مع كل عام يأتي يوم عرفة بالنفحات الربانية فينتظره كل مسلم راغبًا في أن يتقرب من ربه بالأعمال الصالحة وعاكفًا على التوبة، فيُمكنه أن يُهذب نفسه ويُطهرها في يوم عرفة ويغتنم تلك الفرصة بالصوم والصلاة وذكر الله والتكبير والتهليل والإكثار من الدعاء، ومن يرغب في معرفة أهم أحكام يوم عرفة والصيام فيه في الفقرات التالية دعونا نتطرق إلى حكم صيام يوم عرفة يوم قبله أو بعده بالإضافة إلى فضائل صيام يوم عرفة عن كثب.
صيام يوم عرفة يوم قبله أو بعده
وفقًا لما ورد في السنة النبوية الشريفة إنه من المُستحب صوم يوم عرفة؛ لما تجتمع في ذلك اليوم من العبادات، كما يكون العمل الصالح في يوم عرفة أقرب إلى الله من أي وقت آخر، بما يجعل ثواب الصوم عظيمًا، ولا يُشترط صيام يوم عرفة يوم قبله أو بعده، فمن الممكن أن يكتفي المُسلم بصيام يوم عرفة منفردًا، نظير كونه من السنن المُستحبة، كما لا يُشترط أن يصوم المُسلم التسع الأوائل من ذي الحجة كاملة، ونقول إنها تسع أيام لأن الصيام مكروه وغير مستحب في يوم النحر وهو أول يوم من أيام عيد الأضحى.
من هنا نصل إلى حكم في مسألة صيام يوم عرفة وصيام يوم قبله او بعده بأنه وفقًا لدار الإفتاء لا يُشترط على المُسلم صيام فضائل صيام يوم عرفة يوم قبله أو بعده أو حتى صيام الأيام الثمانية قبله، ففضل صوم يوم عرفة عظيم حتى وإن كان منفردًا، وهو ما لا ينفي أنّ صيام يوم عرفة ويوم قبله يكون ثوابه أعظم عند الله، لكن بعد يوم عرفة كما رأينا أنه من الكراهة الصيام لأنه يوم النحر.
حكم صيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة
إنّ يوم عرفة من الأيام المباركة الفضيلة، والصيام في يوم عرفة أو صيام يوم قبل عرفة يُعتبر من أحب الأعمال إلى الله تعالى، فالصوم من الأعمال المُستحبة في أول أيام ذي الحجة، وهنيئًا لمن يغتنمها، ومن بين ما تطرقت إليه الإفتاء بصدد حكم صيام يوم عرفة ويوم قبله أو بعده أنّه حتى وإن وافق يوم عرفة يوم الجمعة فإنه يجوز صيامه منفردًا ولا حرج في ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بقِيَامٍ مِن بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَومَ الجُمُعَةِ بصِيَامٍ مِن بَيْنِ الأيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكونَ في صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ" (صحيح مسلم)، أما عن مسألة النهي عن صيام يوم الجمعة وإفراده بالصيام فهي مخصوصة لمن قصد ذلك تطوعًا، بينما إن أتى يوم عرفة يوم جمعة فلا حرج في الإفراد في صيامه دون الحاجة إلى صيام يوم قبله.
حكم الذي لا يصوم يوم عرفة
يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، والصيام قبل يوم عرفة أي في الثمانية الأوائل من ذي الحجة وكذلك صيام يوم عرفة ذاته من قُبيل السُنن، أي أنه لا يُعتد به من الفريضة، ولكن يُعد من السنن المستحبة، حيث يغفر الله فيه الذنوب ويتجاوز عن سيئات عباده العاكفين إليه بالطاعات وصالح الأعمال.
ونُشير إلى أنّ صيام يوم عرفة مُستحب لغير الحاج، بينما للحجاج فقد اختلف العلماء في تلك المسألة بيد أن الأغلب اتفق على كراهة صيام الحاج في يوم عرفة، والسبب في ذلك يعزو إلى أن الحجاج يقومون بأداء المناسك ويؤدون ركن هام في الحج وهو الوقوف بعرفة، فعلى الحجاج أن يتقوتون بالفطر حتى يقدرون على الطاعة والدعاء، بينما غير الحجاج يكون الصيام لهم مُستحبًا في يوم عرفة.
فضل صيام يوم عرفة
نستهل حديثنا عن فضائل صيام يوم عرفة بحديث أبي قتادة الحارث بن ربعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. قالَ: وَسُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ، فَقالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ" (صحيح مسلم)، فما أعظم ذلك من فضل، وقد تبيّن في حكم صيام يوم عرفة يوم قبله أو بعده المذكور أعلاه ما ليوم عرفة من فضل عظيم عند حُسن اغتنامه، ومن بين تلك الفضائل:
- يوم عرفة يُعتبر من أيام الشهر الحرام "ذي الحجة" وهو ما يجعله من الأيام المباركة.
- كما أن يوم عرفة هو واحد من أيام أشهر الحج ومواقيته الزمانية.
- أقسم الله تعالى بيوم عرفة في مُحكم التنزيل، فقد أقسم بالليال العشر، ومن بينها يوم عرفة، فالمقصود في الآية العشر الأوائل من ذي الحجة.
- يقبل الله العمل الصالح من العبد في يوم عرفة، فيكون الدعاء إلى الله مُستجابًا، وما أحبّ من أن يدعو العبد وهو صائم.
- يُكفر صيام يوم عرفة ذنوب سنة مضت وسنة آتية بإذن الله، شرط أن يلتزم المسلم اجتناب الكبائر، حيث يُخفف صيام يوم عرفة من صغائر الذنوب.
- عظّم الرسول من فضل الأعمال الصالحة في يوم عرفة، ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
- يعتق الله رقاب عباده من النار في يوم عرفة، فيُستحب أن يكون العبد صائمًا طائعًا لله طالبًا الرحمة والمغفرة.
بذلك نكون قد بيّنا عن كثب حكم صيام يوم عرفة يوم قبله أو بعده وكذلك حكم من لا يصوم يوم عرفة، وقد تطرقنا إلى فضائل الصيام في يوم عرفة لعلّها تكون سببًا في حُسن اغتنام ذلك اليوم بالعبادات والطاعات.
