”الأمير الصغير” لسانت اكزوبيري حظيت بثلاث ترجمات عربية

تاريخ النشر: 01 أبريل 2006 - 08:12 GMT

ينتمي كتاب «الأمير الصغير» للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت اكزوبيري (1900 – 1944) إلى الأدب العالمي، وبطله من الأبطال الأسطوريين. أحب «الأمير الصغير» زهرة فرعاها وحماها وشعر حيالها بمسؤولية لا حدود لها. وفي المقابل، أشعرته الزهرة بالرضا والراحة، ولم يكن يتمنى سوى نيل حبها...

سافر «الأمير الصغير»  حسب صحيفة الحياة،بين الكواكب كما سافر «عوليس» مكتشفاً عوالم جديدة وشخصيات جديدة: الملك الذي يبحث عن السلطة، رجل الأعمال الذي يبحث عن المال، عالم الجغرافيا الذي يبحث عن المعرفة، ومنير الشموع الذي يبحث عن العمل المتقن... يتحرك كل هؤلاء ناسين وجود الآخر في تنوعه وثرائه واختلافه، وهل من معنى للحياة من دون هذا الاختلاف.

يستمد كتاب «الأمير الصغير» خصوصيته من حياة كاتبه ذاتها، فالكاتب انشغل بالهمّ الإنساني وسعى إلى الغوص في جوهره عبر التأمل والحكمة باحثاً عن المعنى الروحي للوجود. وهو القائل: «لا نرى إلا بواسطة القلوب، وجوهر الأشياء لا تراه العيون».

مع حلول شهر نيسان (ابريل) أبريل هذا العام تمضي ستون سنة على صدور الطبعة الفرنسية لكتاب «الأمير الصغير»، عن دار «غاليمار» في باريس. وفي هذه المناسبة تحتفل فرنسا بالمؤلّف والكتاب معاً فتخصص برنامجاً من نشاطات حافلة تشتمل على معارض ومسرحيات وأوبرا، إضافة إلى الإصدارات الكثيرة التي تواكب الذكرى. من هذه الإصدارات ثلاثة كتب تصدرها دار «غاليمار» أحدها كتاب مصوّر يتضمن 500 رسم نصفها مجهول لدى الجمهور الواسع وهي منفّذة بالمائيات والباستيل والقلم، ولم يسبق أن نُشرت قبل اليوم، وتعد النواة الأولى أو المسودة الأولى لكتاب «الأمير الصغير». وجاء بعضها ضمن كراسات وأوراق متفرقة ورسائل. فسانت اكزوبيري، في عمله هذا، لم يكن يفصل بين الرسم والكتابة. وسمحت له هذه الرسوم في أن يلمس عن قرب الروح الإبداعية التي ساهمت في إعطاء هذه التحفة الأدبية الرائعة زخمها وقوتها. يقدّم الكتاب المصوَّر الرسام والسينمائي الياباني ميازاكي.

يختصر الكتاب كلّ ما كان يهواه الكاتب أنطوان دو سانت اكزوبيري الذي يقول عنه أصدقاؤه إنه «لم يكن يهوى من الحياة سوى اللهو والغناء والرسم». من هذه الهواية تطالعنا رسوم كانت ولادتها نتيجة لقاءات وصداقات ومصادفات، وتمّ جمعها من حول العالم، مع رسائل كان وجَّهها إلى الأصدقاء والعائلة وتحمل تواريخ مختلفة، وتتوزع على قارات ومدن زارها الطيار المغامر ومنها الجزائر،الدار البيضاء، نيويورك، باريس...

من جهة ثانية، تقوم دار «غاليمار» وللمرة الأولى بنشر النص الكامل لكتاب «الأمير الصغير» في أسطوانة مدمجة بصوت الممثل الفرنسي برنار جيرودو، على خلفية موسيقية. ترافق الأسطوانة مقتطفات من الأرشيف بصوت الكاتب سانت اكزوبيري يروي فيها هبوطه الاضطراري في الصحراء الليبية.

ومن أجل فهم نص «الأمير الصغير» صدر أيضاً كتاب جماعي بعنوان «كان ذات مرة... الأمير الصغير» ويحتوي على شهادات ودراسات ووثائق قديمة غير منشورة عن هذا الكتاب الذي يضيء جملة من المسائل المتصلة بظروف ولادة هذا الكتاب.

ولهواة الكتب والأشياء النادرة تنشر دار «غاليمار» ضمن سلسلة «فوليو» (كتاب الجيب) نصوصاً ورسوماً تساعد على فهم الظروف التي ولد فيها كتاب «الأمير الصغير» الذي أنجزه كاتبه عام 1942 في مدينة نيويورك أثناء الحرب العالمية الثانية، وفي وقت اختار سانت إكزوبيري المنفى لوقوع بلاده تحت الاحتلال الألماني. ونشر للمرة الأولى عام 1943 في الولايات المتحدة الأميركية قبل أن ينشر في فرنسا كتحية لصاحبه بعد وفاته، وكان ذلك في شهر نيسان (أبريل) من عام 1946.

ولا بد من الإشارة إلى أنّ الكتاب يحتل، ومنذ طبعته الأولى في نيويورك، المرتبة الأولى في قائمة المبيعات، وبيع منه ثمانون مليون نسخة في العالم وعرف أكثر من 160 ترجمة.

عندما صدر كتاب «الأمير الصغير» كان انطوان دو سانت اكزوبيري في أوج شهرته في الولايات المتحدة. وبيع من أول كتاب له «أرض البشر» الذي صدر عام 1938 أكثر من ألفي نسخة وحصل على أهم جائزة للأدب في أميركا، وهو الكتاب الذي نشرته لاحقاً دار «غاليمار». وإلى «أرض البشر»، صدر للكاتب «بريد الجنوب» و «الطيران الليلي» و «الطيار الحربي». وكان في صدد كتابة روايته «القلعة» عندما سقطت طائرته، وكان في رحلة استطلاع في الجنوب الفرنسي وفي ظروف لا تزال غامضة. أما كتابه «الأمير الصغير» فنقله إلى اللغة العربية الشاعر اللبناني يوسف غصوب، وفي وقت لاحق الشاعر العراقي سعدي يوسف، والكاتب المغربي محمد المزديوي.

إشارة أخيرة إلى أن أنطوان دو سانت اكزوبيري الذي أنجـــز عملــــه الأدبي في ظروف مملوءة بالحـــزن والوحدة، لم يكتـــب «الأمير الصغير» من أجل أن يتحــول يوماً طبخة دسمــة فــــي سوق تتزاحم فيها كل أنواع المــواد التجارية من دمى وأقلام ومناشف وغير ذلك من مشتقات السوق الباحثة عن الربح في كل الوسائل. فإلى جانب الاهتمام الأدبي بالكاتب وكتابه هناك اهتمام تجاري بارز يجعل من «الأمير الصغير» مادة استهلاكية بامتياز.

أما الحزن الذي أشرنا إليه في نتاج الكاتب الفرنسي ففي إمكان القارئ الوقوف على نبراته في كل صفحة من صفحات «الأمير الصغير»، ذلك أن سانت إكزوبيري عبّر في هذا الكتاب عن آخر شهادة له بعدما فقد طائرته التي كانت تنقله بين القارات، وبعدما أصبح الوطن بالنسبة إليه سراباً، فلم يبق من حوله سوى صحراء قاحلة ونجوم بعيدة المدى والمنال، ما دفعه إلى أن يترك «أرض البشر» مفضّلاً التحليق في فضاءات قريبة من السماء والماء.