مخاض صعب تعيشه بريطانيا اليوم. حكومة تيريزا ماي مطالبة بوضع رؤية واضحة للخروج من الاتحاد الأوروبي خلال مهلة محددة، وهي رؤية لا يمكنها أن تستثني كرة القدم التي تُعتبر عصباً مهماً في المملكة المتحدة.
تأثير كرة القدم وصل إلى الحكومة ومجلس العموم، فطالب رئيس حزب العمال جيريمي كوربن رئيسة الوزراء تيريزا ماي قبل أيام بأن تستفيد من مدرب ليفربول يورغن كلوب، لتحقق نتائج إيجابية في أوروبا، وردّت هي عليه بالقول إن ما قام به ليفربول أمام برشلونة يؤكد أن العودة ممكنة حتى لو كانت صعبة. كرة القدم تشغل بريطانيا، ولكنها أيضاً مهدّدة بسبب «بريكسيت».
بعد نجاح التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يعيش العديد من القطاعات في إنجلترا صدمة حقيقيّة، إثر التغيير المترتّب على هذا الخروج. الفوضى طالت كرة القدم بشكلٍ أساسي، بعد وضع شروط لانتقال اللاعبين من دول الاتحاد الأوروبي إلى أندية المملكة المتحدة، ما هدّد بتراجع القيمة التسويقية للدوري الإنجليزي بمختلف درجاته على المدى البعيد.
الموسم الإنجليزي الأخير يُعتبر من الأنجح على مختلف الصعد، وبعد فتح سوق الانتقالات قبل ساعات، تسعى الأندية لتدعيم صفوفها بأفضل الطرق الممكنة، إلا أن الصورة لا تزال ضبابيّة، خاصة حول ما يتعلق بانتقال اللاعبين، وشروط دخولهم إلى بريطانيا.
تقف عقبة الـ«بريكسيت» عائقاً أمام تعويل إنجلترا على نجاحها الحالي للمضي قدماً في المستقبل القريب، نظراً إلى التغييرات التي قد تطرأ على نظام الانتقالات، النقطة الأقوى التي ساهمت في بروز الدوري الإنجليزي كقوّة صاعدة مقارنةً بباقي الدوريات الأوروبية الكبرى.
لإيجاد حلّ يمنع حدوث الكارثة، حضر وفدٌ من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قبل أيّام قمّة وزارة الداخلية بين ممثلين عن الإدارات ومجلس العموم، لتوضيح قواعد الهجرة والتأشيرات الجديدة.
تخلّل الاجتماع محاولات لمنع الالتباس حول نظام الهجرة، لكي لا ينعكس سلباً على نظام الإمضاءات الجديدة، إذ حاول مسؤولو وزارة الداخلية العمل مع سلطات كرة القدم للتأكد من أن الجميع على دراية بنظام التأشيرات الجديد عندما يدخل حيز التنفيذ.
من المقرّر أن يبدأ تطبيق نظام الهجرة الجديد اعتباراً من كانون الثاني/يناير عام 2021، في نهاية الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. يعدّ يناير أحد أكثر الأشهر في إنجلترا مساهمةً في تحديد مصير الأندية كافة، إذ يصادف هذا الشهر بداية سوق الانتقالات الشتوية الذي يعدّل المدربون خلاله خططهم، بغية تحقيق أهداف الإدارات مع نهاية الموسم.
في ظلّ الصورة الأولية لقوانين الهجرة، سيفقد العديد من اللاعبين الأوروبيين الحق التلقائي في المجيء واللعب في الدوري الإنجليزي، وهذا سيخلّف خسائر مالية هائلة للأندية والاتحاد. وهذه الشروط يمكن أن تبدأ بمستوى أقل ابتداءً من هذا الموسم.
الاعتماد على اللاعب الأوروبي
رغم النجاح الكبير للكرة الإنجليزية أوروبياً هذا الموسم، إلا أن ثمانية لاعبين إنجليز فقط، هم الذين شاركوا في استحقاقات نصف النهائي من بطولتَي دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي، مع الفرق الأربعة المتأهلة، (ليفربول، توتنهام، تشيلسي، آرسنال)، في حين شهدت التشكيلات الأربع اكتساحاً للاعبين الأوروبيين.
تشير الإحصائيات إلى فضل اللاعبين الأوروبيين بتألق الكرة الإنجليزية هذا الموسم، إذ إنه من بين الأهداف الـ 12 التي سجلتها الأندية الأربعة في مواجهاتها الأوروبية الأسبوع الماضي، جاء 11 هدفاً من لاعبين أجانب، في حين كان الهدف الإنجليزي الوحيد من تدوين نجم تشيلسي الشاب روبن لوفتوس تشيك في يوروبا ليغ.
كان مدرب المنتخب الإنجليزي الأول غاريث ساوثغيت حاضراً بدوره اجتماع الأسبوع الماضي، وقد اشتكى سابقاً من انخفاض عدد اللاعبين المحليين في فرق مقدمة الدوري الإنجليزي الممتاز. إذ شكّل هؤلاء ربع عدد اللاعبين المشاركين في منافسات نهاية الأسبوع.
رغم مخاوف أغلب الأندية الإنجليزية، التي تعتمد بالدرجة الأولى على استقدام اللاعبين الأوروبيين، من تداعيات الوضع الجديد، قد تصبّ الترتيبات الآتية في مصلحة ساوثغيت، كفرصة لزيادة عدد اللاعبين المحليين في الفرق الإنجليزية الكبرى.
ومع احتمال تقليل عدد اللاعبين الأوروبيين في الدوري الإنجليزي، يتّجه اتحاد كرة القدم في إنجلترا إلى زيادة المواهب المحلية، عبر زيادة الحد الأدنى لعدد اللاعبين محليي المنشأ في كلّ فريق من ثمانية إلى 12، وبالتالي هذا يعزز المنتخب الأول.
بموجب القواعد الحالية، يتمتع جميع اللاعبين من دول الاتحاد الأوروبي بحرية المجيء واللعب للأندية الإنجليزية، تبعاً لقواعد الحركة الحرة للاتحاد الأوروبي.
سوف تتوقف هذه القواعد عن التطبيق بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية (2021)، حيث سيتعيّن على الأندية تأمين تأشيرات دخول لنجومها الجدد. لتأمين التأشيرة، يتعين على اللاعبين التقدم بطلب للحصول على موافقة مجلس الإدارة من الاتحاد الإنجليزي، وتعتمد أهليتهم على مجموعة من العوامل، بما في ذلك عدد مرات ظهورهم على المستوى الدولي وترتيب منتخبهم الوطني.
بفعل عائدات النقل التلفزيوني الهائلة في الدوري الإنجليزي، شكّلت إنجلترا بيئة جاذبة للاعبين الأوروبيين، ما انعكس على مستوى الدوري إيجاباً. الحدّ من عدد اللاعبين الأوروبيين قد يضعف الدوري، وهو ما يحاول القائمون على البطولة تجنّبه. إنجلترا في أزمةٍ حقيقية.
أرباح الأندية مهددة
بعد انتهاء الموسم الإنجليزي (2018-2019) وتتويج مانشستر سيتي بلقب الدوري، تبيّن أن ليفربول الوصيف حقق أرباحاً أكثر من البطل، وذلك بفضل عائدات النقل التلفزيوني.
أرباح ليفربول وصلت إلى 173 مليون يورو، بينما أرباح مانشستر سيتي لم تتجاوز 171.7 مليون يورو.
تتوزع أرباح ليفربول على الشكل التالي (38.8 مليون) من النقل التلفزيوني، و(42.5 مليون) جائزة الوصيف، إضافة إلى 92 مليوناً يحصل عليها النادي خلال الموسم.
هذه الأموال في حال طُبّق القرار بعدم السماح بانتقال اللاعبين الأوروبيين إلى الدوري الإنجليزي بطريقة سهلة، قد تتراجع، لأن نسبة المنافسة في الدوري ستنخفض، وبالتالي نسبة المتابعة من قِبل الجماهير حول العالم، أي أن أرباح النقل التلفزيوني ستنخفض هي الأخرى.
في حالات كهذه، ستتأثر الأندية التي تعتمد كثيراً على التلفزيون والتسويق، وبالتالي فإن الدوري ككل سيتعرّض لنكسة كبيرة، كما حصل في إيطاليا خلال السنوات الماضية، على قاعدة أن الدوري الذي لا يضم النجوم يتأثر مالياً.