خبر عاجل

ماذا الذي قد يقدمه الرئيس الفرنسي الجديد هولاند للعرب؟

تاريخ النشر: 20 مايو 2012 - 03:10 GMT
الرئيس الفرنسي الجديد هولاند وشريكته
الرئيس الفرنسي الجديد هولاند وشريكته

"الشعب الفرنسي قال كلمته" هكذا أنهى نيكولا ساركوزي فترة حكمه ليرحل عن الأليزيه بعد معركة حامية الوطيس انتهت بفوز فرنسوا هولاند رئيسا تاسعا للدولة الفرنسية لتعود الاشتراكية اليسارية للسلطة بعد غياب دام أكثر من 17 عاما لصالح اليمين.

لاشك أن السياسة التي اتبعها الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي هي ما أطاحت به في الانتخابات خاصة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بدول أوروبية وزلزلت مواقع قادة دول كاليونان وأسبانيا وإيطاليا فأدت إلى زيادة نسبة الباحثين عن عمل بنسبة لم تصل إليها منذ أكثر من 12 عاما وزيادة العجز في موازنة الدولة وتراجع الصناعة وهو ما زاد من مخاوف الفرنسيين من اللجوء لخطة تقشف قاسية تخرجهم من أزمتهم كما اقترح الاتحاد الأوروبي.. إلى جانب سياسته التعسفية تجاه المهاجرين خاصة المسلمين نظرا لأصوله اليهودية على أمل الحصول على أصوات اليمين المتطرف ثم جاءت وثائق تؤكد حصوله على أموال من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي لتمويل حملته الانتخابية السابقة بالكامل لتطيح بمستقبله السياسي.

أما هولاند فإن لديه رؤية مختلفة للخروج من الأزمة الاقتصادية بمناقشة المعاهدة الأوروبية حيث إنه يرفض الاعتماد على التقشف ويفضل بدلا منه الاعتماد على إحداث نمو حقيقي مع فرض ضرائب على الأثرياء لإعادة التوازن في الميزانية وتأمين وظائف خاصة للشباب للحد من ظاهرة البحث عن عمل.

لا يخفى على أحد الثقل السياسي للدولة الفرنسية في المجتمع الدولي فهي عضو دائم في مجلس الأمن وإحدى الدول الرئيسية بالاتحاد الأوروبي إلى جانب امتلاكها للسلاح النووي لكن ما يهمنا نحن العرب ماذا يمكن أن يقدم لنا هولاند؟.. وهل ستتغير السياسة الخارجية الفرنسية مع تغير رئيسها؟

إن العرب يراقبون دائما بعين يملؤها التفاؤل إجراء الانتخابات في أي دولة عظمى عسى أن تتغير السياسات العالمية تجاه القضايا المتأزمة التي تمر بها أمتنا العربية .. مبدئيا لقد وعد هولاند بسحب سريع للقوات الفرنسية من أفغانستان التي كان من المقرر لها أن تظل حتى نهاية سنة 2014 ليتم الانسحاب بالكامل مع نهاية 2012 وهذا يعتبر مؤشر خير بأنه لا يميل للحرب والخيار العسكري ويكره العدوان ونتمنى أن ينعكس هذا على القضايا الملتهبة سواء الإيرانية أو السورية أو الفلسطينية.. فموقفه من الأزمة السورية يعتبر حكيما فهو لا ينتوي اتباع سياسة سابقه التي كان يتشدق بها الداعية للتدخل العسكري سواء عبر مجلس الأمن أو مؤتمر أصدقاء سوريا أو اجتماعات الناتو بل يرى أن بلاده لن تتدخل عسكريا إلا في حال إقرار الأمم المتحدة لذلك عبر انتخابه كحل نهائي للمشكلة.. وبالرغم من ذلك ندرك تماما أن هولاند لن يكون رفيقا بالفلسطينيين ويعادي الجانب الإسرائيلي إلا أننا يحدونا الأمل في أن يتسم بالعقلانية والعدل فينأى عن السير في ظل أمريكا وتبني رؤاها سواء كانت على حق أم على باطل وينظر للقضية بعين العدل والحق.. وهذا ما تأمله أيضا إيران حيث يمني نجاد نفسه بأن تغير فرنسا على يد هولاند موقفها من برنامجها النووي رغم تصريحه أثناء حملته الانتخابية بأنه يرى أن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا على إسرائيل والعالم بأسره.

الملاحظ أن المؤشرات المبدئية لسياسة هولاند أنه يبتعد عن توجهات المحافظين الجدد المسيطرة ليست على البيت الأبيض وحده بل على العالم أجمع وهو ما يشكل خطرا على السياسة الأمريكية باحتمال تمرد دول أخرى على هذه السياسة والخروج عن النص الأمريكي المكتوب لها.. إلا أن هذا لا يجب أن يمنحنا بالكثير من التفاؤل لأنه في الغالب لا تتغير سياسات الدول الكبرى بالنسبة للقضايا العربية بتغير رؤسائهم سواء من كان في سدة الحكم من اليمين أو اليسار لأنها خطوط مرسومة يسير عليها الرئيس دون تجاوز.. ولعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما وما سبقه خير دليل على ذلك.

على العموم يجب ألا نعقد آمالا كثيرة على هولاند بل ما يجب أن يتغير هو نحن فنحاول أن نغير من صورتنا السلبية والمتأخرة ونضع لنا موطئ قدم وسط الدول العظمى بحيث يكون لنا قوة ضغط نستطيع بها تحويل الدفة لصالحنا لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

عندما يصبح الإسلام تهمة

الإسلام في الغرب أصبح شبهة وتهمة لكل من يدين به وأصبح من يصادق الإسلاميين مذنبا في حق مجتمعه.. هذا ما كشفت عنه حرب الانتخابات الرئاسية في فرنسا حيث تبارى نيكولا ساركوزي وخصمه فرنسوا هولاند في لصق تهمة دعم المسلمين للآخر وهي من وجهة نظر كل منهما سقطة تتسبب في خروجه من سباق الرئاسة ليخلو له الجو وينفرد بجمع الأصوات المؤيدة له.

إن ساركوزي أراد أن يزيح هولاند من طريقه فادعى أن الإسلامي السويسري الجنسية المصري الأصل طارق رمضان وهو حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر يدعم خصمه الاشتراكي هولاند وأنه لم يبد انزعاجه من ذلك وهو ما نفاه الأخير بشدة متبرئا من هذه التهمة الخطيرة موضحا أن هذا القول "تلفيق وأكاذيب" حيث إنه لا يقبل بذلك.

الغريب والمضحك في ذات الوقت أن طارق رمضان لا يحق له التصويت في الانتخابات الفرنسية فهو لا يحمل جنسية هذا البلد إلا أنهما اعتبرا أن مجرد ترجيحه لمرشح على الآخر بمثابة السبة التي يجب التنصل منها.

لاشك أن ما وصلت إليه صورة الإسلام وحال المسلمين في الخارج يعود إلى عدة عوامل منها للأسف أن المتشددين من أهل الدين الحنيف تسببوا بممارساتهم الخاطئة في تشويه الصورة السمحة للدين الإسلامي مستغلين في ذلك مناخ الحرية الذي تكفله لهم الدول الغربية فساهموا دون قصد في اغتيال الصورة الصحيحة للإسلام لتكون نهايته في تلك الدول على أيدي أبنائه.. وهو ما يمنح اليمين المتطرف والأوروبيين العنصريين فرصة على طبق من ذهب لشن هجومهم بلا هوادة والترويج لفكرة أن الإسلام دين همجية وتطرف وإرهاب ولا يستطيع أصحابه الاندماج وسط المجتمعات الغربية والتفاعل معها فيكررون بين الفترة والأخرى الدعوة لطرد المهاجرين المسلمين وتطهير بلادهم منهم.. ورغم أن ما يقوم به هؤلاء المتشددون يتنافى تماما مع مبادئ التسامح والإعمار الذي يحثنا عليها الإسلام إلا أن وسائل الإعلام المسيسة والتي يسيطر عليها حول العالم اللوبي الصهيوني تركز دائما على التصرفات المشينة التي يرتكبها بعض هؤلاء المسلمين والتي من الممكن أن يقوم بها أي إنسان آخر ذي ديانة مختلفة ولكن لا يتم تهويل الموضوع، أما بالنسبة للمسلم فإن الإعلام يهدف في النهاية لإظهار صورة مغلوطة عن الإسلام والمسلمين وعلى أنه دين إرهاب وترويع للآمنين.

ورغم أن الجالية المسلمة في عاصمة النور والجمال أكبر أقلية في كل دول أوروبا إلا أنه من الملاحظ أن الفرنسيين المنحدرين من أصول مهاجرة عربية أو أفريقية أو مسلمة مهمشون داخل المجتمع الفرنسي ولا يتمتعون بما يتمتع به المواطن العادي من مميزات في السكن والوظيفة والراتب والعيشة بصفة عامة وينظر إليهم المجتمع نظرة ارتياب وقلق بل على أنهم عدو لهم.

لاشك أن أحداث 11 سبتمبر والحملة الشرسة التي قادها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على الإسلام وربطه بالإرهاب أثرت بشكل كبير على أحوال المسلمين في الخارج وساعدت على زعزعة ثقة الغرب بالمسلمين حتى ولو كانوا من أصحاب البلد أو من المواليد فيها وفاقمت من مشاعر الكراهية والخوف التي تنتاب تلك المجتمعات تجاههم فانتشرت العنصرية والتمييز ضدهم وهو ما أثر بالسلب على انتمائهم واندماجهم في هذه المجتمعات.

للأسف تنامي ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو الخوف من المد الإسلامي تتزايد يوما بعد الآخر والمسلمون لا يحاولون إيقافها أو الحد منها بإظهار الجوهر الحقيقي للإسلام عن طريق المعاملة الحسنة لذا فمن المهم جدا إطلاق حملة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين حول العالم ليتعرفوا على الإسلام وسماحته وأخلاقه وهذا واجب كل مسلم .. وحتى يتمكن المسلمون المقيمون في تلك الدول من العيش بسلام وأمان.

كما يجب على المؤسسات الإعلامية أن تكون نزيهة في التعامل مع الأحداث خاصة تلك التي تتعلق بالمسلمين وتعمل على إيجاد جو من الاحترام والتسامح لصالح التنوع الديني والثقافي والترويج له .. أما المسلمون أو الأقليات في الخارج فإنه يقع عليهم العبء الأكبر حيث إن تصرفاتهم هي التي ستحدد طريقة التعامل التي يتبعها المواطنون حتى يتحقق الاندماج وسط المجتمع الغريب عليهم.. فالحل يكمن في أن نطبق مبادئ وأخلاق ديننا السمحة ونقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم في جميع تصرفاتنا فنصرة الدين يجب ألا تكون بالشعارات وإنما بالقول والعمل والاعتقاد.. كما حان للمسلمين أن يلموا شعثهم ويتجاوزوا محنة افتراقهم وانشغالهم عن هويتهم الإسلامية الواحدة ولن يتم ذلك إلا بوقفة مع النفس ومراجعة دقيقة لمجالات التقصير وأسبابه دون أن نجعل من تجاوزات الآخرين وتآمرهم السبب الوحيد لما نحن فيه الآن.

نتمنى أن تظهر براءة الإسلام من الإرهاب ويستطيع العالم بأسره تقدير هذا الدين العظيم حتى ينعم المسلمون بالأمن والسلام في شتى بقاع الأرض.