أنعشت دعوات أطلقتها جهات عشائرية وسياسية من السنة العرب قبل أيام لإنشاء إقليم في محافظة صلاح الدين المخاوف من عودة الاصطفاف المذهبي والاحتقانات الطائفية في العراق بين الشيعة والسنة في وقت تستعد فيه القوات الأميركية للانسحاب الكامل من البلاد نهاية العام الجاري.
وكان مجلس محافظة صلاح الدين التي تقع شمالي العاصمة العراقية بغداد أعلن الشهر الماضي انه صوت بأغلبية الثلثين لصالح تحويل المحافظة إلى إقليم.
ورافق الإعلان تأييد عشائري واسع سواء في المحافظة التي تسكنها أغلبية سنية أو في محافظات اخرى ذات أغلبية سنية.
وجاء الإعلان بعد أيام قليلة من حملة شنتها قوات أمنية عراقية تم خلالها اعتقال المئات من الأشخاص في أنحاء متفرقة من البلاد من ضمنها محافظة صلاح الدين مسقط رأس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وهو سني.
وقالت الحكومة المركزية إن الحملة استهدفت بعثيين وضباطا في الجيش العراقي السابق كانوا يخططون للانقلاب على العملية السياسية في العراق وإسقاط نظام الحكم القائم بعد رحيل القوات الأميركية من البلاد نهاية العام.
ويسمح الدستور العراقي المثير للجدل والذي صيغ عام 2005 للمحافظات العراقية بإنشاء أقاليم تتمتع بقدر كبير من الاستقلال المالي والإداري عن السلطة المركزية كما يسمح الدستور لمحافظتين أو أكثر بإنشاء إقليم مشترك.
ويقول مشرعون إن الغاية من تبني هذا النظام هو تكريس نظام اللامركزية في الحكم وهو مبدأ أقر عام 2005 لضمان عدم العودة الى الدكتاتورية والمركزية الشديدة في الحكم.
ويتمتع الأكراد في شمال البلاد بإقليم خاص بهم يضم ثلاث محافظات وبسبب هذه الاستقلالية تمكنت السلطات الكردية من بناء إقليم أصبح مضربا للمثل وقصة نجاح يتناقلها العراقيون سياسيا وشعبيا.
وندد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وهو شيعي بإعلان مجلس محافظة صلاح الدين ووصف الإعلان بانه محاولة لإنشاء منطقة تحمي البعثيين وحزب البعث المحظور في العراق بموجب الدستور العراقي. وقال "إن هذا الإقليم لن يرى النور."
وقال المالكي في مقابلة إن ما يقارب 615 شخصا تم اعتقالهم حتى الآن.
ورد رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي في مؤتمر عقد في مبنى البرلمان وحضره العشرات من شيوخ عشائر محافظات ذات أغلبية سنية بأنه ليس من حق أي جهة حكومية كانت أو برلمانية "الاعتراض أو إعاقة" تحويل إي محافظة إلى فيدرالية.
وندد العديد من شيوخ العشائر في المؤتمر "بسياسات الحكومة المركزية في التهميش والإقصاء."
وقالوا إن هذه السياسة هي السبب الذي دفعهم للتفكير واللجوء إلى خيار إقامة الإقليم.
وقال عمر محمد السامرائي وهو رئيس مجلس مدينة سامراء احد اكبر مدن محافظة سامراء "خيار تشكيل الفيدرالية لابد منه."
وأضاف "اللجوء إلى هذا الخيار هو بسبب سياسيات التهميش والإقصاء التي تمارسها الحكومة المركزية."
ومضى يقول "نحن مصممون وقانونا ليس لرئيس الوزراء الحق بالقبول أو الرفض."
ولا يشترط الدستور العراقي حصول موافقة رئيس الحكومة أو إي جهة اخرى لإنشاء فيدرالية. لكنه يشترط حصول موافقة عشر سكان المحافظة أو ثلث مجلس المحافظة لأجل إجراء استفتاء عام في المحافظة. ويشترط في الاستفتاء الحصول على أغلبية أصوات المقترعين في تلك المحافظة.
وتزامنت حملة الاعتقالات مع إجراءات قامت بها وزارة التعليم العالي طالت العشرات من أساتذة جامعيين من جامعة صلاح الدين قالت الوزارة إنهم بعثيون سابقون وأنهم مشمولون بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة التي حلت محل هيئة اجتثاث البعث وهي هيئة تم إنشاؤها بعد الغزو الأميركي للعراق هدفها ضمان عدم مشاركة كبار البعثيين في المناصب الحكومية.
وتسببت الحملتان في غضب شعبي كبير ليس في محافظة صلاح الدين بل ومحافظات اخرى ذات أغلبية سنية.
ويطالب السنة العرب بإلغاء عمل هيئة المساءلة والعدالة لان إجراءاتها تطالهم أكثر من غيرهم من أطياف المجتمع العراقي.
وكان اتفاق سياسي تم التوصل إليه إبان تشكيل الحكومة الحالية يقضي بتجميد عمل الهيئة إلى حين إعادة تشكيلها مرة اخرى. ولم يتم حتى الآن إعادة تشكيلها.
وطالب سبهان الملا جياد رئيس مجلس صلاح الدين بالوكالة في المؤتمر بتجميد إجراءات هيئة المساءلة والعدالة في محافظة صلاح الدين.
وطالب الحكومة العراقية بتكليف مفوضية الانتخابات العراقية وهي الجهة المسؤولة عن تنفيذ الاستفتاءات والانتخابات بإجراء الاستفتاء.
وقال "لدينا الكثير من المبررات لإقامة الفيدرالية في صلاح الدين إن كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو خدمية. ونحن غير مطالبين بتقديم إي مبررات سوى رغبتنا بتشكيل الإقليم."
وأضاف "نحن نرى أن هذا أكثر شيء يخدم وحدة العراق في الوقت الحاضر."
ويعتقد كثيرون من أبناء تلك المحافظات أن إنشاء الإقليم وما سينتج عنه من استقلال مالي وإداري قد يجعلهم بمنأى عن حملات الاعتقالات التي غالبا ما تأتي بأمر من المالكي نفسة باعتباره القائد العام للقوات المسلحة وغالبا ما تنفذها قوات ترسل من بغداد إلى تلك المحافظات.
وقبل أيام تظاهر الآلاف من أهالي محافظة الانبار التي تقع غرب البلاد وتمتد على مساحة شاسعة من ارض العراق ضد حملات الاعتقال التي طالت عددا من أبناء محافظتهم ايضا.
وتصاعدت الأصوات في المحافظة مطالبة بتحويلها إلى إقليم شأنها في ذلك شأن محافظة صلاح الدين المجاورة لها.
وقال فيصل العيساوي عضو مجلس محافظة الانبار "ما يعانيه أهل الانبار هو نفسه ما يعانيه أهل صلاح الدين ومسببات الغضب في صلاح الدين هي نفسها في الانبار."
وأضاف "نجحنا في مرات كثيرة في السابق من السيطرة على الناس وإقناعهم بتأجيل الفكرة. لكن اعتقد اننا هذه المرة عاجزون عن السيطرة على الشارع في الانبار. الناس الآن تبحث عن خلاص ونحن ماعاد باستطاعتنا تقديم أي وعود لهم. الأمر كله الآن بيد الحكومة المركزية."
ومن المفارقات أن السنة العرب الذين باتوا الآن من الداعين والمطالبين بإنشاء الأقاليم كانوا من اشد المعارضين للفكرة ولتضمينها في الدستور العراقي إبان وضع الدستور فيما أيدها بقوة آنذاك الاكراد والشيعة. ويعتقد معارضو هذا النهج أن هذه العملية قد تكرس مبدأ الانفصال الذي قد يهدد مستقبل وحدة العراق.
وكان العراق قد مر بمرحلة شديدة القسوة من الاقتتال الطائفي الدموي بين السنة الذين خسروا الحكم بسبب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والشيعة الذين هيمنوا عليه الآن. وتسببت تلك المرحلة التي هدأت جذوتها كثيرا الآن بمقتل عشرات آلاف من العراقيين وخاصة عامي 2006 و2007 .
ويخشى أن تؤدي هذه الدعوات إلى إحياء جذوة الطائفية في العراق في وقت بات فيه الانسحاب الأميركي من البلاد وشيكا. ومازالت البلاد تشهد عمليات مسلحة بين الحين والآخر يذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء.
وبسبب تلك السنوات التي وصفها كثيرون بأنها كانت أشبه بالحرب الأهلية وتسببت بتهجير عشرات الآلاف من العوائل على خلفيات طائفية انقسمت المحافظات والمدن العراقية بل وحتى الحارات العراقية إلى شيعية وسنية.
وينظر الكثير من الشيعة بكثير من الريبة والشك لتوقيت إعلان مجلس محافظة صلاح الدين.
ويخشى الشيعة الذين تعرضوا للاضطهاد على يد حزب البعث السابق أن يكون هذا الإعلان هو رد فعل لما حصل من حملات اعتقال طالت البعثيين.
وقال الشيخ جلال الدين الصغير القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وأحد الأحزاب الشيعية القوية في العراق والمشاركة في الحكم "أنا اعتقد أن توقيت الإعلان غير مناسب تماما والحجج التي أطلقت غير مناسبة. للأسف الشديد تمت المطالبة بظروف سياسية جعلت المسألة اكبر من مسألة تشكيل الإقليم."
وأضاف "الآن المسألة أخذت طابعا آخر غير الفيدرالية. أصبح الموضوع الآن مقترن بحزب البعث المحظور.. واقترنت مع حماية البعثيين."
لكن الصغير الذي اشترك بعملية كتابة الدستور في عام 2005 أيد عملية تشكيل الأقاليم، وقال "لا يمكن للحكومة المركزية أن تبقى تتمتع بصلاحيات واسعة على حساب الأقاليم...التي تعاني من غبن الحكومة المركزية."
وينتظر الآن أن يقوم مجلس الوزراء بإرسال طلب محافظة صلاح الدين الذي أرسل إليه بداية الشهر الجاري إلى مفوضية الانتخابات خلال 15 يوما من تاريخ استلام الطلب بحسب القانون.
وقال النائب شعلان الكريم وهو أحد شيوخ العشائر من محافظة صلاح الدين "نحن أرسلنا الطلب إلى رئيس الوزراء والان نحن ننتظر خمسة عشر يوما. وإذا لم يقم رئيس الحكومة بإرسال الطلب إلى مفوضية الانتخابات سيكون لكل حادث حديث."
وقال المحلل السياسي يحيى الكبيسي "ما يحدث يؤكد أن عنصر الصراع الأساسي في العراق مازال حتى الآن هو اثني ومذهبي."
وأضاف "أنا اعتقد أن الفراغ السياسي الذي سيتركه الاميركان سيكون حاسما...أخشى أن الأمور تسير نحو الأسوأ وان الصراع سيعاد إنتاجه بشكل جديد إذا لم تستطع النخب السياسية الركون إلى تسوية لحل للمشاكل الأساسية ومنها علاقة حكومة المركز بحكومات الأقاليم."