في كرة القدم، هناك من يعمل وفق الإمكانيات، وهناك من يصنع الإمكانيات من لا شيء، هانز فليك ببساطة ينتمي للفئة الثانية.
استلم فريقًا نصفه مصاب، ونصفه الآخر بالكاد تجاوز مرحلة المراهقة، ونجح في تقديم صورة لا تشبه الواقع بل تتجاوز المنطق أحيانًا.
إحياء مارتينيز.. التفاصيل تصنع الفارق
من كان يتوقّع أن يعود مدافع مثل إينيغو مارتينيز، الذي تجاوز الثلاثين ولم يكن خيارًا أساسيًا في فريقه السابق، ليصبح أحد أكثر عناصر الدفاع ثباتًا في القارة؟
ما يقدّمه لا يُفسَّر بالحظ، بل بشيء أعمق: إعادة هندسة اللاعب نفسيًا وتكتيكيًا.
وسط مراهق يلعب بعقلية الكبار
أما خط الوسط، فتلك قصة أخرى. فبيدري، جافي، فيرمين، باستثناء فرينكي دي يونغ، أسماء لم تبلغ أوج النضج، لكنها تلعب بأعصاب هادئة في أقسى الظروف، كأنهم خاضوا نهائيات كبرى لسنوات.
لامين يامال تحديدًا، لا يبدو منزعجًا من المقارنات، حتى حين يُذكر اسمه إلى جانب ميسي، بل يضحك بثقة، وكأن الأمر لا يثقله.
نصف نهائي بنصف فريق
ورغم الغيابات والإجهاد وقلة الخيارات، خاض الفريق نصف نهائي قاري من دون مهاجمه الأساسي روبرت ليفاندوفسكي، ومن دون أظهرته، ومع ذلك، ظهر بثبات تكتيكي مذهل، وفرض إيقاعه أمام أحد أكثر الفرق شراسة.
الكلاسيكو.. تفوق رغم كل العوائق
ثم جاءت مباراة ريال مدريد في الدوري. السيناريو نفسه: لاعبين مرهقين، غيابات، ظروف غير مثالية. ومع ذلك، يقدم الفريق عرضًا كبيرًا، ويسجّل انتصارًا معنويًا وأدائيًا.
في تلك الليلة، كان فيران توريس – الذي لم يجد له مكانًا في مانشستر سيتي – يصنع ثلاث تمريرات حاسمة أمام ريال مدريد، بعد أن قرأ فليك نقطة قوته الحقيقية: قدرته الاستثنائية على تدوير جسده في المساحات الضيقة والتحرّك بحرية.
فليك لا يدرب.. فليك يعيد التعريف
ما يفعله فليك ليس مجرد تدريب، بل بناء مشروع كامل من أدوات تبدو في ظاهرها محدودة. يمنح لاعبيه وصفة سرية من الثقة والانضباط والتحفيز، فيتحول كل عنصر داخل الفريق إلى قطعة ذهبية.
لا وعود بالبطولات، ولا أحاديث عن "العصر الجديد"، فقط فريق شاب، متمرد، يلعب كرة قدم حقيقية، ووسط كل هذا، يقف فليك بهدوء، يرسم ملامح تاريخ يُكتب على مهل، لذلك نكرر هانز فليك لا يدرب برشلونة، هو يعيد تعريفه.