تحليل التجزئة: الطريق إلى تحسين الربحية لتجار التجزئة في الشرق الأوسط

لو حدث في الماضي أن عرف تجار التجزئة في الشرق الأوسط أوقاتا طيبة، عندما كان نمو المبيعات سريعا جدا ولا مشكلة في تحقيق الربحية، فإن هذا الأمر قد انتهى فعلاً. ذلك أن تزايد الضغوط التنافسية والآثار المتبقية من فترة الركود 2008-2009 تجبر التجار في المنطقة عامة، وسلاسل متاجر المنتجات اليومية ومتاجر التجزئة والمتاجر المتخصصة، على البحث عن طرق جديدة لتحسين أدائهم. في الواقع، تفتح مجالات أساسية جداً أهمّ الفرص: يحاول تجار التجزئة في الشرق الأوسط معرفة أي أسواق جديدة يمكن أن يدخلوا؛ وما هي أفضل المواقع لافتتاح متاجر جديدة؛ كيف يمكن توجيه فئات منتجاتهم لتحقيق أرباح أكبر؛ كيف يمكنهم تحقيق قيمة أعلى من عملائهم؛ وكيف يمكنهم التفاوض للحصول على شروط أفضل من مورّديهم.
يشكّل اعتماد تحليلات التجزئة أحد الحلول المتوافرة لتجار التجزئة في الشرق الأوسط، وهو أسلوب مستخدم في أسواق التجزئة الاكثر نضجا منذ تسعينيات القرن الماضي. وكانت تحليلات التجزئة، التي تعتبر طريقة لجعل البيانات في صلب القرارات الاستراتيجية واليومية على حد سواء، أساسية جدا في نجاح أهم شركات التجزئة في العالم. وعلى غرار نظرائهم في البلدان الأخرى، يستخدم تجار التجزئة في الشرق الأوسط بشكل متزايد تحليلات البيانات للتمكن من فهم عملائهم بشكل أفضل، وتمييز أنفسهم عن المنافسين، وتعزيز نموهم. ويقول غابريال شاهين، شريك في بوز أند كومباني: "تشير بعض مبادرات تحليلات التجزئة في المنطقة، خصوصا في ما يختص بإدارة فئات المنتجات، إلى فرص لتحقيق نمو في المبيعات يفوق 10 في المئة ومكاسب عالية محتملة على هوامش الربح – بين 1 و5 في المئة من المبيعات".
إلا أن قلةً في المنطقة حتى الآن تمكنت من الاستفادة من قدرات التحليلات. وفي حين أن معظم تجار التجزئة في الشرق الأوسط جمعوا كميات كبيرة من البيانات متوافرة في نقاط البيع واستقصاءات حول العملاء وأبحاث السوق ومصادر أخرى، فإنهم يفتقدون الأدوات والقدرات لتحليل البيانات، والخبرة اللازمة لإيجاد خطوات قابلة للتنفيذ. وإذا شاء تجار التجزئة تحقيق خصائص تميّزهم عن منافسيهم من خلال استخدام البيانات، يتوجب عليهم سدّ هذه الثغرات.
الميزة التنافسية
يعزز استخدام تحليلات التجزئة بطريقة متطورة قدرات تجار التجزئة في عدد من المجالات، بما فيها إدارة فئات المنتجات، والاستعانة بمصادر من خارج الشركة، وسلسلة التوريد، وتطوير الشبكات (وضع تصوّر علمي لأماكن إنشاء متاجر جديدة). ويؤدي تعزيز هذه القدرات عادة إلى بروز مصدرين أساسيين للحصول على ميزة تنافسية: التخطيط المتقدّم، خصوصا في ما يتعلّق في فهم وتوقّع الاتجاهات الاستهلاكية والتنافسية على المدى الطويل، وقدرة عالية على التكيّف، خصوصاً في الاستجابة للتغيرات في طلبات المستهلكين أو تكتيكات المنافسين. يقول أندريا دي غريغوريو مدير أول في بوز أند كومباني: "هناك أربعة مجالات يمكن تطبيق التخطيط والتكيّف المتقدّمَين فيها: المنتجات، تحديد الأسعار والترويج، آراء العملاء، والمواقع".
مواجهة منحنيات التعلّم
بما أن معظم تجار التجزئة في الشرق الأوسط لم يستخدموا تحليلات البيانات بطريقة منظمة ومتّسقة، من المفهوم أنهم سوف يواجهون صعوبات في تعلّمها. في المقابل، إن دخول مجال سبق لآخرين دخوله يتمتع بمميزات خاصة، فيسمح لتجار التجزئة بتفادي الأخطاء والتعلّم من النجاحات.
هناك أربعة مبادئ بالغة الأهمية يجب على تجار التجزئة في المنطقة أن يأخذوها في الاعتبار لكي يتمكنوا من اكتساب قدرة لافتة في مجال تحليلات التجزئة:
بناء القدرة حول بيانات العملاء المتوفرة
اعتماد التكنولوجيا تدريجيا وعدم الإفراط في الاتكال عليها
وضع أطر مؤسسية لاستخدام البيانات في إجراءات العمل وفي الشركة
اعتماد الرعاية التنفيذية والتحليلات في ثقافة الشركة
لدى تحديد طريقة تنفيذ تحليلات التجزئة، يجب على تجار التجزئة البدء بتحديد أولوياتهم من خلال تحديد المجال أو المجالات التي يمكن أن تستفيد منها أكثر: المنتجات، التسعير والترويج، آراء العملاء، ومواقع المتاجر. وفي الوقت نفسه، عليهم قياس التطور الحالي لقدراتهم التحليلية، بما في ذلك مصادر البيانات، النظم، والمنهجية، وبدء العمل انطلاقا من هذه النقطة. ثم عليهم اختبار هذه النظرية من خلال تطبيقها على جزء صغير من أعمالهم، من أجل تقدير القيمة التي يمكن تحقيقها. وبمجرد الموافقة على الاتجاه الاستراتيجي، سيدعم فريق المشروع تطوير القدرة التحليلية المستدامة، وسيشرف على توسيع هذه القدرات وتعميمها على أجزاء أخرى من الشركة.
يقول كارل نادر، مستشار أول في بوز أند كومباني: "من المهم أن ندرك أنه بالنسبة إلى تجار التجزئة الذين دخلوا لتوّهم هذه الرحلة، حتى الحلول البسيطة نسبيا يمكن أن تقدم نتائج ملموسة". ولكن مع تطوّر نظام عمل تجار التجزئة باتجاه سياسات أكثر تطوراً للتوقعات وإدارة المخزون، يجب عليهم تقييم كل تطوّر في التحليل على حدة وتحديد ما إذا كان الاستثمار لا يزال يحقق قيمة كافية.
في النهاية يجدر القول إنه على الرغم من وجود جانب علمي في تحليلات التجزئة، فإن قيمتها لا تكمن في مدى تطوّر تكنولوجيا معيّنة، ولكن في نتيجتها النهائية، وهي تحديداً تزويد تجار التجزئة بمزيد من المعرفة التي تتصل بعملائهم. والواقع أنه من الحكمة عند تطوير القدرات التحليلية البدء بتأنٍّ والعمل تدريجياً. ويملك تجار التجزئة في الشرق الأوسط الذين يقومون بذلك، أي الذين يحققون بعض النجاح المبكر ويبنون عليه، فرصة جعل قدراتهم التحليلية مصدرا أساسيا لاكتساب ميزة تنافسية على مدى سنوات عديدة.