أوراق الحظ أيضاً في قمقم الفساد. فاليانصيب الوطني الذي شهد تراجعاً في مبيعاته لا يلقى أي اهتمام حتى من الشركة الملتزمة. مليارات الليرات تخسرها الخزينة من جرّاء عدم التزام الشركة بدفتر الشروط الذي على أساسه ربحت المناقصة. عدم الالتزام مغطّى من وزارة المال ومن ديوان المحاسبة... ويحظى بالتالي بتغطية سياسية طبعاً. وبدلاً من فسخ العقد، تُكافأ الشركة عبر تمديد عقدها منذ سنوات خلت، بلا أي مبرر اقتصادي أو إداري، 70 مليار ليرة هي قيمة المبالغ التي تُهدر منذ عام 2001 في اليانصيب الوطني اللبناني. وهذه اللعبة التي من المفترض أن تدرّ مليارات الليرات على الخزينة اللبنانية، تسجّل منذ سنوات خسائر فادحة نتيجة تراجع المبيعات، وهذه الخسائر أصبحت تتعدى الرقم الوارد أعلاه بأضعاف! والسبب هو عدم التزام «الشركة التقليدية» بالعقد الموقّع مع الدولة اللبنانية، لا بل تواطؤ وزراء المال المتعاقبين ومديرية اليانصيب الوطني اللبناني مع هذه الشركة، إذ يجري إعفاؤها من التقيّد ببنود العقد، ويُمدّد لعملها بطريقة غير قانونية منذ عام 2005، وذلك لأسباب تتصل بمصالح شخصيات سياسية من الصف الأول في لبنان وسوريا، «إذ إن هذه الشخصيات مساهمة في شركة ألعاب الحظ التي تسيّر اللوتو اللبناني، ولزيادة أرباحهم وصلاحياتهم المطلقة في اللوتو، يجري ضرب اليانصيب»، يقول أحد المطّلعين! أما النتيجة، فمخالفات لا تحصر، وانتهاكات صارخة لمبدأ تحصين المال العام...
ليصبح اليانصيب جزءاً من سلسلة طويلة من التعدّي على أموال المواطنين لمصلحة قيادات سياسية، بحيث لا تفرز سوى نزف متواصل في إيرادات الخزينة، تقابلها إجراءات ضريبية ظالمة يجترحها المسؤولون لتغطية هذا النزف! تلزيم أعمى! في تشرين الثاني من عام 2001 أُعدّت مزايدة عامة لتسلّم إدارة اليانصيب الوطني اللبناني، وخلال المزايدة تقدمت «الشركة التقليدية» بعرض يفيد بالتزام الشركة بيع 92% من أوراق اليانصيب الصادرة، إلا أن الالتزام بهذه النسبة صدم المشاركين في المزايدة، لكونه أعلى عرض يحصل منذ إنشاء اليانصيب الوطني، بعدما وصل العرض الأكبر في السابق إلى 80% من نسبة الأوراق الصادرة... وقد بدأ العمل بتنفيذ الالتزام في شهر كانون الثاني من عام 2002، إلا أنه منذ بدء الالتزام حتى نهاية الفصل الأول من العام نفسه لم تستطع الشركة تحقيق نسبة الـ92 في المئة.
بررت الشركة لوزارة المال ولمديرية اليانصيب عدم التزامها هذا بسبب ظروف قاهرة، منها انعقاد القمة الفرنكوفونية والقمة العربية في لبنان، وبداية حرب العراق، «والعواصف التي ضربت لبنان»، بحسب ما ورد حرفياً في التبريرات. طالبت الشركة بإعفائها من 75% من المبلغ الإجمالي المفروض سداده، وافق وزير المال في حينها فؤاد السنيورة «مبدئياً» على الإعفاء، وطلب رأي ديوان المحاسبة الذي وافق هو الآخر. هكذا بدأت «الشركة التقليدية» سيرتها العملية.
«الأسباب القاهرة» انتهت، ومرّت الأعوام الأربعة المحددة كمدة للعقد، وكانت نسب المبيعات تتراجع سنوياً، من دون التزام الشركة بالـ92%، وهكذا وصلت الشركة إلى عام 2005، وهو تاريخ انتهاء فترة الالتزام، وفي جعبتها جملة من المخالفات لقانون المحاسبة العمومية ولدفتر الشروط. أما المديرية فلم تصادر الكفالة، ولم تطالب بدفع فروقات الخسائر المتراكمة طوال هذه السنوات، والتي وصلت إلى أكثر من 70 مليار ليرة، بحسب مصدر مطّلع على الملف!
تشير المادة 135 من قانون المحاسبة العمومية إلى أنه «إذا ترتّب على الملتزم في سياق التنفيذ مبلغ ما، تطبيقاً لأحكام دفتر الشروط، يحق للإدارة اقتطاع هذا المبلغ من الكفالة ودعوة الملتزم إلى استكمالها ضمن مدة معينة، فإذا لم يفعل اعتُبر ناكلاً، فتعمد الإدارة إلى إعادة المناقصة أو إلى تنفيذ الصفقة بالأمانة. فإذا أسفرت المناقصة الجديدة أو التنفيذ بالأمانة عن وفر في الأكلاف عاد الوفر إلى الخزينة. وإذا أسفرت عن زيادة في الأكلاف، رجعت الإدارة إلى الملتزم الناكل بالزيادة.
وفي جميع الاحوال تصادر الكفالة موقتاً الى حين تصفية الصفقة، وفقاً لأحكام هذه المادة»، في حين تشير المادة 140 من القانون نفسه الى أنه «إذا خالف الملتزم في تنفيذ الصفقة دفتر الشروط أو بعض أحكامه قامت الإدارة المختصة بإنذاره رسمياً بوجوب التقيّد بكامل موجباته، وذلك ضمن مهلة معينة يعود لها أمر تقديرها. وإذا انقضت المهلة المحددة من دون أن ينفذ الملتزم ما طُلب إليه، يحق للإدارة، مع مراعاة أحكام دفتر الشروط العام، أن تعتبره ناكلاً، وأن تطبّق بحقه أحكام المادة 135 من هذا القانون.
وفي حال إعادة المناقصة، لا يحق للملتزم الناكل أن يشترك فيها مجدداً». وقد حدد دفتر الشروط (الذي على أساسه جرت المزايدة وفازت الشركة بالعرض) في المادة الأولى أن «التلزيم يجري بالنسبة المئوية من قيمة المبلغ السنوي المقترح في دفتر الشروط، والبالغ ستين ملياراً وأربعمئة مليون ليرة لبنانية». إلا أن الميزانية التي وضعتها المديرية أصبحت توازي خمسين مليار ليرة منذ عام 2004، ما ضيّع مبلغ عشرة مليارات ليرة لبنانية سنوياً، وهي خسائر تُمنى بها الخزينة من دون أي مبرر! كذلك تشير المادة 27 من دفتر الشروط إلى أنه «في حال تأخر الملتزم في تسلّم أوراق اليانصيب أو تمنّعه عن ذلك، وأثّر ذلك على القيمة السنوية للالتزام، فإن الكمية المتوجب عليه بيعها يقيّد عليه ثمنها وتحفظ له أمانة في المديرية يتسلمها وقت يشاء ويستفيد من جعالتها وممّا قد يصيب من جوائز». إلا أن الشركة تأخرت مراراً عن التسلّم أو تمنّعت عنه، وأثّر ذلك على القيمة السنوية للالتزام انخفاضاً.
في المقابل لم تحفظ المديرية الكمية الواجبة على الشركة (لاستكمال نسبة التلزيم البالغة 92%) ولم تتسلمها، بل تركت الكمية الباقية من كل إصدار في مستودع المديرية.