علم الغذاء الصحي: ما هو مفهوم التغذية الدقيقة؟

بيان صحفي
تاريخ النشر: 06 يوليو 2025 - 11:29 GMT

علم الغذاء الصحي: ما هو مفهوم التغذية الدقيقة؟

كثيرًا ما نسمع عن حميات غذائية تعد بنتائج سحرية وأطعمة لها فوائد خارقة، وقد يبدو للوهلة الأولى أنها فعلًا كذلك. ولكن، من منظور علمي، هذه الحلول العامة لا تفي بالغرض؛ فالتنوع الحيوي بين الأفراد يستدعي حلولًا مخصصة. 

"من هذا المنطلق، تبرز أهمية التغذية الدقيقة، وهو مجال علمي ناشئ يضع التوصيات الغذائية بناء على خصوصية كل فرد لتحقيق أفضل النتائج الصحية".

هذا ما تؤكده الدكتورة أناليزا تيرانغرا، الباحث الرئيسي ورئيس مختبر التغذية الدقيقة في سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر، حيث تشرح: "تصور جسمك كسيارة. فكل سيارة تعمل بشكل مختلف وفقًا لنوعها وطرازها ونوع الوقود الذي يلائمها". وتتابع: "التغذية الدقيقة هي بمثابة إيجاد الوقود الأمثل لجسمك، وليس أي وقود، بل الوقود الذي يجعل محرك جسمك يعمل بسلاسة وكفاءة. إذ تعتمد التغذية الدقيقة على تحليل العوامل الوراثية، ونمط الحياة، والحالة الصحية لكل فرد، لوضع خطة غذائية مخصصة تساعده على الشعور بأفضل حال، وتحسين أدائه، ووقايته من المشاكل الصحية مستقبلًا".

توضح الدكتورة تيرانغرا أن التغذية الدقيقة هي عنصر أساسي في مجال الرعاية الصحية الدقيقة، الذي يسعى إلى تحسين صحة الأفراد، والوقاية من الأمراض المزمنة، وإدارة الحالات المرضية القائمة، وذلك من خلال تقديم نصائح غذائية تتناسب مع التركيبة الجينية الفريدة لكل شخص، ونمط حياته، وبيئته. وتضيف الدكتورة تيرانغرا: "من خلال دراسة تأثير العوامل المختلفة على طريقة معالجة أجسامنا للطعام، مثل العوامل الوراثية، والميكروبيوم المعوي، ونمط الحياة، يسعى علم التغذية الدقيقة إلى توفير استراتيجيات غذائية فعالة ومبنية على أسس علمية لكل فرد".

لنتخيل هذا السيناريو: "امرأة اسمها سارة، تواجه صعوبات في التحكم بوزنها وتعاني من مقدمات السكري. وباستخدام التغذية الدقيقة، أظهرت التحاليل الجينية أن لديها معدل استقلاب كربوهيدرات أبطأ، وارتفاعًا في خطر مقاومة الأنسولين. كما كشف تحليل الميكروبيوم المعوي عن خلل في توازن البكتيريا، مما يؤثر على قدرتها على هضم الألياف والتحكم بمستوى السكر في الدم. من خلال توصيات مخصصة، مثل نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات وغني بالألياف، وأطعمة غنية بالبروبيوتيك، وتمارين رياضية مصممة خصيصًا لحالتها، تستطيع سارة التحكم بوزنها، وتنظيم مستوى السكر في الدم، وتقليل خطر إصابتها بداء السكري من النوع الثاني".
تؤكد الدكتورة تيرانغرا، العاملة في قسم الصحة الإنجابية والفترة المحيطة بالولادة في سدرة للطب، أهمية التغذية الدقيقة في الحفاظ على صحة الأم والطفل، وتقول: 'النظام الغذائي للأم ونمط حياتها يلعبان دورًا حاسمًا في تحديد صحة الطفل. الألف يوم الأولى من حياة الطفل، بدءًا من الحمل حتى بلوغه العامين، تشكل فترة حرجة في تحديد صحته وإمكانية إصابته بالأمراض في المستقبل. على امتداد نصف هذه الفترة، أي خلال الحمل والرضاعة الطبيعية، يتأثر الطفل كثيرًا بالنظام الغذائي للأم".

تضيف: "يشكل النظام الغذائي الصحي ونمط الحياة الصحي خط الدفاع الأول في علاج مضاعفات الحمل، مثل سكري الحمل. ومع ذلك، تختلف كل أم عن الأخرى من حيث الذوق، والخلفية الثقافية، والظروف الصحية. لذلك، يجب تقديم توصيات غذائية مخصصة تتناسب واحتياجاتهن، بدءًا من فترة ما قبل الحمل، مرورًا بالحمل، ووصولًا إلى فترة ما بعد الولادة".

تجري سدرة للطب حاليًا عدة دراسات تستخدم التغذية الدقيقة لتحسين رعاية المريضات. ومن الأمثلة على ذلك دراسة التغذية الدقيقة في التقنيات المساعدة على الإنجاب (PN-ART).

تظهر بيانات البنك الدولي انخفاضًا ملحوظًا في معدل الخصوبة في قطر، حيث انخفض متوسط عدد المواليد لكل امرأة من 6.3 إلى 1.8 خلال الفترة من 1972 إلى 2022، وهو آخر عام توفرت فيه بيانات من البنك الدولي. وفي دراسة بحثية مشتركة صدرت عام 2022، أكدت الدكتورة تيرانغرا وزملاؤها من سدرة للطب أن العقم لدى النساء يشكل "تحديًا صحيًا عالميًا وقضية صحية عامة ذات أهمية بالغة"، واستكشفت الدراسة إمكانية دمج مبادئ التغذية الدقيقة في إدارة حالات العقم لدى النساء.

وعلى الرغم من أن دور النظام الغذائي ونمط الحياة والميكروبيوم في فترة ما قبل الحمل هو جانب معروف، فإن الآليات الجزيئية التي تحكم التفاعل بين النظام الغذائي والتمثيل الغذائي الجريبي ما تزال غير مفهومة بشكل كامل. تُخضع النساء اللاتي يترددن على عيادات الطب الإنجابي في سدرة للطب لهذه الدراسة، بغية استكشاف العلاقة بين الحالة الغذائية للمرأة وبصمتها الجزيئية الدموية والجريبية، وتأثير ذلك على نتائج التقنيات المساعدة على الإنجاب. 

كما تتعاون الدكتورة تيرانغرا في دراسة أخرى تحمل اسم "الأمومة"، وهي دراسة تشمل مجموعة من الأمهات والأطفال، وترصد العوامل المؤثرة في نتائج الحمل ومعوقات مراحل الحياة المبكرة في قطر. ويدرس فريق التغذية الدقيقة تأثير النظام الغذائي للأمهات ونمط حياتهن أثناء الحمل وبعده على صحتهن وصحة أطفالهن. ويتمثل الهدف في تحديد العناصر الغذائية أو العادات الغذائية التي تؤثر في الآليات الجزيئية الكامنة وراء مضاعفات الحمل، مما قد يؤدي إلى تمهيد الطريق لتنفيذ تدخلات شخصية.

بالإضافة إلى ذلك، تسلط الدكتورة تيرانغرا الضوء على مشروع بحثي رئيسي بعنوان "ثلاثية التفاعل ما بين النظام الغذائي- والميكروبيوم- وما فوق الجينوم" (دراسة T1D-Diet). وتوضح: "في مجال طب الأطفال، قاد فريقي وشارك في عدة دراسات حول مرض السكري، وأمراض الكبد، والمتلازمة الكلوية، ومرض التهاب الأمعاء، والربو. (T1D-Diet) هي دراسة بيولوجية متعددة تستكشف التداخل بين النظام الغذائي وعوامل جزيئية مختلفة، مثل الميكروبيوم المعوي، وعلم الوراثة فوق الجينية، والميتابولوم، في داء السكري من النوع الأول لدى الأطفال. وقد أظهرت النتائج الأولية تأثير النظام الغذائي والسمنة على تركيب الميكروبات المعوية، والتحكم في مستوى السكر في الدم، ومضاعفات داء السكري من النوع الأول لدى الأطفال. حيث يمكن لتعديل النظام الغذائي والتحكم في زيادة الوزن تحسين النتائج السريرية وجودة حياة المرضى".

تستذكر الدكتورة تيرانغرا حالة صبي يبلغ من العمر 13 عامًا تم تشخيصه بمرض كرون، وجرى إدخاله إلى سدرة للطب. وقد اتبع المريض نظامًا غذائيًا متخصصًا ومقيدًا لمدة عامين، وذلك في إطار مشروع بحثي حول مرض التهاب الأمعاء. وأسفر تطبيق نهج التغذية الدقيقة عن تحسن ملحوظ في نتائج حالته السريرية، بما في ذلك التعافي من مرض كرون. 

تشرح الدكتورة تيرانغرا: "بعد مرور عام، أظهرت التحاليل تحسنًا في ميكروبيوم الأمعاء والفم، مع انخفاض في الاستجابة المناعية. ولكن، عند التوقف عن اتباع النظام الغذائي، انتكست حالة المريض، مما يؤكد ضرورة التدخلات الغذائية المصممة خصيصًا لكل مريض في إدارة مرض كرون. وقد أظهرت هذه الحالة بوضوح الإمكانات التي تنطوي عليها التغذية الدقيقة، وتحديدًا التدخل الغذائي الشخصي، في تحقيق نتائج صحية أفضل".
عند الحديث عن التحديات التي تواجه تبني التغذية الدقيقة على نطاق واسع، تشير الدكتورة تيرانغرا إلى أن الحاجة إلى الخبرة المتخصصة هي التحدي الأبرز في هذا الإطار، حيث يتطلب تطبيقها بفعالية معرفة متعمقة. 

تقول الدكتورة تيرانغرا: "على الرغم من أن تطبيقها قد لا يكون مكلفًا في حد ذاته، فإن هناك حاجة ملحة لتدريب أجيال جديدة من المتخصصين لضمان انتشار التغذية الدقيقة على نطاق واسع. كما أن توحيد معايير اختبارات علم الجينات الغذائية والميكروبيوم أمر ضروري، نظرًا لأن الاختلافات في طرق الاختبار وتفسير النتائج قد تؤثر سلبًا على دقة وموثوقية التوصيات المخصصة. وهناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لتطوير إرشادات وبروتوكولات واضحة لهذه الاختبارات".

خلفية عامة

مؤسسة قطر

تأسست مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع سنة 1995 بمبادرةٍ كريمةٍ من صاحب السموّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر بهدف تنمية العنصر البشري واستثمار إمكاناته وطاقاته.

توجّه مؤسسة قطر اهتماماتها إلى ثلاثة مجالات هي التعليم والبحث العلمي وتنمية المجتمع، كونها ميادين أساسية لبناء مجتمع يتسم بالنمو والإستدامة، وقادر على تقاسم المعارف وابتكارها من أجل رفع مستوى الحياة للجميع. تُعد المدينة التعليمية أبرز منجزات مؤسسة قطر وتقع في إحدى ضواحي مدينة الدوحة، وتضمّ معظم مراكز المؤسسة وشركائها.

اشتراكات البيانات الصحفية


Signal PressWire is the world’s largest independent Middle East PR distribution service.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن