"تمرد"... المعارضة المصرية في شكل جديد

تاريخ النشر: 22 مايو 2013 - 01:40 GMT
«تمــرد» حركت الكثير من المياه التي ركدت في بحر الحياة السياسية في مصر.
«تمــرد» حركت الكثير من المياه التي ركدت في بحر الحياة السياسية في مصر.

«تمــرد» هي كلمة السر التي دفعت قوى ثورية كثيرة للتجمع مرة أخرى حول هدف سياسي واحد، بعد أن ضربت الانشقاقات صفوفها، إما بسبب الإغراءات السياسية والمادية التي قدمت لعدد من قياداتها، أو بسبب الإحباط الذي ضرب مجموعة كبيرة من كوادرها، شعرت أن الثورة سرقت منهم في غفلة، جراء الخلافات التي نشبت في صفوفهم، ونجاح الإخوان في الاستفادة من ضعف أحزاب المعارضة، وقد أبهرت حملة «تمــرد» كثير من المراقبين، ليس لأنها أعادت ضخ الدماء في عروق الشباب الذين فجروا ثورة يناير فقط، لكن لأنها استطاعت أن تجمع في غضون أيام قليلة نحو ثلاثة ملايين توقيع لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، يمكن أن تتضاعف مرات عدة، عندما يصل قطار الحملة إلى محطته النهائية في 30 يونيو- حزيران المقبل، حيث من المتوقع أن تتجمع أعداد غفيرة من المواطنين للاعتصام أمام قصر الاتحادية، لإجبار الرئيس على الدعوة لانتخابات مبكرة.

الحاصل أن «تمــرد» حركت الكثير من المياه التي ركدت في بحر الحياة السياسية في مصر خلال الأسابيع الماضية، عقب إصرار الإخوان على المضي في طريق إحكام السيطرة على المفاصل الرئيسية للدولة، وارتفاع درجة الارتباك في صفوف معظم أحزاب المعارضة، وفشلها في إجبار الإخوان على تغيير سياساتهم الإقصائية، وعدم القدرة على دفع الجماهير للتظاهر بكثافة وبصورة تؤكد أن جبهة الإنقاذ لديها من الأدوات والبدائل ما يجعلها رقما مهما في المعادلة السياسية، ناهيك عن فشل الرهان على نزول الجيش، بعد تصريحات الفريق أول عبد الفتاح السيسي التي أوضح فيها صعوبة اللجوء لهذا الخيار، ورميه للكرة في ملعب الجماهير، إذا أراد الشعب إحداث أي تغيير، لذلك تبدو حملة التوقيعات على استمارة «تمرد» مقدمة لحل كثير من الألغاز الغامضة.

فهي تعيد الحياة للمظاهرات التي تكاد تكون اختفت من الشوارع والميادين الرئيسية خلال الفترة الماضية، وأصبحت (تقريبا) محصورة في الاعتصامات والمظاهرات الفئوية، الأمر الذي أعطى انطباعات ظاهرة تشي بأن المصريين استكانوا أو رضخوا لحكم الإخوان، بينما كانت الحوارات التي تعتمل في أوساط قطاعات كثيرة تشير إلى ارتفاع درجة الغليان، نتيجة تصورات وتصرفات خاطئة أقدمت عليها الحكومة، أكدت في محصلتها التصميم على الانفراد بالحكم وتهميش الفئات المختلفة من المصريين.

بالتالي فالتوقيعات التي جرى جمعها حتى الآن، تسير عكس هذا الاتجاه، لأنها تعيد الاعتبار للشارع مرة أخرى، وهو ما جعل قيادات في الجماعة والمتحالفين معها في التيار الإسلامي تستنفر قواها المجتمعية للتقليل من حجم «تمــرد» ومواجهتها بحملة أطلقوا عليها «تجرد» تهدف إلى جمع توقيعات لتجديد الثقة في الرئيس محمد مرسي، وقد عكست تصريحات القائمين على «تجرد» مدى الخوف من اتساع نطاق «تمـرد»، خاصة أنها أعادت للأذهان الدور الذي قامت به كل من حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير في أواخر أيام مبارك، عندما جمعت كلاهما توقيعات لرفض التوريث والدعوة لوضع دستور جديد.

من جهة ثانية، الروح التي بثها الشباب القائمون على حملة «تمرد» أحرجت الكثير من أحزاب المعارضة، وحضتهم على ضرورة الاقتراب من الشارع، وهي النقطة الجوهرية التي تتفوق فيها جماعة الإخوان على منافسيها.

كما أثبت التوجه الذي يقوم به الشباب الآن أنهم يقودون المعارضة على الأرض بدلا من الأحزاب الرسمية، وكأن الثانية لم تتعلم من أخطاء الماضي ولم تستفد من دروسه التي كبدتها خسائر فادحة، لأن تحركاتها لم تتغير ولا تزال نخبوية وتخاطب طبقة يصعب التعويل عليها في حساب التوازنات السياسية، لذلك تفشل دائما في أي اختبار يحتكم إلى الشارع، ورغم ما يبدو من تنسيق بين بعض الأحزاب وقوى وحركات شبابية لاستثمار «تمرد»، غير أن الأخيرة قد تكون لها اليد الطولى في النهاية، فهي صاحبة الفكرة التي أكدت، أن الثورة مستمرة وأن فصلا جديدا من فصولها من المنتظر كتابته قريبا، وأن الإخوان أخفقوا في اختطافها، في ظل وجود قوى مدنية حية قادرة في أي لحظة على ضبط التوازن الذي اختلت عجلاته.

من جهة ثالثة، تنطوي «تمرد» والفعاليات المصاحبة لها على إشارة مهمة، بدت فى ثنايا كلام السيسي الذي أكد فيه أن التغيير يأتي من الشعب وليس عن طريق الجيش، ساعتها (ولا يزال) حدث انقسام في أوساط المصريين، فهناك من اعتبر السيسى يطمئن الإخوان، وهناك من فهمه على أنه رسالة للتحرك الشعبي وتهيئة الأجواء لتدخل الجيش بأقل تكلفة ممكنة.

من هذه الزاوية تبدو «تمرد» مطلوبة في هذه اللحظة، لأنها تصب في نطاق التحرك الشعبي، الذي يقلق الإخوان من اتساعه، وسط شيوع حالة من التذمر بسبب ازدياد المشكلات السياسية والأمنية وعدم القدرة على وقف التدهور الاقتصادي المتصاعد، وهو ما يفتح المجال أمام طريقين، أحدهما الفوضى والانفلات، والثاني تعرض الأمن القومى للتهديد، وهما الحالتان اللتان -أكدت مصادر عسكرية كثيرة- ستدفعان لتدخل الجيش مباشرة وبلا هوادة، لوقف التداعيات السلبية للأزمة السياسية المتفاقمة.

إذا كانت «تمــرد» أثارت مخاوف الإخوان وأقضت مضاجع قيادات مكتب الإرشاد، وشحذت همم المعارضة التقليدية، فإن نجاحها سوف يتوقف على استكمال مشوارها لجمع 15 مليون توقيع خلال الفترة القادمة، وحشد جماهير غفيرة أمام قصر الاتحادية يوم 30 يونيو- حزيران المقبل، ساعتها سيتم الكلام عن أي مستقبل سياسي ينتظر الرئيس؟