يلجأ كثير من الرجال إلى هجر الزوجة في الفراش والامتناع عن الكلام معها لتأديبها ووضع حد لما يواجهوا من خلافات ومشكلات زوجية ومنعها من التفاقم، الأمر الذي أدى إلى زيادة البحث والرغبة في معرفة هل يأثم الرجل إذا هجر زوجته في الفراش، والمقصود بالهجر أن يتعمد الزوج أن يولي زوجته ظهره وأن لا يظهر لها أي اهتمام ويمتنع عن مجامعتها، وللأسف الشديد أصبح كثير من الرجال يتعاملون مع مسألة الهجر أنها أمراً عادياً يمكن القيام به لأي سبب ولفترة غير محددة، فتابعوا أعزائي لنتعرف سوياً خلال السطور القادمة من مقالنا على حكم هجر الزوج لزوجته والضوابط السليمة التي حددها شرعنا الحنيف لهذا الأمر، وعواقب إساءة استخدامه.
حكم هجر الزوج لزوجته فوق ثلاثة أيام
في سياق الإجابة عن هل يأثم الرجل إذا هجر زوجته في الفراش، دعونا نوضح لكم ما حكم الزوج الذي لا يتكلم مع زوجته ويهجرها فوق ثلاثة أيام، فقد أكد علماء المسلمين أن هجر الزوج لزوجته الصالحة دون ارتكابها أي من الأمور التي تدل على نشوزها من الأفعال المحرمة التي لم تسمح بها شريعتنا الإسلامية، وذلك لنهي الشرع عن تخاصم المسلمين لمدة تزيد عن ثلاث ليالٍ دون سبب شرعي يجيز ذلك، والدليل على ذلك ما ورد في الصحيحين أن أبي أيوب الأنصاري أن قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
فإذا كان هذا هو حكم ديننا في حق جميع المسلمين فإنه بالطبع يتحقق بين الزوجين لقوة الرابطة بينهما وقوتها بين المسلمين وبعضهم البعض، فقد وصف الله سبحانه وتعالى الرابطة بين الزوجين بالميثاق الغليظ، والدليل على ذلك قوله تعالى في الآية 21 من سورة النساء:
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا.
كما أن الله تعالى أمر بحسن العشرة والمعاملة بين الزوجين والدليل على ذلك قول الحق تبارك وتعالى في الآية رقم 228 من سورة البقرة:
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
كما أن الزوج مأمور شرعاً بالإحسان إلى زوجته والدليل على ذلك قول الله تعالى في الآية التاسعة عشر من سورة النساء:
"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
فقد أجاز الشرع هجر الزوج لزوجته في حالة واحدة فقط وهي نشوز الزوجة وعصيانها لزوجها وتكبرها عليه أما إذا كانت المرأة صالحة ومستقيمة ومطيعة لزوجها فيحرم عليه هجرها، وبالنسبة للزوجة الناشز فلا يكون لجوء الزوج إلى هجرها أول الحلول، وإنما يبدأ بوعظها ونصحها بالمعروف، وإذا لم يجدي معها الوعظ فيمكن للزوج هنا اللجوء إلى الهجر لتأديبها، وذلك لما ورد في الشرح الكبير للشيخ الدردير:
والوعظ التذكير بما يلين القلب لقبول الطاعة، واجتناب المنكر، ثم إذا لم يفد الوعظ، هجرها، أي: تجنبها في المضجع، فلا ينام معها في فراش، لعلها أن ترجع عما هي عليه من المخالفة.
ووجب التنويه هنا إلى عدم جواز هجر الزوج لزوجته أكثر من ثلاث ليال حتى ولو كانت ناشزاً، فهذا هو رأي جمهور الفقهاء، أما الشافعية فيرون أن هجر الزوج للحديث مع زوجته لأكثر من ثلاث ليال جائز في حالة كان هدف الزوج من ذلك تأديب زوجته ووضح حداً لنشوزها وقد استدلوا على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هجر الذين تخلفوا عن غزوة تبوك لمدة زادت عن ثلاث ليالٍ.
وينبغي على الزوج أيضاً في حالة هجره لزوجته أن لا يغلق باب الحديث معها بشكل نهائي فالنقاش هو أفضل وسيلة يمكنهم الوصول بها إلى حلول جذرية لمشكلتهما، أما رفضه للنقاش أو الحديث مع زوجته بشكل قاطع فسيؤدي بهما حتماً إلى تفاقم الأمر وزيادة النزاع بينهما وقد يصل بهما الأمر في النهاية إلى الانفصال والفراق.
حكم هجر الزوج لزوجته شهرين

في سياق التعرف على إجابة هذا السؤال الهام وهو هل يأثم الرجل إذا هجر زوجته في الفراش دعونا نتعرف سوياً على حكم هجر الزوج لزوجته شهرين، فقد اختلفت أراء الفقهاء في حسم هذه المسألة حيث يرى جمهور الفقهاء من الشافعية والحنفية والحنابلة جواز هجر الزوج لزوجته الناشز للمدة التي يحددها حتى تستقيم الزوجة وترجع عن نشوزها، وقد استدلوا على ذلك بأن الله تعالى لم يقيد الهجر في الآية المعروفة بمدة معينة، والأصل في حسم المسألة أن نبقي المطلق على إطلاقه ولا نحدده إلا في حالة وجود دليل شرعي بين أيدينا، فقد قال الحق سبحانه وتعالى في الآية رقم 34 من سورة النساء:
(وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)
أما أصحاب المذهب المالكي فيرون في إجابتهم على سؤال هل يأثم الرجل إذا هجر زوجته في الفراش أنه يجوز للزوج هجر زوجته حتَّى أربعةَ أشهرٍ فقط، وقد استدلوا على ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هجر زوجاته ولم يجامعهم لمدة شهر كامل، ولكن لا يجوز أن تزيد مدة الهجر عن أربعة أشهر لأن الشرع قد حدد المدة التي يجوز للزوج عدم مجامعة زوجته فيها بأربعة أشهر، وبهذا يتم تحديد مدة الهجر بالقياس الإيلاء بأربعة أشهر، وذلك لعدم تحمل المرأة لبعد زوجها عنها لأكثر من هذه المدة وبالتالي تعرضها للفتنة.
وليس هذا هو الغرض إطلاقاً لهجر الزوج لزوجته، وعلى الزوج أن يدرك جيداً أن الله تعالى قد شرع هجر الزوج لزوجته بهدف إصلاحها وتأديبها وإرجاعها عن نشوزها، لذا ينبغي على الزوج أن يبتعد عن الهجر ويبحث عن وسيلة أخرى لإصلاح زوجته إذا تبين لها أن الهجر يفسدها ويزيد الأمر سوءاً.
حكم هجر الزوج لزوجته غير الناشز أكثر من ثلاثة أشهر
أما في حالة عدم نشوز الزوجة وصلاحها فإنه لا يجوز للزوج هجرها وذلك لسببين الأول أنه ينبغي على الزوج أن يعف الزوجة وأن يضاجعها بناء على قدرته وحاجتها للجماع، والدليل على ذلك ما ورد في مجموع الفتاوي أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد سئل هل يأثم الرجل إذا هجر زوجته في الفراش لمدة شهر أو شهرين وهل يطالب الزوج بجماع زوجته خلال هذه الفترة فأجاب شيخ الإسلام قائلاً:
" يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها، والوطء الواجب، قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدَر حاجتها وقُدْرته، كما يطعمها بقدَر حاجتها وقُدْرته، وهذا أصح القولين ".
والسبب الثاني أن امتناع الزوج عن مضاجعة زوجته الصالحة غير الناشز لمدة أربعة أشهر وقع عليه حكم المولي، فيطالب بالوطء أو بالطلاق، فإذا رفض كلا الحلين جاز للقاضي تطليق الزوجة من زوجها.
عواقب هجر الزوج لزوجته

والدليل الثاني على عدم جواز هجر الزوج لزوجته غير الناشز لمدة طويلة تزيد عن ثلاثة أشهر والذي يلزم عرضه عند الحديث عنه هل يأثم الرجل إذا هجر زوجته في الفراش والذي يوضح أيضاً عواقب هجر الزوج لزوجته هو قول علماء اللجنة الدائمة في الفتوى رقم (20443) ما يلي:
" مَن هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر : فإن كان ذلك لنشوزها، أي : لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى، وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها: فإنه يهجرها في المضجع ما شاء؛ تأديبا لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها.
وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً، أما في الكلام: فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال :( ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ) أخرجه الإمام البخاري، ومسلم في صحيحيهما، وأحمد في مسنده أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر، إضراراً بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها: فإنه كمُولٍ، وإن لم يحلف بذلك، تُضرب له مدة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع، إن لم تكن في حيض أو نفاس : فإنه يؤمر بالطلاق، فإن أبى الرجوع لزوجته، وأبى الطلاق: طلَّق عليه القاضي، أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك ".
وبهذا يتبين لنا أن من عواقب هجر الزوج لزوجته لمدة طويلة إتاحة مطالبة الزوجة لزوجها بأن يجامعها أو يطلقها فإذا رفض أحالت الأمر إلى القاضي الذي يمهل الزوج فترة لمضاجعة زوجته وفي حال رفضه يأمر القاضي بطلاقهما منعاً للإضرار بالزوجة.
وهنا نكون قد وصلنا أعزائي إلى ختام هذا المقال بعد أن تعرفنا سوياً على إجابة هذا السؤال الذي يرغب كثير من الناس في التعرف عليها وهي هل يأثم الرجل إذا هجر زوجته في الفراش، فقد أوضحنا لكم الحكم الشرعي لهذه المسألة، وبينا لكم أيضاً الأدلة الشرعية التي تؤكد هذا الحكم، كما قد عرضنا لكم أيضاً حكم هجر الزوج لزوجته فوق ثلاثة أيام، وحكم هجر الزوج لزوجته شهرين، وحكم هجر الرجل لزوجته لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، وقد ختمنا مقالنا بعرض عواقب هجر الزوج لزوجته، نرجو أن يكون مقالنا قد نال إعجابكم ووجدتم فيه حاجتكم.