توفيت يوم أمس الفنانة اللبنانية والملقبة بالشحرورة صباح، وأشعلت وفاتها مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليق، بالإضافة إلى قيام العديد من المجطات الفضائية والإذاعات العربية بتخصيص فقرات خاصة للحديث عن مسيرتها الفنية. فمن هي صباح ماهي أبرز محطات حياتها؟!
ولدت جانيت فغالي "صباح" في 10 نوفمبر عام 1927، في وادي "شحرور" في لبنان، وهو الوادي الذي استمدت منه لقبها "الشحرورة"، واستطاعت أن تفتن العالم العربي بخفة ظلها وبجمالها الذي أخذ يزداد يوما بعد يوم لتصبح من أهم الفنانات الذين تسند لهم أدوار الحب والغرام في السينما المصرية.
بدايتها الفنية كانت في صغرها في لبنان، واستطاعت أن تميز بشهرتها المحلية، حتى استطاعت لفت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر والتي كانت تعمل في القاهرة، فأوعزت إلى وكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق معها لثلاثة أفلام دفعة واحد، وكان الاتفاق بأن تتقاضى 150 جنيهًا مصريًا عن الفيلم الأول ويرتفع السعر تدريجياً.
وصلت جانيت فغالي الى مصر برفقة والدها، وفي مقهى في شارع فؤاد الأول، ولد اسمها الفني "صباح"، أطلقه عليها الشاعر صالح جودت، لأن وجهها كان مشرقاً كنور الصباح، وتردد أن آسيا نشرت صورة لجانيت في مجلة "الصباح المصرية" طالبة إلى القراء اختيار إسم فني للوجه السينمائي الجديد، فكان إجماع على صباح.
أحضرت أسيا داغر كبار الملحنين للاستماع الى جانيت وإبداء رأيهم بصوتها، فكان إجماع على أن صوتها غير مكتمل المعالم، إلا أن المخرج هنري بركات وجدها صالحة للتمثيل السينمائي نظراً إلى خفة ظلها.
عام 1943 ظهرت صباح في "القلب له واحد" أول فيلم لها مع أنور وجدي من إخراج بركات وغنت فيه أغنيات من ألحان رياض السنباطي وزكريا أحمدا.
بعد فيلم "القلب له واحد" اتجهت صباح الى الأغاني الخفيفة التي تلحن بسرعة وتؤدى بسرعة ويسمعها الناس بسرعة وينسونها بسرعة، وسماها بعض النقاد في ذلك العهد "مطربة السندويش"، نجحت في هذا اللون واتخذته شعارها الفني .
عقب الحرب العالمية الثانية تغيّرت أفكار الناس وميولهم، وبدأت مطربة "السندويش" تجنح إلى الأفول بعد النجاح والإشراق، وكادت في مرحلة أخرى أن تدخل طي النسيان لولا أنها تداركت نفسها، فغيرت لون غنائها وأطلت بالأغاني التي لحّنها لها كمال الطويل.
هكذا انقلبت صباح بأغانيها من مطربة مرحة إلى مطربة حزينة، وكشفت قدرات صوتها، وبدأت منذ ذلك الحين تتحول إلى مطربة بعدما كانت أقرب الى المنولوجيست.
لم تعرف صباح طوال حياتها أين دفنت والدتها، فكل الذي تعرفه انها قتلت في برمانا. القصة أن شقيق صباح شاهد والدته مع عشيقها فقتلها وهرب الى إحدى دول أميركا اللاتينية.
وكانت تصف والدها بالقاسي وأضافت أنه سبّب لها عقدة نفسية دفعتها إلى الزواج أكثر من مرة لتثبت لنفسها أنها امرأة مرغوبة، بعدما دأب والدها على تذكيرها بأنها ساذجة.
لها 83 فيلما بين مصري ولبناني، و27 مسرحية لبنانية، وحوالي 4000 أغنية بين مصري ولبناني. وتعتبر ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم في أواخر الستينات تغني على مسرح الأولمبيا في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية، وذلك في منتصف سبعينيات القرن العشرين، كما وقفت على مسارح عالمية أخرى، كأرناغري في نيويورك، ودار الأوبرا في سيدني، وقصر الفنون في بلجيكا، وقاعة ألبرت هول بلندن، وكذلك على مسارح لاس فيغاس، وغيرها
ومن المسرحيات التي قدمتها من أعمال الأخوين رحباني نذكر "موسم العز" (بعلبك ــ 1960)، و"دواليب الهوا" (بعلبك ــ 1965)، و"القلعة". ومن أعمال زوجها السابق وسيم طبّارة هناك "ست الكل" (1973)، و"حلوة كثير" (1977).
آخر مسرحيّاتها كانت "كنز الأسطورة" إلى جانب جوزف عازار وزوجها السابق فادي لبنان، وكريم أبو شقرا، وورد الخال، والأمير الصغير.
اشتهرت صباح بكثرة زيجاتها، إذ وصل عدد أزواجها إلى تسعة وهم: نجيب شماس (والد ابنها الدكتور صباح شماس)، وقضت معه خمس سنوات، خالد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، قضت معه عدة أشهر وحصل الطلاق بسبب ضغط من عائلته لتطليقه منها. أنور منسي (عازف كمان مصري ووالد ابنتها هويدا)، وقضت معه أربع سنوات. أحمد فراج (مذيع مصري)، وقضت معه ثلاث سنوات. الفنان رشدي أباظة، وقضت معه خمسة أشهر. الفنان يوسف شعبان واستمر الزواج شهر واحد. النائب يوسف حمود، وقضت معه سنتين. الفنان وسيم طبارة، وقضت معه أربع سنوات. الفنان فادي لبنان، وقضت معه سبع عشرة سنة.
وقد انتشرت شائعة بعد طلاقها من فادي لبنان أنها تريد الزواج بملك جمال لبنان "عمر محيو" وكان عمره 25 سنه، وتبين إنها كانت تساعده على الدخول إلى المعترك الفني واختلقت قصة الحب والزواج وحاولت مساعدته فنيًا، وقد أنكرت هذه الإشاعه وتقول لو كنت أصغر بقليل لتزوجته.
وكانت ترى أن أغلبية أزواجها كانوا يستغلون شهرتها وثروتها لمصالحهم، وهي تقول أنهم يسمونها"«مدام بنك" لأنها تنفق المال من غير تفكير على من تحب. ومعروف عنها حبها للجمال وللأزياء وتقول أتمنى أنني إذا خسرت ثروتي لا أخسر جمالي وأناقتي.
وفي تعليق سابق لها على كون أزواجها مسلمين أحيانا ومسيحيين أحيانا، قالت صباح إنها "كانت تتزوج كل حسب دينه، زواجي بالمسلم كان يتم على الطريقة الإسلامية، وبالمسيحي على الطريقة المسيحية".
منحها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الجنسية المصرية، ولكنه عاد وسحبها منها مرة أخرى، وهي الواقعة التي روتها صباح للمؤلف أيمن سلامة، وضمها مسلسل "الشحرورة"، مؤكدة أن الرئيس أنور السادات أعاد لها الجنسية مرة أخرى.
ومن بين الأحداث التي روتها صباح على سلامة وتحدث عنها في حوار صحفي، الأزمة التي تعرضت لها عندما صدر قرار بحظر إذاعة أغانيها في الدول العربية ومقاطعتها، مرجعة السبب إلى لقاءها مع مطرب يهودي كانت تعرفه منذ الطفولة لأنه عاش في لبنان قبل أن يغادرها لإسرائيل، فقابلته صدفة وتحدثا واستعادا ذكريات الطفولة، وعندما علمت الصحف العربية بالخبر هاجمتها فصدر القرار الذي عانت منه صباح، حتى نجحت في لقاء الرئيس انور السادات والرئيس حافظ الأسد فرفع عنها الحظر.
في عام 2006 أصيبت ابنتها هويدا بأزمة صحية نتيجة إدمانها للمخدرات، مما أجبرها على بيع بيتها والإقامة في الفندق وادخال ابنتها مصحة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
وأفادت تقارير صحفية في مطلع سنة 2009 أن صحة هويدا بدأت تتحسن وبالتالي قررت إعادتها للعيش معها في لبنان.
قضت "الصبوحة" سنواتها الأخيرة في فندق "برازيليا"، ورافقتها في هذه الفترة ابنة أختها المخرجة اللبنانية كلودا عقل. وكانت عقل أوّل من نعى "الشحرورة" عبر الصفحة الفايسبوكية التي خصصتها لها منذ فترة، ونشرت عبارات تلخّص وصيّتها: "قالتلي قوليلن يحطو دبكة ويرقصوا بدي ياه يوم فرح مش يوم حزن. بدي ياهن دايماً فرحانين بوجودي وبرحيلي متل ما كنت دايماً فرّحن. وقالتلي قلكن إنّه بتحبكن كتير وإنّه ضلّوا تذكروها وحبوها دايماً".
يسجّى جثمان صباح عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الأحد المقبل في «كاتدرائية مار جرجس المارونية» (وسط بيروت)، ويحتفل بالصلاة لراحة نفسها عند الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم نفسه في مأتم شعبي، وتوراى في الثرى في مسقط رأسها في بدادون (جبل لبنان). تقبل التعازي في يوم الوداع، ويومي الاثنين والثلاثاء في الكاتدرائية المذكورة، من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وحتى السادسة مساء.