فى ديوانه الأول "كبرنا بنكره التفاح"، يراهن محمد البشبيشى على طاقة التفاصيل البسيطة والمشاهد العابرة، وعلى قوتها الكامنة وقدرتها على تفجير الشعرية دون ادعاء أو معاظلات، صانعا مفارقات لغوية ومشهدية من التفاصيل اليومية العادية، عبر أنسنة مفردات الحياة والواقع، وصنع دراما حيّة يتفاعل فيها البشر مع الشجر والحجر والجماد والسماء والحيوان وأصابع البيانو ودرجات السلالم.
تعتمد مجموعة "كبرنا بنكره التفاح" مستوى من الهدوء والبُعد عن الصخب الجمالى، لغويا وتشكيليا، إذ لا يبدو أن "البشبيشى" يشغل نفسه بمراكمة المجاز وصنع أخيلة وصور وفق العلاقات والأطر التقليدية، من بوابة المجاز والتشبيه وبلاغة التضايف البسيط، فيحتفى بدرجة كبيرة بالمشهدية والتنامى السردى والحوارى، ولكنه فى الوقت نفسه لا يتحلل تماما من مفاتيح وجماليات القصيدة العامية المستقرة، التى تحترم طابعها الشفاهى وتُسبغ عليها قدرتها التطريبية.
رغم الرهان التطريبى لـ"كبرنا بنكره التفاح"، تحلل الديوان من الالتزام المُحكم بالإيقاعات العروضية، دار حولها أو اهتزّ، أو تجاهلها فى مناطق عدّة، لصالح صنع جملة أكثر تماسكا وعضوية، أو اقتناص مفارقة مُحكمة وعارية من التكئات وأدوات الوصل وحروف الجر، بينما يتجلّى فى ثنايا النصوص غرام خفى بمشروعات بارزة فى قصيدة النثر الفصيحة، إذ يمكن ملاحظة قدر من التشاكل بين هدوء عماد أبو صالح، أو مفارقات رياض الصالح الحسين، وقصائد "كبرنا بنكره التفاح"، التى تقبض على هذا النزوع الهادئ، وفى الوقت نفسه تتفنّن فى الرقص وتفجير الموسيقى والتطريب.. ومن أجواء الديوان:
فى الليل
وشك بيشبه لـ"وش القهوة" فى الفنجان
من غير ملامح
كل همك إزّاى هتضحك
إذا حسّوا الوجع جواك
عينك الثابتة على أنفاس أبوك
رعبك مع كل تنهيدة
إن ده آخر نفس
خلاك تعاتب ربنا جهرا
بتقول:
"صحيح أعمى
لكن بشوف الروح"
*****
كنا فى نوفمبر
وكان ساعتها طويل
والشتا داخل بوشه المكشّر
ودمه التقيل
والبرد فارد سطوته ع الورد
كل أمّا الريح تميّل.. يميل
هنا عيد ميلاد النقص
وحاجات كتير وحشة ما نوعلهاش
وحنين لحاجات ما نعرفهاش
مشهد إباحى
لطفل بيعدّى الطريق من غير أبوه
لو تسألوه نفسه يطلع إيه
هيقول فى سرّه
تشبيكة إيد ما بتتفكّش.