يرى جلبير الأشقر أن العرب "نتيجة للمشروع الصهيوني" والهجرات اليهودية إلى فلسطين منذ كانت تحت الانتداب البريطاني كانوا وما زالوا أكثر تأثرا بما ترتب على المحرقة التي تعرض لها اليهود على يد الزعيم الالماني أدولف هتلر.
ويقول في كتابه (العرب والمحرقة النازية) ان "دولة اليهود انما تدين بقيامها الى المحرقة" التي أدت الى تضاعف أعداد اليهود المهاجرين الى فلسطين فوفقا للتعداد البريطاني كان اليهود يمثلون عام 1931 خمس سكان فلسطين (175 ألف يهودي و880 ألف فلسطيني) ثم شهدت معدلات الهجرة "صعودا هائلا" عقب وصول هتلر الى السلطة عام 1933.
ويسجل أن "الاستيطان الصهيوني لفلسطين" سابق بوقت طويل وصول هتلر الى السلطة اذ اعتبر العرب والفلسطينيون حركة الاستيطان تلك أحد أشكال الاستعمار الأوروبي ولكن أن استيلاء النازيين على الحكم "كان العامل الحاسم الذي... سمح بتحقيق المشروع الصهيوني" وإعلان قيام الدولة عام 1948.
ويتفق المؤلف مع الرأي القائل انه إذا كانت ألمانيا المسؤول الأول عن المحرقة فان حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا "لا بد من اعتبارهما متواطئتين على الأقل في الإبادة" إذ كانتا في وضع يسمح لهما بتوفير ملاذ امن للاجئين اليهود الأوروبيين.
ويقول إن الغرب وفي مقدمته أميركا لم يكن معنيا بإنقاذ اليهود إذ أن "بعض الدول سعت إلى حل المشكلة المتمثلة في الناجين من المحرقة على حساب الفلسطينيين مثلما يسعى بعض الدول اليوم إلى التخلص من النفايات النووية المشعة بتصديرها إلى بلدان فقيرة."
ويحمل الكتاب عنوانا فرعيا هو (حرب المرويات العربية-الإسرائيلية) وصدر بالفرنسية في باريس عام 2009 وترجمه الكاتب المصري بشير السباعي.
وتقع الترجمة العربية في 497 صفحة كبيرة القطع وأصدره المركز القومي للترجمة في القاهرة بالتعاون مع دار الساقي في بيروت.
ويقول المؤلف إن من يشرع في الكتابة عن إبادة اليهود في ألمانيا النازية سيكون في مواجهة "مشكلة حساسة" تتعلق بالمصطلح الذي لن يكون محايدا لان الإبادة مثقلة بالإيحاءات.
ويتساءل.. ما الاسم الذي يجب أن يعطى لجائحة سوف تظل إلى الأبد من زاوية الأخلاق الإنسانية غير قابلة للتسمية؟
ويسجل الأشقر، وهو من أصل لبناني ويعمل أستاذا بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، في مقدمة كتابه أن "الزعيم الفلسطيني" عزمي بشارة العضو السابق في الكنيست انتقد الربط بين مصطلحي (العرب والمحرقة) إذ شدد بشارة على أن العلاقة بين العرب والمحرقة النازية "خالية من المعنى خلو العلاقة بين الهنود والمحرقة."
ويعترف المؤلف بأن موضوع الكتاب "شائك للغاية" وأنه يهدف إلى توضيح ما يعتبره تعقدا لعلاقة العرب بالمحرقة في تلقيها أو تفسيرها.
ويروي جانبا مما يراه مؤرخون تواطؤا نازيا يهوديا قائلا إن :"الحكومة النازية اتفقت عام 1933 مع الوكالة اليهودية على تسهيل هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين والسماح "لهم وحدهم" بتحويل جزء من أرصدتهم على شكل سلع مستوردة من ألمانيا".
كما يسجل أن الشرطة السرية الألمانية (الغستابو) ومصلحة الأمن تعاونتا مع منظمات صهيونية سرية في تنظيم الهجرة "غير الشرعية للاجئين اليهود على الرغم من الحصار البريطاني المفروض على الهجرة إلى فلسطين" عامي 1938 و1939 إذ كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني منذ 1920.
وكانت بريطانيا قد اضطرت أمام الثورة الفلسطينية عام 1936 إلى إعادة تقييم سياستها في فلسطين فنظمت مؤتمرا في لندن وأصدرت عام 1939 ( الكتاب الأبيض) الذي قيد بيع الأراضي لليهود في فلسطين كما قيد هجرتهم خلال خمس سنوات تبدأ من أول نيسان / أبريل 1939.
ويقول المؤلف إن "إسرائيل هي الدولة الاستيطانية الاستعمارية الأوروبية الوحيدة التي لا يزال يتعين فيها استعادة الحقوق السياسية للسكان الأصليين" وانه بعد اختفاء نظام التفرقة العنصرية في جنوب افريقيا عام 1994 تصبح "المسألة الفلسطينية هي آخر المسائل المهمة والساخنة الناتجة عن الاستعمار الأوروبي.
إسرائيل الآن هي الدولة الوحيدة في العالم التي تجمع بين ثلاثة أشكال للاضطهاد الاستعماري فالمنتمون إلى الأقلية الفلسطينية الذين ظلوا على أرض الدولة بعد 1948. العرب الإسرائيليون.. لهم وضعية مواطنين من الدرجة الثانية ومنذ 1967 فان سكان الضفة الغربية و(قطاع) غزة لهم وضعية سكان تحت الاحتلال الأجنبي أو السيطرة المباشرة من جانب المحتلين السابقين. أما الغالبية العظمى من الفلسطينيين فلها وضعية شعب اقتلع من أرضه وحرم من العودة إليها."
ويرى المؤلف أن "استمرار هذه الأشكال الاستعمارية للاضطهاد يجعل من إسرائيل ظاهرة انقضى زمانها" كدولة استعمارية ولدت في زمن تصفية الاستعمار وانحساره وأن الاعتراف بذلك تأخر كثيرا.
فيسجل قول بني موريس، أشهر المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذي لم يتردد في أن يكتب في عام 1999 "لقد كانت الصهيونية أيديولوجية وحركة استعمارية وتوسعية."
كما يسجل المؤلف أن إسرائيل خاضت سبع حروب في 60 سنة في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982 و2006 و2008-2009 "وكانت الحربان الأخيرتان (ضد حزب الله اللبناني وضد حركة المقاومة الإسلامية.. حماس) الأشد وحشية... الاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين قد بلغ الآن أعلى مستوى تاريخي له."
ويتساءل الأشقر.. لماذا يجب على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمن جرائم النازيين؟
وفي المقابل يسجل أن الموقف الرسمي للعالم العربي استبعد بشكل "صريح أي تفكير في طرد اليهود الذين كانوا قد استقروا بالفعل في فلسطين" بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ويستشهد على ذلك بكلمة ألقاها الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام في الرابع من كانون الأول/ يناير 1946 في الجامعة الأميركية في القاهرة إذ وصف اليهود بأنهم "شعب ضعيف ومشتت. هو الاحوج من بين جميع الشعوب الى تعاطفنا لأنهم أبناء عمومتنا المضطهدون وقد ألمت بهم مصيبة الصهيونية... ونحن لا نزال نمد إلى اليهود يد الصداقة ولا نود أن نكون شركاء في جريمة اضطهادهم."