باريس: يعتبر معرض "المتوسط الفينيقي" الذي حمل عنواناً إضافياً هو " أي وجه هو وجه الحضارة التي أعطتنا الأبجدية؟ " وفقاً لجريدة "دار الحياة" معرض فريد في ما ضمّ من آثار تلتئم للمرة الأولى لتؤلف ما يشبه «الملحمة» الفينيقية التي تمتد امتداد الساحل الفينيقي من فلسطين الى لبنان وسورية وقرطاج مروراً بالجزيرة القبرصية وجزر بحر إيجه وسردينيا ومالطا وصقلية وضفاف ايطاليا واسبانيا وشمال إفريقيا، إنه المتوسط الذي أقام فيه الفينيقيون وغزوه، وهم ، وفق عبده وازن ب "دار الحياة" اللندنية ، الذين عرفوا بالبحارة والتجار وناشري الحرف.
تتيح الآثار المعروضة على اختلافها اكتشاف التاريخ الحقيقي الذي لا يزال شبه مجهول لهذا الشعب وللمدن التي بناها وانطلق منها عبر شبكة من الخطوط البحرية بغية التبادل التجاري والحضاري مع العالم من حوله.
يضمّ المعرض زهاء ستمئة قطعة أثرية استعارها متحف «معهد العالم العربي» الذي يديره الآن الكاتب والأكاديمي السوري بدر الدين عرودكي من متاحف عالمية، وتتوزع بين الكتابات المحفورة على الألواح الحجر وشواهد القبور والنواويس والأختام والقطع النقدية وقطع العاج والزجاج والسيراميك أو الفخار والتماثيل النصفية وسواها.
ونظراً الى حاجاتهم الملحاح للتواصل مع العالم ولتدوين عقائدهم وحفظها من الاندثار سعوا الى البحث عن أشكال جديدة للكتابة بعدما اطلعوا على طرق الكتابة لدى المصريين وشعوب بلاد ما بين النهرين. لكنهم أدركوا أن الكتابة الهيروغليفية ليست إلا كتابة تصويرية معقدة، فسعوا الى تبسيط الكتابة باذلين جهداً كبيراً ومجتازين مراحل عدة.
بعض المعروضات الأثرية لا سيما النواويس والمنحوتات النصفية تتيح للزائر أو المشاهد أن يستعيد الطقوس الدينية التي كان يمارسها الفينيقيون. وكان الدين الفينيقي ينطلق من فكرة الخصب، ولم يكن غريباً في بعض نواحيه عن الدين المصري والبابلي وسواهما من الأديان التي اقتبس الفينيقيون منها ، وكان لديهم آلهة متعددة ترمز الى القوى السماوية والطبيعية.
ومن آلهتهم الشهيرة: إيل وآدون وملكارت وأشمون ، وكان لدى الفينيقيين أعياد وكانوا يحجون خلالها الى المعابد البعيدة. وكانوا يقرّبون الأضاحي ويقدمون القرابين.
ومع أنهم يعتقدون بأن الثواب والعقاب يتمان في هذا العالم فهم كانوا يكرّمون موتاهم مثلهم مثل المصريين القدامى ، ووجدت في قبور لهم سرج وجرار وأوانٍ للطعام، ما يؤكد أنهم يعتقدون بأن ثمة حياة بعد الموت تشبه الحياة على الأرض.
وإذا كان المعرض يلقي ضوءاً ساطعاً على الحضارة الفينيقية من خلال تجلياتها الفنية والحرفية فإن هذه الحضارة لا تزال شبه مجهولة، مثلما كان الفينيقيون أنفسهم مثار اختلاف بين المؤرخين القدامى ، ثمة مؤرخون يمتدحون هذا الشعب الذي خاض البحار واكتشف الأبجدية وتواصل مع العالم، وثمة آخرون، لا سيما المدوّنون الاغريق والرومان يصفونهم بأنهم «برابرة» حاولوا السيطرة على المواقع والمستعمرات في هدف التجارة والمال.
واتهم المؤرخ الاغريقي ديودور دو سيسيل الفينيقيين بأنهم كانوا يضحون بالأطفال للآلهة، لكن هذه التهمة لم تؤكدها المكتشفات الأثرية.