على هامش معرض أبو ظبي للكتاب قال الكُتّاب الذين وصلت رواياتهم إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، إن الكاتب ليس مطالبا بالتنبؤ بما سيحدث في مجتمعه، وإن تنبؤ العمل الأدبي أو توافقه مع أحداث الواقع لا يزيدان من قيمة العمل إذا كان متواضعا أدبيا وفنيا. معتبرين ان قدرة الأدب على تغيير المجتمعات محدودة وتتطلب سنوات طويلة من التراكم، خصوصا في المجتمعات العربية التي تعرف بعدم اهتمامها بالقراءة، في حين يملك الأدب قوة روحية قادرة على تغيير الانسان تغييرا جذريا. موضحين أنهم يقدمون في أعمالهم ما يعبر عنهم وعن آرائهم، بعيدا عن تعقيدات النقد الاكاديمي وتنظيراته التي يجب ألا تخرج من الجامعات، بينما اختلف كُتّاب البوكر حول موقف الروائيين عبر التاريخ من التغيير من حيث رفضهم له أو تأييده.
وأشار الكاتب اللبناني جبور الدويهي صاحب رواية «شريد المنازل»، إلى ان الكاتب ليس مطالبا بأن يتنبأ بالمستقبل، ولكن الأمر يتوقف على اختياره موضوع عمله وشخصياته والمنطق الداخلي الذي يفرض نفسه على اسلوب الكتابة والاحداث، ومن خلال هذه العناصر، قد يمكن ان يصل إلى شيء من احتمالات الغد، وأحيانا تقود الشخصيات في العمل الكاتب ليسير في اتجاه معين لم يكن ينوي الكتابة فيه.
وفاجأ الدويهي جمهور الامسية التي عقدت مساء أول من أمس في مجلس حوار ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب الـ،22 وقام بتقديمها الناقد د.معن الطائي، تحت عنوان «المخاطر التي تواجه السرد العربي ـ كتاب على الحافة»، بالتعبير عن اعتقاده أن الروائيين محافظون ومغرمون بالواقع كما هو ليتمكنوا من ولوجه، وأن رغبتهم في تغيير هذا الواقع هي آخر ما يمكن ان يهتموا به. وأضاف «هذا الواقع هو تجاربهم فلماذا يغيرونها؟ لذا فالروايات محافظة، والروائيون محافظون، أما التغيير فيأتي من خلال المباشرة والرغبة في البحث عن الجمال، بينما أجد ان الرواية والثورة متناقضتان تماما، والربط بين الثورة الفرنسية على سبيل المثال وبين الرواية في عصرها هو سخف كبير، في ذاك الوقت لم تكن هناك رواية ولكن كتابات مختلفة، حتى الكاتب الفرنسي بلزاك كان يميل إلى الملكية». كما رفض الدويهي سيطرة النقد على الابداع، ومحاولات تعليبه وفقا لتصنيفات ومدارس محددة، معتبرا أن هذا الامر ارتبط بالحقبة الماركسية ولابد ان ينتهي، فلم يعد هناك مجال للنقد التقييمي، ومن حق الكاتب ان يختار الموضوع الذي يحبه والاسلوب الذي يتفق مع هذا الموضوع وطبيعة الرواية التي يكتبها.
ولم يبتعد الكاتب التونسي الحبيب السالمي صاحب «نساء البساتين» كثيرا عن هذه الآراء، مؤكدا ان النقد يجب ان يكون ذاتيا عبر التورط في النص ذاته، أما الخطاب النقدي الاكاديمي فيجب ان يبقى في الجامعات. رافضا هوس بعض النقاد بمصطلحات مثل الحداثة وما بعدها.
وعن ارتباط الأدب بالواقع وقدرته على التغيير او التنبؤ بالأحداث والتغييرات الكبرى في محيط الكاتب؛ عبر السالمي عن إيمانه بأن الكاتب ليس نبيا، والنبوءة يجب ألا تضيف إلى العمل الأدبي إذا لم يكن جيدا من الناحية الفنية، ولكن على الكاتب ان يكون يقظا لمجتمعه وما يحدث فيه من أحداث وتغييرات.
وأضاف «لا أؤمن بالتغيير، أو بقدرة الأدب على التغيير المباشر في المجتمعات، ولكني أيضا اتساءل لماذا نبحث للأدب عن وظيفة خارج الأدب نفسه؟ فالأدب لا يعكس إلا ذاته، وهو ليس مطالبا بالتعبير عن شيء ما ليبرر وجوده، من جهة أخرى ارى ان كل أدب يصدر عن الواقع، ولكن ليس الواقع الذي نتحدث عنه باعتباره هذا المعطى الفيزيقي المباشر، فالأدب هو تمثل واستبطان للواقع المعيش وتمثيل له في ما بعد. كما اعتبر الكاتب «لقاط فرص»، دوره ان يلتقط هذه اللحظة الطازجة التي تختزل الحقيقة، و«أنا مهووس بالواقع، هذا اللحم الحي الذي انشب اظافري فيه».
من جانبه؛ أوضح الكاتب المصري عزالدين شكري فشير صاحب «عناق عند جسر بروكلين»، انه لا يكتب عن فكرة، والرواية لديه ليست مشروعا فكريا، ولكنها تبدأ معه بصورة يتوقف عندها ويبحث عن أعماقها، ويحاول ايجاد بعد ثالث لها لتتحول إلى تمثال يتحرك من الأحداث ويحركها. مضيفا «دوري مثل الكاميرا التي اتمنى ان تكون فائقة الحساسية لتلتقط الصور وتركب الاشياء وفقا لتفاعل الكاتب مع مجتمعه وتاريخه، كما اهتم كثيرا ان تكون الرواية ممتعة، لان القارئ اذا نفر منها لن يكملها، وحتى يتذكرها القارئ في ما بعد ربما في لقطة او قد تحيله إلى التساؤل حول ما تتضمنه او ما اردت التعبير عنه من خلال هذه الرواية، وهذا اقصى ما اطمح إليه».
وعبر فشير عن عدم ميله للنمط الكلاسيكي في كتابة الرواية، وخصوصا اعتماده على الراوي العليم، بما يحمل من استبداد في توجيه القارئ. معربا عن اعتقاده أن هناك شيئا ما في الجو العام لهذه اللحظة يدعو إلى التعددية وتفكيك التسلسل الزمني في الكتابة. متوقعا ان تشهد الفترة المقبلة المزيد من التجارب في هذا الاتجاه، ولكن بشكل عام ليست هناك بوصلة تشير إلى اسلوب محدد للتفكير او الكتابة يجب ان يسود.
بينما أشار الكاتب المصري ناصر عراق صاحب رواية «العاطل» التي صدرت قبل ثورة يناير بأيام، إلى ان الكاتب يكتب وهو محتشد بكل الآراء، وتأويل العمل الأدبي بأكثر من رأي يغنيه. موضحا انه لا يفصل بين الرواية والكتابة الأدبية من جهة، والفكر العام من جهة أخرى، والأدب والفنون يمكنها مع التراكم ان تغير المجتمعات، ولكن بعد وقت طويل يمتد لعشرات السنين، فالفكر يعمل على دفع المجتمع إلى الأمام ليصبح أكثر رقيا وأقل قبحا وظلما.
في حين ذهب الكاتب الجزائري بشير مفتي مؤلف «دمية النار»، إلى ان الأدب يمكن ان يغير انسانا تغييرا جذريا من داخله، ولكن لا تستطيع الرواية ان تغير الواقع، خصوصا في المجتمعات العربية التي لا تقرأ، والتي كثيرا ما يشعر الكاتب فيها بعبثية ما يقدمه ويكتبه، لذا يجب على الكاتب ان يفصل بين كونه كاتبا، ودوره كمثقف يمكن ان يقوم بدور ما في المجتمع.