في انعطاف غير متوقع، قررت الجزائر تغيير موقفها من الصراع الدائر في شمال مالي من تحاشي الحسم العسكري إلى تشكيل قوة تدخل قوامها أربعون ألف جندي والتنسيق مع دول المنطقة والقوى الدولية لمطاردة الجماعات المرتبطة بتنظيم "القاعدة" في المناطق المالية المحاذية لأراضيها. وقالت وسائل الإعلام الجزائرية وفق ما نقل تقرير لصحيفة القدس المقدسية إن هيآت الأركان في دول الميدان، وهو تحالف يضم كلا من النيجر وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو، إلى جانب الجزائر، على السماح بـ"المطاردة الساخنة للجماعات الإرهابية العابرة للحدود" في إشارة إلى الجماعات المسلحة التي سيطرت على شمال مالي.
وأوضحت أن المطاردات ستتم في المناطق الصحراوية المفتوحة، لكن بعد "إبلاغ الدولة التي تقع المطاردة على أرضها وبشرط عدم وجود قوات نظامية جاهزة لاعتراضها في البلد الذي تفر إليه". وبهذه الخطوة خالفت الجزائر سياستها التقليدية في مجال مكافحة الإرهاب، القائمة على تكفل كل بلد بشؤونه الأمنية بنفسه. وكان إقليم أزواد شمال مالي سقط في أواخر آذار (مارس) الماضي بأيدي مجموعات مسلحة قبل أن يصبح بأيدي حركات إسلامية مسلحة في مقدمتها جماعة أنصار الدين، وحركة التوحيد والجهاد وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
خطة أمنية مشتركة
أكثر من ذلك أفيد أن قادة الأركان في دول الميدان اتفقوا على خطة مشتركة للتعاطي مع الوضع الأمني المنخرم في منطقة أزواد (شمال مالي)، التي خرجت من سيطرة الحكومة المركزية وباتت في قبضة جماعات أصولية مرتبطة بـ"القاعدة". وطبقا لما رشح عن هذه الخطة فهي ترمي لتجنيد أربعين ألف مقاتل، بينهم 25 ألفا من الجنود الجزائريين المنتشرين حاليا جنوب البلاد. كما ترمي أيضا لمنع تمدد نشاط جديد في كل من موريتانيا والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو. كذلك تتضمن الخطة الأمنية اتخاذ إجراءات أمن مشددة في الحدود المشتركة بين إقليم أزواد والدول المجاورة، لمنع تسلل مسلحي الجماعات السلفية الجهادية إلى الإقليم ومنع وصول الأسلحة والتجهيزات إلى المنطقة.
وكان قادة عسكريون من الدول المعنية اجتمعوا أخيرا في موريتانيا وقرروا تعميم المعلومات في شأن الأوضاع الأمنية على الحدود والعناية باللاجئين الذين غادروا شمال مالي هربا من المعارك، لتفادي تجنيدهم من الجماعاتالأصولية. وأتى هذا الإتفاق بعدما لحظت أجهزة الإستخبارات أن الجماعات المسلحة تلجأ إلى المثلث الحدودي الرابط بين الجزائر ومالي وموريتانيا للإفلات من الملاحقات، وقد نجت مجموعات عدة من المطاردة بعد هروبها إلى المثلث.
تجفيف الينابيع
من جهة أخرى اتفقت الدول المعنية على تجفيف ينابيع المصادر المالية للجماعات، وستنطلق هذه الحملة من تشديد الخناق على عصابات المهربين بالإعتماد على رقابة جوية مكثفة، خاصة في مرتفعات شمال النيجر حيث يسهل اخفاء السيارات والشاحنات الصغيرة. وقالت مصادر جزائرية لـ إن هذا الإستعداد لشن حملة على التنظيمات الأصولية المسلحة في منطقة الساحل والصحراء يحظى بدعم باريس التي سبق أن أكد وزير دفاعها جان ايف لودريان أن فرنسا ستؤازر أي تدخل عسكري محتمل لقوات افريقية في مالي باعتبار أن الحل العسكري بات "خيارا لا مفر منه". غير أن لودريان شدد على أن باريس لا تعتزم المشاركة المباشرة في العمليات الحربية. وأوضح أن فرنسا "ترغب بأن تقوم قوات افريقية بأخذ المبادرة" لتفادي تحويل شمال مالي إلى تجنب تحول هذه المنطقة من مالي إلى "ساحلستان" كما قال. أما الرئيس الفرنسي هولاند فأعلن في الرابع عشر من الشهر الماضي أنه "يعود للأفارقة تحديد متى وكيف يريدون التدخل عسكريا في شمال مالي"، واعدا بـ"التضامن" مع الدول المعنية. أما واشنطن فعبرت على لسان الفريق كارتر هام القائد الأعلى للقيادة الأميركية في أفريقيا، المعروفة باسم "أفريكوم"، عن دعمها للجزائر في معركتها مع الجماعات المسلحة. وقال هام: "نحن نشاطر الجزائر مخاوفها من أن يصل جزء من الأسلحة إلى تنظيم القاعدة والمجموعاتالإرهابية في الساحل''، مشيرا إلى أن واشنطن تسعى للتعاون مع دول المنطقة لمنع حصول ذلك على الأرض.
يُذكرأن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أبدت استعدادها لإرسال قوة مؤلفة من نحو 3300 جندي لمساعدة جيش مالي في استعادة القسم الشمالي من البلاد، إلا أنها تنتظر تكليفا من مجلس الأمن وتطالب بدعم لوجستي من فرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص.
قمة في الشهر المقبل؟
وتجري حاليا اتصالات حثيثة لعقد قمة الشهر المقبل في الجزائر لدرس الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل والصحراء. وأوضح وزير الشؤون المغاربية والأفريقية الجزائري عبد القادر مساهل أن القمة التي دعت إليها مجموعة دول الساحل الأربع ستحضرها أميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا ولجنة فيينا لمحاربة الإرهاب إضافة إلى الأمم المتحدة. وواضح أن الجزائريين لا يرغبون بإشراك المغرب ولا ليبيا ولا تونس في القمة، وهو موقف ثابت منذ تشكيل محور دول الميدان العام الماضي، والذي اتخذ من مدينة تمنراست جنوب الجزائر مقرا للقيادة العسكرية المشتركة لقوات الميدان. ويبقى توقيت انطلاق الحملة الأمنية العسكرية لإخراج الجماعات المرتبطة بـ"القاعدة" من شمال مالي غير معروف.