تنويع الاقتصادات: سعي مستمر من أجل التوازن

بيان صحفي
تاريخ النشر: 21 مارس 2011 - 12:23 GMT

شادي مجاعص، المدير في بوز أند كومباني
شادي مجاعص، المدير في بوز أند كومباني

كشفت الأزمة العالمية الأخيرة حقيقة عالمية غير متوقعة، تتمثل في أن  اقتصادات الدول لم تكن وليست متنوعة بما فيه الكفاية. وقد يشكل  هذا الاستنتاج مفاجأة لمعظم المسؤولين عن التنمية الاقتصادية في هذه الدول. فقد كان للتنويع الاقتصادي، تقليديا، تعريف ضيق إلى حد ما، لا يشير إلا إلى مجموعة القطاعات الاقتصادية في بلد  ما. وتتركز مناقشة الاقتصادات غير المتنوعة كفايةً عادة على البلدان التي تعتمد كل قاعدتها الصناعية على النفط أو مورد واحد آخر ، كبعض الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ولكن حتى البلدان التي تظهر تنوعا كبيرا، كالولايات المتحدة الأميركية، قد تكون عرضة لأحداث غير متوقعة. 

معنى التنوّع

لنتخيّل أن كل دولة من دول العالم تسير وفق خط ثابت متواصل. على أحد طرفي هذا الخط، بلد  يضم مجموعة من الشركات التي تنتج عدداً محدوداً من السلع، ويجري تبادلا مع عدد قليل من الشركاء التجاريين. فعلى الرغم من أن بلداً كهذا يمكن أن يكون عرضة لمخاطر كبيرة متأتية من الصدمات الخارجية، كامكان حصول وفرة مفاجئة في الأسواق العالمية لأحد منتجاته  الرئيسية، فإن رصد معالم اقتصاد هذا البلد يبقى  بسيطا، ومن السهولة توقّع مثل هذه المخاطر التي قد يتعرض لها. 

ومن الجهة الأخرى من الخط، فلنفترض أن ثمة بلداً ذا اقتصاد متنوّع بكل معنى الكلمة، سواء من حيث صادراته أو استثماراته أو صناعاته أو مصادر إنفاقه أو عمالته أو التكنولوجيا أو المعرفة. وقد توقع هذا البلد وتحسّب لكل المخاطر المحتملة، ونوّع أصوله بشكل كامل، بحيث أن الانهيار الشامل في مجال واحد لا يمكن أن يصيب اقتصاده ككل بأضرار كبيرة.

كل من هذين البلدين آمن إلى حد كبير من المخاطر الاقتصادية العالمية. أما البلدان المعرّضة للمخاطر فهي التي تقف في منتصف السلسلة، وهذا يشمل في الوقت الراهن كل بلدان العالم. ويقول ريشار شدياق، الشريك في "بوز أند كومباني": "ليس هناك من بلد واحد نوّع اقتصاده في شكل كامل بما يحميه من كل الصدمات، لكن كل البلدان لديها اقتصادات متنوّعة ومركّبة ومترابطة عالمياً بحيث لا تستطيع أن تتوقع في شكل كامل كل مصدر ممكن للخطر. بعبارة أخرى، فإن الاقتصادات العالمية هي ببساطة غير متنوعة بما فيه الكفاية، مع أن معظمها لا تعي ذلك، وعلى الرغم من أن معظم المسؤولين الاقتصاديين يعتقدون أن العكس هو الصحيح".                                                                                            

المبالغة في التركيز

لا توجد في الوقت الراهن بيانات إحصائية كافية لاثبات الترابط بين قلة التنويع وعدم الاستقرار الاقتصادي، لكن الأزمة الاقتصادية الأخيرة بيّنت أن الدول قد تبالغ بأكثر من طريقة في  تركيز اقتصاداتها، من خلال الاعتماد كثيرا على الانفاق الاستهلاكي والصادرات والمؤسسات الصغيرة والشركات الكبيرة، أو الاستثمار الأجنبي. يضاف إلى ذلك أن  المشكلة في بلدانكالولايات المتحدة وبريطانيا، تكمن في المبالغة في التركيز، بشكل آخر: فبدلا من الكثير من التجارة، تتكل هذه الدول أكثر من اللازم على المستهلكين المحليين الذين يشكل الاقتراض وسيلة أساسيةلتمويل عمليات الشراء التي يقومون بها. ويقول شادي ن. مجاعص، المدير في بوز أند كومباني، في هذا الصدد: "في الأيام الأولى للأزمة (2008)، مثّل الاستهلاك 71 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، أي نحو ستة أضعاف حصة الصادرات. وخلال الانكماش الاقتصادي، انخفض دخل الأسر وانخفضت ثقة المستهلك مع ما لذلك من آثار مدمرة. واليوم، لا يزال الاقتصاد الأميركي يواجه صعوبات مع ارتفاع معدلات البطالة وتدني الثقة، وهذه حالة تعبّر تماماً عما يترتب على التركيز المفرط من مخاطر".

وثمة بلدان أخرى تعتمد اقتصاداتها بشكل مفرط على نوع واحد من الشركات، مع كون قاعدة الأعمال والمشاريع فيها مكوّنة بشكل أساسي من شركات صغيرة أو تسيطر عليها بضعة تكتلات اقتصادية كبيرة، علما أن لكل من هذين الشكلين مشكلاته الخاصة. فإذا أخذنا إيطاليا مثالاً، نلاحظ أن للشركات الصغيرة والمتوسطة هي المسيطرة، إذ أن نحو 95 في المئة من الشركات الإيطالية تندرج ضمن هذه الفئة، وهي تستخدم أكثر من 80 في المئة من القوة العاملة الإيطالية. وتكون هذه الشركات أول من يلغي وظائف عندما تشهد ايطاليا مرحلة ركود، مما يجعل البلاد أقل قدرة على تجاوز الاتجاهات التراجعية التي تشهدها الدورة الاقتصادية. وثمة بلدان تكون فيها نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي مرتبطة ببضع شركات ضخمة، كما أظهرت المصارف الأميركية التي أضعفت اقتصاد الولايات المتحدة في العام 2008. 

تحقيق التوازن

لا بد من التشديد أولاً على أن صناع القرار يجب ألا يسعوا الى إضعاف العناصر التي هي في صلب نجاح بلدانهم، أو الى الغائها. غير إن على صانعي السياسات أن يعملوا على موازنة هذه التأثيرات الغالبة، للتأكد من أنها لا تلعب دورا غير متكافئ في الاقتصاد. والسؤال الأساسي هو ما إذا كانت العناصر الرئيسية للاقتصاد متنوّعة ومرنة، وقابلة للتطبيق بسهولة على مجموعة متنوعة من الفرص الاقتصادية. أما الأمر الأساسي الذي يجب أن يقوم به واضعو السياسات، فهو ليس رصد هذه العناصر فحسب، ولكن أيضا السعي باستمرار إلى تحديد المجالات التي من المحتمل أن يكون فيها تركيزٌ مفرط، بما في ذلك تلك التي قد لا تكون واضحة، علماً ان هذه المهمة ليست سهلة.

والحقيقة أن هذا الجهد هو بمثابة مسعى دائم لا مجرّد تجاوز عقبة واحدة. فتحديد المصدر المحتمل للتركيز المفرط يتطلب من صانعي السياسات جهدا متواصلا، وتنبهاً، وعملاً في إطار سعيهم إلى حماية اقتصاداتهم من أي مخاطر غير ضرورية. وحتى عندما يعتمد صناع السياسات مقاربة أوسع نطاقا في عملية التنويع، يتجاوز القاعدة الصناعية ، يجب أن ينتهجوا مقاربة أكثر عمقاً. فلكل عنصر من عناصر التنويع الاقتصادي، طرق متعددة للتنويع نابعة من داخل المجال المعنيّ، مع احتمالات لا حد لها تقريبا للتبديل والتعديل.

على الرغم من أن أي بلد لم يحقق التنويع الاقتصادي الكامل، فإن ثمة دول وصلت في هذا المسار إلى ابعد مما وصل سواها. وتشكل أوستراليا مثالا جيدا على الدولة التي خرجت سالمة نسبيا من الأزمة الاقتصادية بفضل توازنها الاقتصادي. ولعلّ قربها الجغرافي من الصين والهند جعلها تدرك الإمكانات الموجودة في البلدين، فشرعت في إقامة تبادل تجاري مكثّف معهما ومع بلدان أخرى، وذلك قبل بداية الأزمة الاقتصادية. وكانت نتيجة ذلك أن المحفظة التجارية الأوسترالية كانت متنوّعة بما فيه الكفاية عندما اندلعت الأزمة، الأمر الذي سمح لها بتجنّب الصدمة التي يشكّلها انهيار شريك تجاري واحد.                                                                    

خلاصة

لا يُعتبر التنويع الاقتصادي الشامل سهل التطبيق لأنه يتطلّب عملية تقويم مستمرة لكل جانب من جوانب الاقتصاد الوطني. وعلى صانعي السياسات أن يكونوا حازمين في عزمهم على إبقاء هذه المخاطر تحت السيطرة، لأن التعامل السليم مع مخاطر التركيز المفرط أمر حيوي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والطويلة المدى. ويختم الدكتور مازن رمزي النجار، المدير في "بوز أند كومباني": "إن النظام الاقتصادي العالمي بالغ التعقيد ويزداد تعقيدا يوما بعد يوم. قد يكون من الصعب بدء عملية التنويع الاقتصادي الآن، لكن ذلك قد يكون مستحيلاً في المستقبل".

خلفية عامة

اشتراكات البيانات الصحفية


Signal PressWire is the world’s largest independent Middle East PR distribution service.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن