تتزامن المناورات العسكرية الصينية الواسعة بالذخيرة الحية في الجو والبحر حول تايوان مع اقتراب التقويم من ما بات يُعرف بـموعد 2027، وهو الإطار الزمني الذي تتوقع فيه دوائر عسكرية أمريكية أن تكون بكين قد استكملت جاهزيتها للسيطرة على الجزيرة.
ويعمل الجيش الأمريكي منذ نحو خمس سنوات على افتراض أن الجيش الصيني يسرّع استعداداته لاستخدام القوة ضد تايوان بحلول عام 2027، وهي الفترة التي يُشار إليها غالبًا باسم نافذة ديفيدسون، نسبة إلى تصريحات أدلى بها عام 2021 قائد القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ آنذاك الأدميرال فيليب ديفيدسون، حين قال إن الصين تسعى إلى امتلاك هذه القدرة خلال ست سنوات.
وخلال هذه السنوات، كثفت الولايات المتحدة تحركاتها العسكرية والاستراتيجية، فأنشأت قواعد جديدة في المحيط الهادئ، وضخت مليارات الدولارات في تصنيع أشباه الموصلات محليًا، وزودت تايبيه بالأسلحة، وأعادت توزيع أصولها العسكرية، وكل ذلك على وقع سيناريو حرب محتملة حول الجزيرة. غير أن هذا الشعور بالإلحاح، بحسب مراقبين، لم يكن دائمًا متناسبًا مع تقلص الجدول الزمني الذي لم يعد يفصل عن عام 2027 سوى نحو عام واحد.
وفي مؤشر على تبدل هذا الإيقاع، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الشهر إقرار أكبر صفقة أسلحة في تاريخ العلاقات مع تايوان بقيمة 11.1 مليار دولار. وبعدها بأيام، أطلقت بكين تدريبات عسكرية وصفتها قواتها المسلحة بأنها تحذير صارم لما سمته النزعات الانفصالية، وشملت محاكاة ضربات جوية ومناورات بحرية بالذخيرة الحية، في رسالة تؤكد قدرة الصين على تطويق الجزيرة والسيطرة عليها.
ورغم أن هذه التدريبات كانت على الأرجح معدّة سلفًا، فإن الإعلان الأمريكي عن صفقة الأسلحة أثار غضب بكين. وقال متحدث باسم السفارة الصينية لموقع أكسيوس إن هذه الخطوات تنطوي على خطر تحويل تايوان إلى برميل بارود، وتسريع احتمالات اندلاع صراع في مضيق تايوان.
وتضم حزمة الأسلحة أنظمة صواريخ هيمارس، ومدافع هاوتزر، وصواريخ مضادة للدبابات، وطائرات مسيرة هجومية، وقد قوبلت بفرض الصين عقوبات مضادة. في المقابل، تواجه القاعدة الصناعية العسكرية الأمريكية صعوبات في تلبية الطلب المتزايد، سواء للجيش الأمريكي أو لحلفائه، إذ لن تتسلم تايوان كامل مقاتلات إف-16 في نسختها الأحدث قبل نهاية عام 2026، خلافًا لما كان مقررًا.
ويحذر خبراء من فجوة زمنية مقلقة، إذ يقول مايك كويكن، زميل معهد هوفر وعضو لجنة مراجعة الاقتصاد والأمن بين الولايات المتحدة والصين، إن وتيرة إنتاج السفن والغواصات لا تتسارع بالقدر الكافي، معتبرًا أن عام 2027 يمثل نقطة تقاطع حقيقية لملفات حاسمة تتعلق بالجاهزية العسكرية.
وفي الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة بناء مدارج جوية وموانئ وقواعد على جزر المحيط الهادئ تحسبًا لأي مواجهة مع الصين، إلا أن هذه الأعمال، وفق إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع لشؤون أمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ في إدارة بايدن، لا تزال في مراحلها الأولى وتسير بإيقاع زمن السلم.
وكان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق بيل بيرنز قد قال عام 2024 إن معلومات استخباراتية أشارت إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أصدر تعليمات لجيش التحرير الشعبي بأن يكون جاهزًا بحلول عام 2027 لتنفيذ غزو ناجح. ورغم سياسة الغموض الاستراتيجي الأمريكية، صرح الرئيس السابق جو بايدن مرارًا بأن بلاده ستدافع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم، بينما تجنب ترامب توضيح موقفه، مكتفيًا أحيانًا بانتقاد تايبيه على خلفية صناعة الرقائق.
ويكتسب أي صراع محتمل أهمية مضاعفة بسبب الدور المحوري لتايوان في صناعة أشباه الموصلات، ما يعني أن اندلاع مواجهة عسكرية هناك قد يترك تداعيات هائلة على الاقتصاد العالمي. ويؤكد راندي شرايفر، رئيس معهد أمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أن الاستثمارات الأمريكية الضخمة في تصنيع الرقائق جاءت مع وضع أفق 2027 في الحسبان.
وبرغم القوة العسكرية الصينية، تشير تقديرات استخباراتية إلى أن تايوان تمثل هدفًا بالغ التعقيد، بفعل موقعها الجغرافي المحاط ببحار صعبة، وتضاريسها الجبلية، وقدراتها الدفاعية، فضلًا عن احتمال تدخل شركاء مثل اليابان، وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
وترى أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن شي جين بينغ يسعى إلى امتلاك خيار الهجوم بحلول 2027، دون أن يعني ذلك بالضرورة اتخاذ قرار فوري بالحرب، إذ يعتقد كثير من المحللين أنه لا يستبعد تحقيق هدفه بوسائل سلمية. وفي المقابل، تستعد بكين لسيناريوهات أقل حدة، مثل فرض حصار بحري، بينما تدرس واشنطن خيارات متعددة تتراوح بين دعم استخباراتي وتسليحي على غرار النموذج الأوكراني، واستخدام مكثف للطائرات المسيرة، وصولًا إلى نشر قوات على الأرض.
وأكدت السفارة الصينية في واشنطن أن صفقة الأسلحة الأمريكية تنتهك مبدأ الصين الواحدة، وتمس سيادة الصين وأمنها، وترسل إشارات خطيرة إلى دعاة استقلال تايوان، معتبرة أن القضية تمثل خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه في العلاقات الصينية الأمريكية.
في المقابل، شددت تايبيه على التزامها بالحفاظ على الوضع الراهن، مع التأكيد على الاستعداد لأسوأ السيناريوهات، من خلال رفع الإنفاق الدفاعي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز القدرات غير المتماثلة، وإجراء تدريبات على الصمود الحضري.
أما ترامب، فقلل من دلالات المناورات الصينية الأخيرة، معتبرًا أنها لا تعني بالضرورة قرارًا وشيكًا بالهجوم، وقال إنه لا يعتقد أن شي جين بينغ سيقدم على ذلك.