البوابة- خاص
طفت الأزمة الليبية على سطح الإعلام الغربي بقوة خلال الأيام الماضية، في ظل عجز الليبيين عن حسم خلافاتهم السياسية فيما بينهم، ما ترك مجالا واسعا للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على منح الثقة لحكومة الوفاق الوطنية، وتحت وطأة الضغط العسكري لتنظيم داعش في سرت ودرنة وبنغازي، وتدفق المهاجرين الأفارقة إلى البحر الأبيض المتوسط، وكل ما يعنيه ذلك من صداع لدول أوروبا، شمال المتوسط.
إلا أن ليبيا شكلت للغرب، ودول حلف الناتو، الكعكة التي يمكن تقاسمها لما تملكه من ثروة نفطية، دفعت إلى حملة عسكرية أوروبية ضد الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، ولا تزال تلك الدول تستعين بسابقة المشاركة في الثورة الليبية في 2011، كذريعة للعودة إلى هناك ساعة اقتضت الضرورة، ما يثير قلقا مصريا وتونسيا من تشريع أبواب ليبيا على تدويل لا تحمد عقباه، وشكل جديد للاستعمار.
وأثار الغرب ـ ضمن تطورات وتصريحات عديدة ـ مخاوف دول في المنطقة، بسبب ما جرى تسريبه عن عزم دول أوروبية التدخل عسكريا في ليبيا، على الأقل، وفق ما يعرف بـ (عملية صوفيا) البحرية الإيطالية، لهذا جاء نفي الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبيرغ أن يكون الحلف يخطط لعمليات قتالية في ليبيا. وقالت أخبار صحفية مؤخرا، إن تصريحات ستولتنبيرغ جاءت ضمن اجتماعات وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في لكسمبورغ، والتي قال فيها كذلك إن الحلف على اتصال مباشر مع رئاسة حكومة الوفاق بطرابلس، وأبدى في السابق دعمه لها، وأن الحلف على استعداد لتقديم دعمه في مجالات إصلاح المؤسسات الدفاعية والأمنية والخبرات في مكافحة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب.
من جهتها، نفت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي، خلال اجتماع لكسمبورغ، أن يكون التدخل العسكري مطروحا خلال تلك الاجتماعات والأمر نفسه قاله وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند حين نفى نية بلاده إرسال قواتها إلى ليبيا، مضيفاً أن ليبيا ليست لديها الرغبة في وجود قوات أجنبية على أراضيها.
بيد أن المخاوف الغربية يمكن ترجمتها فيما تناولته هيئة الإذاعة البريطانية في 19 إبريل، حين ذكرت أن المسألة الليبية باتت تثير اهتمام المجتمع الدولي، عازية ذلك إلى تواجد تنظيم داعش في مدينة سرت، وموجات المهاجرين التي تنطلق من السواحل الليبية نحو أوروبا، لتخلص إلى أنه، ومرة أخرى أصبح مصير ليبيا وما يجري بها مصدر قلق رئيسي للغرب. إلا أن التقرير الذي أبدى أهمية خاصة لحكومة الوفاق الوطنية، أشار إلى أنه يوجد في ليبيا الآن حكومتان موازيتان، الأولى في طرابلس بقيادة الإسلاميين، وأخرى في طبرق ـ غربي البلاد ـ ويعترف بها المجتمع الدولي.
وفي حقيقة الأمر، أصبح في ليبيا الآن ثلاث حكومات إذا ما أضفنا إلى السابقتين، حكومة الوفاق التي تحظى بدعم الأمم المتحدة والتي انبلجت بناء على تصويت شخصي من أعضاء في البرلمانين المذكورين في طرابلس وطبرق، فضلا عن مكون داعش وكل مآلاته الخطيرة في سرت، بالإضافة إلى ميليشيات مختلفة تسيطر على أماكن مختلفة في البلاد.
وأثار الخوف من تدخل عسكري غربي تحت ذريعة محاربة داعش، حفيظة دول الجوار، وبخاصة مصر وتونس، ففي خبر نشرته BBC، في 15 إبريل، حذر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي من أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، مشيرا إلى أن من شأن مثل هذا التدخل أن يؤدي إلى تقسيم البلاد. وأضاف بأن "التدخل سيؤدي إلى كارثة أكبر من ضياع الدولة، وسيزيد شبح الانقسام".
لكن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رغم تلميحه برفض التدخل العسكري، كان أكثر حماسة بعدم استبعاد تدخل بلاده في ليبيا لدرء التدخل الأجنبي، وذلك في مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره الفرنسي، فرانسوا أولاند.
ومع ذلك لم يعارض السيسي والسبسي دخول بلديهما في تحالفات إقليمية من أجل مواجهة الإرهاب، وبخاصة داعش ـ ليبيا.
على أي حال، القلق لم يكن إقليميا ـ عربيا فقط، بل لقد كان عضو مجلس النواب الليبي، أبو صلاح شلبي، أكثر صراحة حين أعرب عن قلقه من فشل مجلس النواب الليبي في منح حكومة الوفاق الثقة، منبهاً إلى أن الفشل قد يفتح الأبواب للتدخل الأجنبي مضيفا بأن "أمامنا الفرصة لتفويتها على كل الطامعين من دول غربية في ثروات ليبيا وفي السيطرة عليها".
وفيما لم تأت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من فراغ، حين حذّر المجتمع الدولي من التدخل في ليبيا دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، حتى لو ناقد المسؤول الروسي نفسه، حيث تتدخل بلاده في سوريا من دون تفويض من أحد، إلا أن هذه التصريحات التي أوردها تلفزيون روسيا اليوم، أكدت أن ثمة ما تعده أوروبا على وجه الخصوص، والغرب بشكل عام في ضوء تطورات الأحداث في ليبيا.
ويمكن تبرير مخاوف الدول العربية، خاصة وأن صحيفة Mail، ذكرت في 18 إبريل الجاري، بأن بريطانيا قد تنشر ألف مقاتل في ليبيا من أجل التصدي لخطر داعش المتنامي، وهو ما نفاه فالون كما جاء لاحقا في اجتماع لوكسيمبرغ. وتابعت الصحيفة بأن مسؤولا بريطانيا رفيعا في سلاح الجو البريطاني سوف يتوجه إلى إيطاليا من أجل اقتراح مشاركة القوات البريطانية ضمن القوات الإيطالية التي يبلغ قوامها 6000 آلاف جندي، سيعملون، وفق ما أعلنته إيطاليا، على إنهاء الفوضى في هذا البلد. فيما ستعمل القوات البريطانية على تأمين المؤسسات الحيوية مثل المستشفيات والمصارف، ولن تتولى مهام هجومية.
وأضافت الصحيفة أن 100 عنصر من القوات الخاصة البريطانية موجودون حاليا في ليبيا لتوفير الحماية للرئاسة الليبية، والتصدي لخطر داعش، بيد أن الصحيفة أوضحت بأن ثمة إشارات عديدة تؤكد أن حلف الناتو يتجه نحو زيادة تواجده العسكري في ليبيا، فيما يشكل اجتماع روما المقبل فرصة بغية تحفيز المقترح الأوروبي؛ زيادة الانخراط العسكري في ليبيا، ويأتي بعيد زيارات قام بها فالون، وهاموند إلى لوكسمبورغ للدفع بهذه الخطوة إلى الأمام، والتصدي لمشكلة الهجرة.
ويبدو أن أول أشكال التدخل العسكري، يأتي من خلال (عملية صوفيا)، التي تستهدف مهربي البشر، حيث من المتوقع أن تزيد القوات الأوروبية من تواجدها على الساحل الليبي، فضلا عن إرسال وحدات أمنية إلى طرابلس. وشكل اجتماع لوكسمبرغ، فرصة لبعض الدول الأوروبية كي تقنع بقية الأعضاء في الاتحاد بالمضي في (عملية صوفيا) العسكرية البحرية التي ترمي إلى الحد من الهجرات البشرية إلى القارة الأوروبية.
أما السيناريو الثاني للتدخل العسكري، فهو يتجلى في حملات جوية تهدف إلى قصف مواقع داعش، بالإضافة إلى تدريب القوات الليبية خارج الأراضي الليبية، بينما ستكون القوات البريطانية جزءا من كل تلك المهام، حيث أشارت صحيفة ميل البريطانية إلى أن ضباط استخبارات بريطانيين وأمريكيين أعطوا حقائب مليئة بالمال لشيوخ القبائل هناك لوقف معارضتهم للتدخل العسكري الغربي في البلاد.
ويبدو أنه لا توجد نوايا فحسب للتدخل الغربي في ليبيا، بل تنافس أيضا بين الدول الغربية، إذ قالت BBC، في 19 إبريل، إن بريطانيا وبعد أن لعبت دورا أساسيا في الحملة الجوية التي ساهمت في إسقاط نظام معمر القذافي في 2011، تعود حاليا لتمارس دورا محوريا في الجهود العسكرية المفترضة التي يأمل من خلالها الأوروبيون لإعادة الاستقرار إلى ليبيا. وذكرت الإذاعة بأن زيارة الوزير هاموند المفاجئة إلى طرابلس في الأسبوع الجاري، وتقديمه مساعدات قدرت بـ 10 ملايين جنيه إسترليني لليبيين تؤكد عزم بريطانيا العودة بقوة إلى الساحة الليبية، خاصة وأن الزيارة جاءت بعد زيارة وزيري الخارجية الألماني والفرنسي إلى طرابلس.
ويتخذ التدخل الليبي عادة من سابقة حملة الناتو العسكرية في 2011، ضد كتائب القذافي، تفويضا لأي عمل لاحق، وكانت BBC، 16 إبريل قد ذكرت كذلك بأن تقارير تشير إلى أن "الناتو" يُعد خططا لنشر عدة آلاف من القوات استجابة لطلب محتمل من الحكومة الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة. وما يعزز تلك الفرضيات الزيارة المفاجئة لوزيري الخارجية الفرنسي والألماني إلى طرابلس، حيث أعرب جان مارك أيرو وفرانك فالتر شتاينماير، عن استعداد بلديهما لتدريب قوات الأمن وحرس الحدود الليبي، حال تلقي بلادهما طلبا بذلك من حكومة الوفاق. وقال مارك أيرو إنه "لن يحدث شيء حتى تبدي الحكومة رغبتها وتختبر ذلك بطريقة ملموسة للغاية". وكان شتاينماير قد ذكر سابقا أنه من المرجح أن يكون التدريب الأوروبي لقوات الأمن الليبية خارج البلاد في مراحله الأولى.
وتزيد الأنباء التي تشير إلى اهتمام عسكري غربي في ليبيا، حيث أوردت صحيفة كوريري ديلا سيرا الإيطالية، في 16 إبريل، خبر استئناف طائرات أمريكية، MQ-9، مهام الاستطلاع في السماء الليبية، بعد أن أقلعت من صقلية إلى هناك. وذكرت الصحيفة أن القاعدة العسكرية في صقلية في انتظار وصول طائرات غلوبال هوك، تابعة للناتو، للمشاركة في المهام الاستطلاعية نفسها.
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن الناتو، ينفذ مشروع توسيع الحظائر وبناء ممرات جديدة داخل القاعدة القريبة من ليبيا، بهدف توفير إمكانيات أفضل للإقلاع والهبوط واستيعاب أكبر عدد من المقاتلات. وكشفت كذلك بأن الحلف نقل إلى القاعدة، بالفعل، صواريخ هيل فاير لاستخدمها على طائرات إم كيو-9 ريبر المستخدمة في مهام قتالية.
وفي 17 الجاري، بحث وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي، في اجتماعهم في لوكمسبرغ، ما أسموه برامج أمنية واقتصادية لدعم حكومة الوفاق الليبية، في مواجهة داعش، وموجات الهجرة المتزايدة إلى أوروبا، فيما بحث الوزراء مع رئيس الحكومة المؤقتة الليبية، فايز السراج، خلال اتصال بالفيديو مستجدات تشكيل الحكومة. وأشارت الأخبار إلى أن الاتحاد يسعى إلى دعم مشاريع حيوية تشكل أولوية للشعب الليبي خاصة في المجالات الأمنية. ويبدو أن الموقف الأوروبي يدور حاليا حول أهمية تدريب القوات الليبية، وتأهيلها لمواجهة التحديات الراهنة في البلاد.
وقالت التقارير إن الاتحاد الأوروبي يجهز سلة مساعدات بقيمة مائة مليون يورو (113 مليون دولار) للجوانب الاقتصادية والإنسانية في ليبيا، فضلا عن استعداد الدول الأوروبية لتدريب القوات الليبية من أجل مكافحة الإرهاب.
ولا تنحصر الجهود الغربية على سعيها لفرض القوة في الميدان، بل والضغط لإنجاح عمل حكومة "الخداج" الوطنية عبر تطويق المعارضين لها حيث، أجاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخرا، لوزارة الخزانة الأمريكية إجراءات عقابية مالية وعلى مستوى التأشيرات بحق أشخاص أو مؤسسات معنوية، "يهددون السلام والأمن والاستقرار في ليبيا"، ومن بينهم خليفة الغويل، رئيس حكومة طرابلس غير المعرف بها دوليا. وجاءت الخطوة الأمريكية بعد 3 أسابيع من خطوة مماثلة اتخذها الاتحاد الأوروبي.