مسألة إحياء الهوية الإسلامية للمجتمعات المعاصرة تحظى بنقاش متعدد الزوايا ضمن مؤتمر "قيادة"، التابع لمؤسسة قطر

تثير مسألة التحولات السريعة التي يشهدها العالم ثمة تساؤلات حول كيفية إحياء الهوية الإسلامية القوية والحفاظ عليها، بما يساهم في بناء مجتمعات حديثة تعددية – هذا التساؤل حاول مؤتمر "قيادة"، التابع لمؤسسة قطر، تسليط الضوء على بعض تجليات الإجابة عنه.
الجدير بالذكر أن النسخة الأولى لمؤتمر "قيادة: تطلّعات وتنمية الشباب المسلم في قطر"، التي نظمها التعليم العالي في مؤسسة قطر ورعاها الدولي الإسلامي، يومي 19 و20 سبتمبر في "ملتقى" (مركز طلاب المدينة التعليمية) بحضور أكثر من ألف شاب من مدارس وجامعات قطر، شكلت منصة للشباب المسلم للالتقاء والتواصل والوقوف على التحديات المشتركة، وإلهام بعضهم البعض لإيجاد حلول متجذرة في الإيمان.
وفي هذا الصدد، أكد الدكتور عبد الرحمن الحرمي، مستشار تعليمي في قطر، أن "صناعة الهوية المسلمة لا يمكن أن تقوم إلا على مصدرها الثابت، وهو القرآن الكريم"، لافتًا إلى أن "في داخل كل منا منبع للتغير والقوة، لا تنتظروا أحدًا أن يدفع بكم إلى الأمام."
كما تحدث الحرمي عن قيمة الوقت، قائلاً: "الثانية لها قيمة، وكذلك الدقيقة والساعة؛ فالنجاح يكون دائمًا حليف من ينظم وقته. أن تكون في صراع حقيقي مع الزمن يعني ألا تمر لحظة إلا وأنت تضيف شيئًا جديدًا."
من جانبه، تناول فداء الدين يحيى، مؤثر يمني على وسائل التواصل الاجتماعي، أزمة الهوية التي يواجهها الشباب المسلم، مشيرًا إلى أن "من ينتقل إلى بلد غربي، قد يصاب بصدمة ثقافية تجعله يتساءل: هل أنا عربي أم غربي؟".
وشرح أن العولمة قد تجعل الإنسان يعيش غربة وحنينًا وهو في عقر بيته، لكنه شدد على أن الانعزال التام عن العالم ليس خيارًا ملائمًا، مؤكدًا أن: "المطلوب هو أن نفرّق بين الوسائل والغايات. الحضارات الأخرى تمنحنا أدوات نستفيد منها كوسائل، لكن إذا تعاملنا معها كغاية سنفقد هويتنا."
أما مثنى عامر الشنفري، صانع محتوى من سلطنة عُمان، فأشار إلى أن الإعلام يبرز قدوات غير جديرة بالتقدير، في حين يحتاج الشباب إلى قدوات حقيقية. ودعا الشباب إلى اكتشاف قدراتهم والثقة بأنفسهم، محذّرًا من فخ المثالية الزائفة، على اعتبار أن "الجميع يخطئ كما أخطأ آدم، لكن المهم أن نتعلم ونعود إلى الصواب."
وتحدث محمد فارس، مدرب تنفيذي ومؤلف، خلال إحدى الجلسات، قائلًا:" إن هويتنا الحقيقية لا تُختزل في الأدوار الاجتماعية أو القيم الشخصية، بل تبدأ من إدراكنا أننا عِباد لله، ننظّم حياتنا على ضوء ما يريده مولانا منا؛ عندها فقط تدخل البركة إلى حياتنا."
وفي مداخلته، قال أمجد النور، صانع أفلام وصحفي سوداني:" لا عيب في السعي وراء الانتشار السريع في وسائل التواصل الاجتماعي، فكلما زاد عدد من يعرف قصتنا، وصل صوتنا إلى أبعد مدى. لذلك، لا تخشوا الحيل ولا الطرق لتجعلوا أصواتكم تصل، فالمهم أن تحافظوا على قيمكم وأخلاقكم."
وبدورها، أشارت أسماء الكواري، مدرب تنفيذي وقيادي، إلى أنه من أبرز التحديات التي تواجه الشابات في وقتنا الراهن هو الخوف من أحكام الآخرين - الخوف من التعبير عن آرائنا، ومن إظهار مشاعرنا كمسلمات. وتساءلت:" لماذا لا يكون هناك تمثيل أكبر للنساء المسلمات على منصات التواصل الاجتماعي، واستخدامها للخير، لنشر الوعي بالإسلام، وأيضًا لإظهار معنى أن نكون مسلمات وقائدات في الوقت نفسه؟ كثُر الحديث اليوم عن تطوير الذات والتأمل وتحديد النوايا، لكن كل ذلك موجود أصلًا في الإسلام. فالإسلام ليس مجرد عقيدة، بل ممارسة عملية نعيشها في حياتنا، وحين ندرك ذلك، سنبدأ في إحداث التغيير في مجتمعاتنا."
تخللّت فعاليات مؤتمر "قيادة" الذي عقد على مدار يومين، ورش عمل متخصصة تهدف إلى تطوير مهارات الشباب، وتعزيز الوعي الفكري، وتوفير فرص للتواصل والاستكشاف، بالإضافة إلى معارض قدّمتها الكيانات التابعة لمؤسسة قطر.
خلفية عامة
مؤسسة قطر
تأسست مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع سنة 1995 بمبادرةٍ كريمةٍ من صاحب السموّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر بهدف تنمية العنصر البشري واستثمار إمكاناته وطاقاته.
توجّه مؤسسة قطر اهتماماتها إلى ثلاثة مجالات هي التعليم والبحث العلمي وتنمية المجتمع، كونها ميادين أساسية لبناء مجتمع يتسم بالنمو والإستدامة، وقادر على تقاسم المعارف وابتكارها من أجل رفع مستوى الحياة للجميع. تُعد المدينة التعليمية أبرز منجزات مؤسسة قطر وتقع في إحدى ضواحي مدينة الدوحة، وتضمّ معظم مراكز المؤسسة وشركائها.