مع التصعيد الحاصل في لهجة الخطاب الأميركي تجاه نظام الأسد، وأمام استمرار الطاغية السوري في غيّه بمواصلته عملية قتل مواطنيه المدنيين، ينهمك المخططون العسكريون في البنتاغون في وضع الخطط اللازمة لعمل عسكري في سوريا يقال إنه سيكون من نوع جديد، قد يضم هجمات الكترونية معقدة قادرة على حسم الأمر دون خسائر بشرية تذكر.
غير أنه بالرغم من لهجة التفاؤل التي تغلب على حديث المخططين العسكريين من أن الولايات المتحدة قادرة بما تملك من امكانات حربية متطورة، وتفوق تكنولوجي هائل، على وضع نهاية سريعة لقوات ودفاعات الأسد الجوية، الا أن المحللين العسكريين يحذرون من أن تسوية المشكلة السورية تستدعي أكثر من مجرد عمل عسكري، ومن ذلك التعامل مع مخاطر اندلاع حرب أهلية يمكن أن تتجاوز في حجمها ودمارها ما شهدته العراق على مدى سنوات تالية للغزو الذي قادته أميركا للتخلص من صدام. ويبقى انتظار ما اذا كان حجم وعمق القلق السياسي سيكون له أثره على التخطيط العسكري لدرجة تدفع للتراجع عن الحرب الأميركية المحتملة على سوريا.
وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قد حذّر مؤخراً من أن الوضع في سوريا أصبح «لا يطاق»، وطالب بشار الأسد بالرحيل، الا أنه أضاف بأن أي عملية عسكرية يتم التخطيط لها في البنتاغون لن تجد طريقها للتنفيذ دون دعم دولي واسع. وهنا لا يزال الحصول على مثل هذه الدعم يصطدم بمواقف روسية وصينية معارضة لأي عمل عسكري يستهدف تغيير النظام في دمشق. وفي ذلك يقول المحللون أنه حتى في حال تأمين الغطاء الدولي المطلوب، فإن العملية العسكرية لن تكون سهلة، أو حتى على نفس القدم مع عملية الناتو في ليبيا.
وطبقاً للجنرال المتقاعد دييف ديباتولا، المخطط الرئيسي للهجمات الجوية في حرب الخليج الأولى المعروفة بـ: عملية عاصفة الصحراء، فإن سوريا تملك شبكة قوية من أنظمة الدفاع الجوي تتجاوز في حجمها ومناعتها ما كان لدى القذافي، الا أن التخطيط العسكري الأميركي سيختلف هذه المرّة من حيث أنه قد يتضمن اللجوء الى تقنيات الكترونية متطورة لتدمير دفاعات الأسد الجوية. وهنا تتحدث المعلومات الخاصة بقدرات الأسد العسكرية على امتلاك سوريا لبطاريات صواريخ سام متطورة تنتشر على حوالي 130 موقعا، وهي موضوعة في حال تأهب قصوى تحسباً لهجوم اسرائيلي محتمل. ومع ذلك فإن هذه الدفاعات لم تجد نفعاً في وجه غارات اسرائيلية سرية استهدفت مواقع نووية سورية قيد الإنشاء شرق البلاد قبل سنوات. وعندما يتعلق الأمر بالطائرات المسيّرة التي أثبتت جدواها في أفغانستان وباكستان واليمن، فإن الأمر مختلف فيما يتعلق بالوضع السوري نظراً لما يصفه المسؤولون في البنتاغون بـ «البيئة غير المواتية» باعتبار أن هذه الطائرات سهلة الاستهداف في ظل وجود شبكة دفاع جوي قوية، كما أنها لا تملك القدرة على تفادي الرادار.
غير أن لشبكات صواريخ سام المضادة للطائرات جانبها السلبي الخاص بها، كما يفيد الخبراء العسكريون، كونها لا تستطيع مواجهة أكثر من هدف في ذات الوقت، الأمر الذي يفتح المجال أمام استخدام وسائل مضادة تقوم على مبدأ ابطال مفعول بطاريات الدفاع الجوي هذه بإشغالها بملاحقة أهداف أولية غير ذات شأن (طعم) ومن ثم الانقضاض عليها. وفي نفس الوقت فإن الخبراء العسكريين ألأميركيين يتحدثون عن خيارات الكترونية متطورة لشلّ فعالية الدفاعات الجوية دون الحاجة الى تدميرها. وعلى حد قول جنرال الجو المتقاعد ديباتولا، فإن «الرادار الملحق ببطارية الدفاع الجوي سيفقد القدرة على تحديد هدفه كما لو كان قطعة ملابس تدور داخل غسالة». ويضيف الجنرال في هذا الشأن «تسخيرالالكترونيات المعقدة في العملية العسكرية القادمة هو جزء من رزمة التخطيط القائم حالياً». غير أن جاهزية البنتاغون لعمل عسكري محتمل في سوريا، لا ينفي استمرار طرح تساؤلات حول الأهداف من العملية ودوافعها من الأساس. وكما يقول الجنرال ديباتولا «لا شك في أن الأسد لم يعد بالزعيم المقبول وما من أحد يشكك بضرورة التخلص منه.. الا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الطريق الأمثل لفعل ذلك».
هناك اعتقاد متنام في أوساط المحللين العسكريين بأن تفكيك دولة مثل سوريا يجب أن يأخذ بالاعتبار الدروس المستقاة من التجربة العراقية وليس الليبية. وفي ذلك يقول آرام نيرغوزيان، زميل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بأن الوضع في البلدين متشابه الى حد كبير فيما يتعلق بجوانب جوهرية مثل: التعددية الطائفية والانتماء القبلي اضافة للظروف الاجتماعية والاقتصادية، مع اختلاف واحد هو أن الحرب الأهلية المحتملة في سوريا ستكون أكثر قسوة وفوضوية، ومرشحة لأن تتسع لتمتد الى الدول المجاورة وخاصة لبنان. وعلى عكس العراق، فإن سوريا تفتقر للخبرة الجيدة في مجال الاصلاح بما فيها القطاع التعليمي، وبناء المؤسسات والتغيير الهيكلي، وكانت على الدوام مجرد «جمهورية موز» لا همّ لها سوى تأمين الحماية للنظام من الانقلابات. ويحذر الخبير الاستراتيجي نيرغوزيان من أن على الغرب الاستعداد المسبق للتعامل مع الضغوط الطائفية والقبلية التي تنتظره في مرحلة ما بعد سقوط الأسد.