النووي السعودي.. نقطة انطلاقة

تاريخ النشر: 07 ديسمبر 2011 - 11:29 GMT
 كان تصريح سمو الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي، ضمن فعاليات مؤتمر «الخليج والعالم» من الرياض، بأن المملكة العربية السعودية قد تفكر في امتلاك أسلحة نووية من أهم التصريحات التي صدرت عن المؤتمر
كان تصريح سمو الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي، ضمن فعاليات مؤتمر «الخليج والعالم» من الرياض، بأن المملكة العربية السعودية قد تفكر في امتلاك أسلحة نووية من أهم التصريحات التي صدرت عن المؤتمر

لربما كان تصريح سمو الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي، ضمن فعاليات مؤتمر «الخليج والعالم» من الرياض، بأن المملكة العربية السعودية قد تفكر في امتلاك أسلحة نووية، لربما كان أهم تصريح صدر عن المؤتمر، لما يحمله بين طياته من المعاني والإشارات البليغة، وخصوصاً أن سمو الأمير ربط بين ما قد تفكر فيه المملكة العربية السعودية وبين فشل العالم في إقناع كل من إسرائيل وإيران بالتخلي عن برامج التسلح النووي. بعد تصريحات سمو الأمير، انتشرت التعليقات في التأويل قائلة إن المملكة العربية السعودية لم تكن لتصرح بهذا لو لم تكن بالفعل قادرة على امتلاك السلاح النووي.

ولعله من المهم أن نستعرض بعض الأحداث المهمة التي شهدتها منطقة الخليج العربي في ثمانينيات القرن الماضي، حيث تذكرنا بسباق التسلح الذي حصل في منطقة الخليج إبان الحرب العراقية الإيرانية. حينما نشبت الحرب بين العراق وإيران، كان الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله قد نصح كثيراً الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بألا يتورط في حرب مع إيران، إلا أن صدام حسين كان مندفعاً ومتسرعاً، واستغل أول فرصة استفزازية لشن الحرب على إيران. ونظراً الى تصاعد الأحداث، التي كان من بينها دخول مقاتلتين إيرانيين المجال الجوي السعودي وتم إسقاطهما من قبل دفاعات المملكة العربية السعودية، أدرك الملك فهد أن الحرب العراقية الإيرانية قد تتسع، وربما تمتد إلى المنطقة بأكملها، وأنه لا سبيل لحماية المنطقة إلا من خلال الحصول على سلاح رادع.

طلب الملك فهد من الولايات المتحدة الأمريكية تزويده بصواريخ من طراز قوي، إلا أن أمريكا رفضت ذلك بحجة محادثاتها مع الاتحاد السوفيتي بشأن بيع الأسلحة. الرد الأمريكي لم يقنع الملك فهد، فذهب يبحث عن مصدر آخر يحصل من خلاله على الصواريخ. كانت الصين هي المرشحة وجهة ثانية، وقد كلف الملك فهد مبعوثه الأمير بندر بن سلطان الاتصال بالصينيين من أجل محاولة إبرام صفقة الصواريخ معهم. وكي لا يؤدي أي تواصل بين السعودية والصين إلى استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية، توجه الأمير بندر بن سلطان أولاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعرض على المسئولين فكرة قطع الطريق أمام التسلح الإيراني من خلال شراء أي أسلحة تحاول الحصول عليها من الصين، ومن ثم مساعدة العراق بهذه الأسلحة. وافق الأمريكان على هذه الفكرة التي وصفوها بـ«العظيمة» فكانت بمثابة الذريعة التي حصل عليها الأمير بندر لزيارة الصين.

هناك في الصين، جرت مباحثات صعبة جداٌّ، وانتهت بالاتفاق على الصفقة، وحصلت المملكة العربية السعودية بموجبها على خمسين قذيفة تم نقلها وتركيبها سراٌّ في قاعدة عسكرية في الصحراء السعودية. كانت واشنطن لا تزال تعتقد أن ذهاب الأمير بندر بن سلطان إلى الصين إنما كان من أجل شراء الأسلحة الصينية التي كانت إيران تنوي شراءها، إلا أنه بعد سنتين، اكتشفت الأقمار الاصطناعية الأمريكية وجود صواريخ صينية في الصحراء السعودية، ونشبت على إثر ذلك أزمة بين الرياض وواشنطن، حيث طلب الأمريكيون من السعودية السماح لمفتشيهم فحص الصواريخ، إلا أن الملك فهد رفض ذلك، وحينما حاول الأمريكيون فتح الموضوع مع الملك فهد ثانية، طلب من السفير الأمريكي مغادرة الأراضي السعودية رغم مرور 6 أشهر فقط على تعيينه. لقد كان الهوس الأمريكي بالوصول إلى الصواريخ التي امتلكتها السعودية نابعا من قدرة هذه الصواريخ على حمل رؤوس نووية، إلا أنه مع مضي بعض الوقت، دخل الموضوع شيئاً فشيئاً في طي النسيان، كما أثبتت السياسة السعودية أنها قادرة بحكمتها مقارعة أقوى سياسات العالم.

من هذه النقطة، يحاول الكثيرون أن يستنتجوا اليوم، أن المملكة العربية السعودية قد تمكنت منذ الثمانينيات من الحصول على أسلحة رادعة، غير أن كل هذه الاستنتاجات تظل مبنية على تنبؤات لا علاقة لها بأرض الواقع، ويظل تصريح سمو الأمير تركي الفيصل بشأن تفكير السعودية في امتلاك أسلحة نووية، هو الموقف الأهم اليوم، الذي قد يشكل نقطة انطلاقة سعودية خليجية في التصدي الجاد للأخطار التي تتهدد منطقة الخليج العربي.