"في ساحة جامعة بريستول كان الطلبة يسيرون في كل اتجاه، وظهرت أمامي في الأفق قادمة من بعيد تلك السيدة ذات الشعر الأسود المنسدل والقامة الفارعة، تمشي بنشاط واضح بعد أن جاءت في الموعد الذي حددته ولم تتنازل عنه، والسبب: أنه بعد القيلولة التي تواظب عليها وكأنها منسك مقدس. كيف لا، وهذه السيدة الشابة، د. ليز كولتارد قد ندرت حياتها البحثية لتخصص محدد وهو إثبات الفوائد الجمة لنوم "القيلولة القصيرة".
تعرفي على فوائد نوم القيلولة الصحية
هكذا بدأ صحفي مجلة فوكاس العلمية المتخصصة والصادرة عن الـBBC البريطانية مقدمة حواره مع إحدى أشهر المتخصصات في علوم النوم في جامعة بريستول، وعلم النوم هو من المجالات التي أدرك الأطباء أهميتها مند مطلع القرن، وخصصوا لها أقساما لدراستها باستفاضة وهو حقيقة- كما يتحدثون هم دوما- أمر بديهي، فساعات النوم التي نقضي فيها تقريبا ثلث حياتنا هي من ناحية انعكاس لحالتينا الصحية والنفسية، ومن ناحية أخرى مجال زمني، ما يحدث فيه يؤثر على الصحة العامة والإدراك لباقى اليوم بشكل يفوق ما كنا نتصور.
د. ليز كولتارد تخصصت في علوم النوم مند أكثر من عشر سنوات، وكانت أبحاثها في الفترة الأخيرة منصبة على القيلولة بشكل خاص، وجرى معها الحوار كما يأتي:
- كيف يؤثر النوم فى قدرتنا على فهم المعلومات؟
هناك قناعة بأن الذاكرة يتم ترتيبها وتخزينها أثناء فترة النوم العميق والذي نطلق عليه اسم مرحلة slowwave .
مشروب جديد يحطم الكولسترول والدهون
ما يحدث خلال استيقاظنا هو أن المعلومات تذهب لمنطقة الهايبوكامبس في المخ، وهي المنطقة المسئولة عن الذاكرة، حيث تكون هشة للغاية، ولكن خلال النوم استطعنا أن نرصد عمليات عصبية تدعم ثبات هذه المعلومات في خلايا المخ. ما يحدث نتيجة لذلك هو ما نطلق عليه قوة الإدراك والبصيرة: أي القدرة على معالجة المعلومات بعمق أكبر وكيفية أفضل.
- وكيف استطعت إثبات أن القيلولة تقوي هذا الإدراك؟
استخدمنا اختبارا يعتمد على الكلمات التي ترتبط بمشاعر معينة. عرضنا أمام بعض الناس كلمة "سيئ" على شاشة لمدة 50 مللي دقيقة، أي واحد على عشرين من الثانية الواحدة، و هي فترة قصيرة للغاية بحيث لم يكن أي ممن يخضعون للاختبار على وعي بأنهم رأوا الكلمة. ثم أريناهم كلمتي تضاد يختارون بينهما وهما : "سعيد " و" غير سعيد" . وقمنا بقياس سرعة اختيارهم، والسرعة هنا هامة لقياس قوة الإدراك وأخذ القرار، لأن المخ يحتاج وقتا أكبر إذا كانت الكلمة مضادة لما ينبغي أن يختاره.
عينة الاختبار انقسمت لأشخاص أخذوا قسطا من النوم لمدة 90 دقيقة وآخرين ظلوا مستيقظين. الفريق الأول اختياره كان أسرع وأدق، في إشارة إلى مقدرة أقوى على تخزين الذاكرة واتخاذ القرارات.
طبيب البوابة: ما هو سر الطاقة المفاجئة من القيلولة؟
- وما الذي دفعك في المقام الأول إلى دراسة القيلولة؟
الهدف الأساسي هو دراسة مقدرة القيلولة على مساعدة الإنسان على التعامل مع المعلومات ومعالجتها بشكل يرفع من قدرته على اتخاذ القرار الصحيح. ولأن ساعات اليوم واختلاف الضوء وغيره مما يغير من معدل الهرمونات، فإن القيلولة التي نخضعها للتجارب تثبت هده المتغيرات حتى يمكن أن نقيس أثرها. كذلك فإن الاختبار يعتمد على قيلولة الـ90 دقيقة، لأنها تنقضي من دائرة مراحل النوم من النوم الخفيف إلى الأكثر عمقا والذي يتميز بسرعة تحرك حدقة العين.
الدراسات هذه ستسهم في مساعدة الكثيرين على تحقيق الاستفادة الأكبر من إمكانات خلايا المخ فيما يتعلق بالإدراك وصنع القرارات، وسيساعد مستقبلا على الأخص كبار السن ومن يعانون من الديمنشيا أو الخرف المرتبط بالتقدم في العمر.
- وما النصيحة المثلى لتحقيق نوم القيلولة المرغوب فيه؟
هناك عوامل عديدة، لكن النوم البسيط كالقيلولة يحتاج إلى استرخاء وهو يتحقق في المقام الأول بالنوم في درجة حرارة مثالية، ويختلف إحساس الناس بالبرد والحر من بلد لآخر بلا شك ولكن حاول علماء جامعة ليسيه الفرنسية الوصول إلى متوسط لدرجة الحرارة المثالية التي تساعد الإنسان على الاستغراق في النوم بسهولة وعمق وذلك بعد أخذ متوسطات من إحصائيات اعتمدت على عينات من شعوب مختلفة في كل أنحاء العالم وتبين أنه إذا كانت العناصر الأخرى كلها ثابتة فإن درجة الحرارة المثالية للغرفة والتي تساعد على النوم هي من ست عشرة درجة مئوية إلى تسع عشرة إذا ما كان الإنسان يرتدي ملابس نوم تغطي جسده ويتدثر بأغطية الفراش أما إذا كان الإنسان يرتدي أقل القليل من الملابس وبدون غطاء على الفراش فإن درجة الحرارة المثالية تقفز إلى معدل ثلاثين إلى اثنتين وثلاثين درجة مئوية.
- ماذا عن الحبوب المنومة التي قد يستعين بها الإنسان هل تصلح لنوم القيلولة؟
مشكلة الأرق أو صعوبة الاستغراق في النوم مشكلة معقدة بلا شك وتتدخل فيها أسباب نفسية وعضوية عديدة وتختلف باختلاف المرحلة العمرية وقلما تجد مجتمعا يخلو من هذا الأمر مما جعل شركات الأدوية تتنافس للحصول على أكبر قطعة من كعكة الأرباح التي تدرها العقاقير المنومة والمهدئة سنويا، هناك فريق بحثي بقيادة البروفيسور شارلز مورين من جماعة لافال فى كيبيك الكندية أكد على أن الاعتماد على هذه العقاقير ليس فقط ضارا على المدى الطويل وإنما أيضا بمثابة وهم اصطلح على فاعليته بينما الحقيقة التي أثبتت علميا تؤكد أن العلاج السلوكي وما يطلق عليه العلاج الإدراكي هو صاحب النتيجة الأفضل على المدى الطويل.
- وماذا عن أحلام القيلولة؟
الأحلام يمكن أن تتراءى للإنسان حتى في فترات النوم القصير، والأحلام هي من الوظائف الطبيعية للمخ في الجنس البشرى، ولكن الكثير من الأشخاص لا يتذكرون أحلامهم إطلاقا عقب الاستيقاظ من النوم.
أطول حلم قد يستغرق 45 دقيقة بحد أقصى، ويحدث ذلك غالبا خلال فترة الصباح، وقد يتكرر ذلك أكثر من مرة فى نفس فترة النوم، وفى مركز أبحاث جامعة كيس وسترن فى كليفلاند أجرى فريق بحثي بقيادة البروفيسور كالفيين هال دراسة على خمسين ألف شخص تطوعوا للمشاركة في التجارب عندما أعلن المركز عن دراسات لفهم طبيعة وأسباب رؤية الأحلام والعناصر الأساسية التي يمكن من خلالها التمكن مما سيراه المرء في الحلم.
وفى حين خلصت الدراسة إلى مؤشرات عديدة كان أكثرها ثبوتا ووضوحا هو ما يتعلق بالأمر الذي يحلم به الناس أو الشيء الذي يرونه في أحلامهم وبات واضحا أن الناس يرون في أحلامهم الشيء الذي يقلقهم وأن الأمر يختلف لدى الأطفال عن الكبار فالأغلبية العظمي من الأطفال عندما يحلمون بشيء يقلقهم فإنه في الأغلب يتمحور حول الحيوانات وعلى عكس الكبار الذين يرون كثيرا في أحلامهم غيرهم من البشر.
