زيارة المفتي للقدس: الفلول في الأقصى

تاريخ النشر: 20 أبريل 2012 - 09:48 GMT
علي جمعة مفتي الديار المصرية
علي جمعة مفتي الديار المصرية

لو لم يكن من الفلول الذين يستعدون للخروج من الدولة المصرية ومؤسساتها السياسية والعسكرية والدينية، لجاز القول ان مفتي مصر الشيخ علي جمعة افتتح في زيارته المفاجئة الى القدس المحتلة مساراً مصرياً وعربياً جديداً وأطلق موجة من الزيارات الرسمية والشعبية الى المدينة المقدسة التي يكاد العدو الاسرائيلي يخرجها من جدول أعمال التفاوض على تسوية القضية الفلسطينية.
لكن الرجل موظف موروث من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي لم يزر القدس خوفاً من أن يتعرّض للاغتيال على منصة ما، لكنه لم يكن يقيم وزناً خاصاً لفلسطين ولا كان يهتم لمصير شعبها، وهو ما حط بالفلسطينيين الى الدرك الأسفل منذ ان أخرجوا من بيروت في العام ١٩٨٢، وتوجهوا منها الى القاهرة التي لم توفر لهم يوماً الغطاء الكافي أو الحامي من الغدر الاسرائيلي.
ينتمي المفتي جمعة الى هذه الثقافة المصرية السياسية التي أطاحتها الثورة بعدما صنفتها في فئة العار الوطني والخيانة الكبرى، لا للقضية الفلسطينية بل أساسا لموقع مصر العربي ودورها العالمي.. وفتحت نقاشاً لا يزال في بداياته الاولى حول تلك القضية، وحول العلاقة مع اسرائيل، لم تستبعد منه فكرة مراجعة معاهدة كامب ديفيد، ولم تستثن منه فرصة فتح جبهة سيناء يوماً ما، ووقف تصدير الغاز المصري الى اسرائيل المتوقف أصلا نتيجة أكثر من ١٤ تفجيراً متتالياً لأنبوب الغاز، لا يمكن أن يفسر فقط بالخلاف حول الأسعار المتهاودة.
تندرج الزيارة في سياق جدل فتح في الوسط الديني والسياسي العربي قبل أشهر حول جواز زيارة القدس المحتلة، وهو جدل دفعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى حده الأقصى عندما «أفتى» في خطابه أمام القمة العربية الاخيرة في بغداد الشهر الماضي بضرورة سفر المسلمين الى المدينة المقدسة، برغم قوله في فتواه يومها ان حملة تهويدها بلغت مراحل خطيرة تهدد هويتها ومعالمها.
انضمام مفتي مصر الى هذا الجدل لا يكسبه زخماً قوياً، لان الشيخ جمعة يلتحق بنفر قليل من الشيوخ الذين أباحوا حتى الآن القيام بتلك الزيارة، لكنهم جوبهوا بموقف غالبية ساحقة من رجال الدين الذين اعترضوا اعتراضاً حاسماً على هذه الخطوة التي يبدو أن بعض السلطة الفلسطينية والأردنية يعمل على تنظيمها، وتوفير الظروف المناسبة لرحلاتها باعتبارها حجاً دينياً الى المدينة المقدسة.
كان يخشى أن يتساقط رجال الدين الاسلامي على طرقات القدس، وأن يثبتوا التهمة الموجهة اليهم بأنهم متواطئون مع أميركا ومتساهلون مع إسرائيليين ولا مبالين بالقضية الفلسطينية، وملتزمون بكونهم مجرد مشايخ الحكام ومفتيهم ومفسري أحلامهم ومبرري أفعالهم: تبين الآن أن الثورات العربية أعادت اليهم بعض حصانتهم، وجعلتهم ينسجمون مع الشارع الذي لن يتسامح مع مفتي ساذج عبر الحواجز الاسرائيلية لكي يؤدي في المسجد الأقصى صلاة يُحرم منها مشايخ فلسطين وكبار علمائها.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن