تأكل من الصحن اللبناني

مرة جديدة، تشوّش العوامل الجيوسياسية الاقليمية وتحديداً الاضطرابات الامنية المستمرة في سوريا على الاستقرار اللبناني ولكن هذه المرة من الناحية الاقتصادية. فبعد التعديلات الجذرية التي طالت طبيعة وحجم الدور الاقتصادي للبنان بسبب التحولات ذات الطابع البنيوي لاقتصاديات الدول الخليجية التي كانت تشكل المدى الحيوي لنمو الاقتصاد اللبناني، بدأت الاضطرابات الامنية في سوريا تأكل من الصحن اللبناني. رؤية ضبابية فالرؤية الاقتصادية في لبنان ضبابية ولا تبعث اطلاقاً على الاطمئنان، ولعل في صرخة الهيئات القتصادية التي حملت عناوين عديدة ابرزها «كي يبقى لنا اقتصاد» اكبر دليل على التحديات الجمة للواقع الاقتصادي اللبناني المبنية في جزء منها على الواقع السياسي الداخلي المحفوف بالمخاطر الناجمة عن الانفلات الامني والتوتر السياسي، والمبنية في الجزء الاكبر منها على الاوضاع الامنية السورية، فهل يشهد الاقتصاد اللبناني تعديلات جذرية تطال طبيعة وحجم الدور الاقتصادي للبنان؟ المؤكد هو ان الاقتصاد اللبناني يتهاوى، والمؤكد ايضاً هو ان استمرار الوضع على ما هو عليه من شأنه ان يلجم القوى المنتجة والمصدّرة ويؤدي الى تراجعها على المستويين الزراعي والصناعي، غير ان الشر المستطير الذي يتهدّد الوضع الاقتصادي لم تواكبه الحكومة اللبنانية بمعالجات فعالة، حتى ان رئيس الحكومة لم يتكلف عناء ادراج هذه المشكلة كبند على جدول اعمال حكومته المنهمكة في رأب تصدعاتها الداخلية.

فبناء على الصورة التي تقدّمها حكومة «كلنا للعمل» العاجزة عن اي عمل جدي لدرء الكارثة الزاحفة على الاقتصاد اللبناني، يتبدى للبنانيين ان العلاجات ولو الموضعية لتذليل المعوقات التي تعترض طريق الصادرات اللبنانية البرية غائبة كلياً، خصوصاً الصادرات الى سوريا ودول الجوار العربي. ومن الأدلة الصارخة على الشلل الحكومي العميم الذي يطبع اداء حكومة «كلنا للعمل»، احصاءات القطاعات الاقتصادية التي تشير بوضوح الى تراجع كبير في حركة التصدير خلال الاشهر الستة الأولى من العام الحالي، اذ يصل التراجع المسجل الى 50 في المائة مقارنة مع الاشهر الستة الأولى من العام الماضي، ومردّ ذلك كلّه الى تراجع التصدير براً عبر سوريا بنسب ملحوظة نتيجة المخاطر الامنية في الداخل السوري ونتيجة ارتفاع كلفة التأمين على الشاحنات الى درجة تُفقد البضائع اللبنانية قدرتها على المنافسة في الاسواق المجاورة.الضعف في التصدير ينعكس سلباً على الاقتصاد اللبناني بطريقة مضاعفة، اذ لا يقتصر الامر على القوى العاملة في القطاعين الزراعي والصناعي وعلى المصدرين وانما يطال ايضا جيوب اللبنانيين، بحيث ان التجار يعمدون الى تعويض خسائرهم من جيوب المواطنين عبر رفع اسعار السلع محلياً.

عام سيّئ كل عامل في القطاعين الزراعي والصناعي يجزم بأنه لم يشهد عاماً سيئاً كالعام الجاري. وفي هذا الاطار يقول امين سر نقابة مصدري ومستوردي اللحوم والاسماك والخضار المجلدة والمبردة سميح المصري ان «تدهور الوضع الامني للمعابر البرية عبر سوريا اسهم في رفع كلفة التصدير بحوالي الضعفين»، ومن تداعيات ذلك بحسب المصري، «ارتفاع كلفة نقل طن اللحم من 150 دولاراً اميركياً الى 260 دولاراً اميركياً، وارتفاع كلفة نقل طن السمك من 140 دولاراً اميركياً الى 260 دولاراً اميركياً ايضاً». اما عن حكومة العجز العميم فيقول المصري انها «اذا لم تشرع في اتخاذ قرارات عملية تصب في مصلحة المصدرين والمستوردين فإن كارثة ستحل». حالة طوارئ اقتصادية يطالب المصري الحكومة اللبنانية بشكل عام ووزارة الاقتصاد الى جانب وزارة الزراعة بحالة طوارئ اقتصادية تقوم على اعطاء تسهيلات استثنائية تساهم في استمرارية العمل في قطاع التصدير والاستيراد بعدما سجلت حركة الاستيراد والتصدير تراجعاً بنسبة تصل الى 50 في المائة «لكي تتمكن من دفع رواتب موظفيها ويكتسب هذا الامر اهمية خاصة متى علمنا ان في هذا القطاع حوالي 15 الف موظف» بحسب المصري.

من البر إلى البحر واذ يشدد المصري على ان حجم خسائر قطاع تصدير واستيراد اللحوم والاسماك والخضار المجلدة والمبردة كبير، لا يخفي التحوّل الملحوظ في النشاط التصديري من البر إلى البحر في الآونة الاخيرة. فـ«الجزء الاكبر من البضاعة المستوردة إلى لبنان كانت تخصص للتصدير الى الاردن والعراق وبلدان الخليج عبر البر السوري وقد بتنا اليوم نستورد بغرض الاستهلاك المحلي فقط». إلى الوراء در وما يصح على اللحوم والاسماك والخضار المجلدة والمبردة يصح ايضاً على الصناعات الغذائية التي بلغت درجة تدهور صادراتها الخط الاحمر الذي يشي بمخاطر كبيرة على القطاع. وفي هذا الاطار يقول رئيس نقابة اصحاب الصناعات الغذائية جورج نصراوي ان مرد الامر الى عدة اسباب «ولكن اكثرها ضغطاً وتأثيراً هو التدهور الامني في سوريا». ويقول نصراوي ان التدهور الامني في الداخل السوري معطوفاً على اسباب داخلية ادى الى ارتفاع اسعار البضائع اللبنانية المصدرة الى درجة تفوق المستوى المسجل في بلدان المقصد، ما جعلها تفقد جزءاً كبيراً من قدرتها التنافسية في هذه الاسواق، ويرى ان هذا الارتفاع في الاسعار بدأ يتترجم بـ«التراجع المسجل في حركة الصادرات اللبنانية».

ويشرح نصراوي انه «مع خروج الوضع في سوريا عن طوره بات المصدرون يخشون من التصدير في البر، ما ادى الى اطالة امد عملية الشحن مع الانتقال من البر الى البحر وهو ما يجعل من الامر ليس عملياً اذ عبر البر تستغرق عملية الشحن ما بين 5 ايام و7 ايام بينما عبر البحر تستغرق عملية الشحن ما بين 25 يوماً و30 يوماً»، وفي هذا الاطار يلفت نصراوي الى ان «ثمة سلعا تمتاز بالقدرة على تحمل المسافات الطويلة، لكن هناك سلع لا تملك القدرة على تحمل مدة طويلة في عملية التصدير كالمنتجات الزراعية لذا نضطر احيانا الى اعتماد البر بهدف تصديرها وهو ما يزيد كلفتها بسبب كلفة التأمين عليها المرتفعة». ويرى نصراوي ان الامور وصلت الى حد غير مسبوق، ويشرح في هذا الاطار ان هناك «مصانع عمدت الى بيع منتجاتها بسعر الكلفة حتى لا تخسر ايضاً اكلاف انتاجها»، ولفت الى ان «هذه الخسائر مرشحة للظهور في الميزانيات السنوية للمصانع». وتماماً كالمصري، يأخذ نصراوي على الحكومة اللبنانية عدم اتخاذها اي خطوة لانعاش النشاط الاقتصادي والصناعي وانقاذه من حالة الركود»، ويضيف في هذا الاطار ان المسؤولين اللبنانيين «يدعون جميعاً الحرص على قطاع الصناعات الغذائية ولكنهم في المقابل لا يدرجون المشاكل التي يعاني منها القطاع على جدول اعمال الحكومة».

لا شك انها ليست المرة الأولى التي يكون فيها الاقتصاد اللبناني في حالة ضبابية غير انها المرة الأولى التي تكون فيها الاوضاع في سوريا متفاقمة، الامر الذي يطرح سؤالاً وجيهاً حول مستقبل الاقتصاد اللبناني على المديين القريب والبعيد في ظل ظروف سوريا الاستثنائية وغير منظورة المدى!!