بين عامي 1970 و 1990، حصل أكثر من مليار شخص في العالم على الكهرباء، نصفهم في الصين و بين عامي 1990 و 2008، حصل ما يقرب من ملياري شخص في العالم على الكهرباء، من بين البلدان التي حققت نجاحا كبيرا في إيصال الكهرباء إلى المناطق الريفية في هذه الفترة هي الصين وفيتنام وتايلاند و سريلانكا و جنوب إفريقيا، والبرازيل، بصورة رئيسة من خلال مشاريع واسعة النطاق لمد شبكات الضغط الفائق.
على الرغم من المكاسب الهائلة التي تحققت في العالم في الحصول على الكهرباء خلال العقود الماضية، لكن على الحكومات والمنظمات التنموية مواصلة الجهود والاستثمار في مجال إيصال الكهرباء للجميع لتحسين الظروف الصحية والبيئية، وسبل العيش.
إن أحدث الإحصائيات المتعلقة بفقر الطاقة العالمي لا تزال مقلقة للغاية؛ وفقا للأمم المتحدة، لا يزال هناك نحو 1.4 مليار شخص في العالم لا يحصلون على مصادر طاقة حديثة، أي أن نحو واحد من بين خمسة أشخاص على كوكب الأرض لا يستطيع الحصول على الكهرباء، وضعف هذا العدد، أي ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص على الأرض، يستخدمون الخشب والفحم أو مخلفات الحيوانات لطهي الطعام وتدفئة المنازل، ما يعرضهم وعائلاتهم للأدخنة والأبخرة الضارة. إن تحسين سبل الحصول على الطاقة أمر مهم وحيوي، لكن توفير التمويل وتسهيل تنفيذ السياسات المناسبة لزيادة فرص الحصول عليها من قبل الجميع يمثل تحديا كبيرا. إن مصادر الطاقة الحديثة توفر للناس الإضاءة، التدفئة والتبريد، الطهي، ضخ المياه، وغيرها من الخدمات التي لا غنى عنها من أجل التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية. إن عدم إمكانية حصول الجميع على مصادر الطاقة الموثوق بها وبتكلفة معقولة يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف الثمانية الإنمائية للألفية.
يعمل اليوم عديد من الحكومات والوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية والشركات بصورة أكبر من أي وقت مضى للتغلب على الفقر في مجال الطاقة، مع التركيز بوجه خاص على استخدام مصادر الطاقة المتاحة محليا. وفقا للأمم المتحدة، اعتمدت 68 حكومة من حكومات البلدان النامية أهدافا رسمية لتحسين فرص الحصول على الكهرباء؛ 17 دولة لديها أهداف لتوفير الوصول إلى أنواع الوقود الحديثة، و11 بلدا لديها أهداف لتوفير مواقد الطبخ المحسنة. في جانب فقر الطاقة والتنمية المستدامة أقر ملوك ورؤساء بلدان منظمة أوبك في قمتهم الثالثة في الرياض في عام 2007 بأن الطاقة ضرورية للقضاء على الفقر، التنمية المستدامة وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وأقروا أيضا بضرورة المساهمة بجميع الجهود العالمية الرامية إلى سد فجوة التنمية، وجعل الطاقة متاحة لفقراء العالم، وفي الوقت نفسه حماية البيئة. من الهيئات الدولية التي تعنى بالقضاء على فقر الطاقة إضافة إلى مهامها الأخرى، هو صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، حيث يأتي موضوع فقر الطاقة أيضا في صميم رسالته، حيث يشير الأستاذ سليمان الحربش مدير عام الصندوق، بأن جميع نوافذ الصندوق المالية تساهم في تخفيض فقر الطاقة، من خلال تطوير مجموعة واسعة من الأدوات والآليات التي تراوح بين تقديم الهبات والاستثمار حسب آليات السوق لدعم الدول الفقيرة، حيث أنفق الصندوق حتى الآن ما مجموعه 13 مليار دولار للقضاء على فقر الطاقة.
في هذا الصدد يشير مدير عام الصندوق إلى أن هذا التوجه يأتي تماشيا مع مهمة الصندوق التي أسندت إليه من قبل ملوك ورؤساء البلدان الأعضاء في قمة أوبك الثالثة التي أكدتها مبادرة ''الطاقة من أجل الفقراء'' التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال مؤتمر الطاقة الطارئ في جدة في عام 2008 بغية مساعدة البلدان النامية في مواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة، داعياً فيها البنك الدولي لتنظيم مؤتمر للمانحين للنظر في هذا الموضوع. تقديرا لأهمية الطاقة من أجل التنمية المستدامة، عينت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 65/151، عام 2012، السنة الدولية للطاقة المستدامة للجميع.
في افتتاح القمة العالمية لطاقة المستقبل في أبو ظبي، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة قادة الحكومات والشركات والمجتمع المدني تقديم التزامات لدعم مبادرة ''الطاقة المستدامة للجميع'' وهدفها الأول ضمان حصول جميع سكان العالم على طاقة عصرية بحلول سنة 2030. وتمثل السنة الدولية للطاقة المستدامة فرصة ثمينة للجميع لزيادة الوعي بأهمية الحصول المستدام والمتزايد على الطاقة، والوعي بكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة على الصعد المحلية والوطنية والإقليمية والدولية. إن السنة الدولية للطاقة المستدامة للجميع، تسلط الضوء على واقع خطير في حصول الجميع على الطاقة في عالم اليوم.
لسوء الحظ، عدة مليارات من الناس لا يزالون يعيشون اليوم من دون كهرباء ومن دون تقنيات حديثة في الطهي، إذا لم يتم زيادة التمويل إلى حد كبير وتضافر الجهود الدولية والإقليمية لهذا الغرض، فإن هذا الوضع لن يتحسن في المستقبل. على المجتمع الدولي تكثيف الجهود واتخاذ خطوات فاعلة وعملية في هذا الجانب وتوفير الدعم السياسي والمالي للقضاء على فقر الطاقة.
من الأمور المهمة المطلوب مراعاتها في التنفيذ، اعتماد النماذج الناجحة وتطويرها وتعميمها آخذين في نظر الاعتبار جميع أنواع الطاقة حسب طبيعة وموقع المنطقة بحيث تعتمد على مصادر الوقود الأحفوري بأشكاله المتعددة، إضافة إلى مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وباستخدام يتسم بالكفاءة والترشيد. ومن المفيد أيضا جمع المانحين تحت مظلة واحدة لتعزيز وتوحيد الجهود وعدم بعثرتها، حيث إن للجهد الجمعي الأثر الأكبر في إنجاح المهمة والوصول إلى الأهداف المعلنة.
إن الحصول على الطاقة ليست مسألة تقنية فقط، حيث إن في كثير من الأحيان الحصول على التكنولوجيا متاح بالفعل، لكن القضاء على فقر الطاقة هو أكثر من ذلك حيث يتطلب أيضا الحصول على الاستثمار الكافي والإرادة السياسية على المستويين العالمي والوطني لتسريع التقدم في أجندة الحصول على الطاقة. مطلوب الآن الانتقال من المؤتمرات والندوات الخطابية إلى ورش العمل التخطيطية والتنفيذية. في المقال القادم سيتم التطرق إلى حجم الاستثمار المطلوب، المناطق الأكثر فقرا للطاقة في العالم وبعض الأساليب العملية المتاحة لتزويد المجمعات السكنية الصغيرة والنائية بالطاقة.