يعتزم الرئيس السوري بشار الأسد والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بذل جهود مشتركة لتهدئة عاصفة في لبنان بشأن اتهامات مزعومة لمحكمة تدعمها الأمم المتحدة بأن أعضاء بحزب الله تورطوا في اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام 2005 .
والزيارة التي لم يسبق لها مثيل التي يقوم بها العاهل السعودي والرئيس السوري يوم الجمعة لبيروت تبعث بإشارة قوية تهدف إلى احتواء التوترات بين حزب الله والفصائل التي تدعم رئيس الوزراء سعد الحريري ابن رئيس الوزراء السني الراحل.
وتعد المبادرة السعودية السورية تغيرا حادا عما كان عليه الوضع قبل خمسة أعوام حين انضمت الرياض الى الولايات المتحدة وفرنسا في موجة تنديد دولية لاغتيال الحريري مما اضطر الأسد إلى سحب القوات السورية من لبنان.
وربما تكون سوريا قد حصلت الآن على مباركة السعودية لتلعب دورا اكبر في لبنان الذي استعادت جانبا كبيرا من نفوذها به ويرجع الفضل في هذا ضمن أسباب اخرى إلى النفوذ العسكري والسياسي لحزب الله الذي تربطه بدمشق علاقات وثيقة.
وكان التقارب بين السوريين والسعوديين قد ساعد في إعادة الاستقرار للبنان بعد أن سيطر مسلحون من حزب الله على العاصمة بيروت لفترة وجيزة في ايار / مايو عام 2008 . وتواجه سوريا والسعودية الآن مهمة حساسة لنزع فتيل خلاف بشأن المحكمة أصاب البلاد بحالة من الارتباك.
وقال بول سالم مدير برنامج كارنيغي بالشرق الأوسط في بيروت ان لبنان يتجه صوب "شلل للحكومة وأزمة... هذا جزء من شيء مهم جدا وخطير للغاية."
وفي الشهر الحالي أعلن حسن نصر الله زعيم حزب الله المختبيء منذ حرب عام 2006 تحسبا لمحاولة اغتياله على يد إسرائيل أن الحريري أبلغه بأن المحكمة تعتزم توجيه اتهامات لأعضاء "مارقين" بحزب الله في حادث اغتيال والده وليس المسؤولين السوريين الذين كانوا في البداية المشتبه بهم الرئيسيين.
وتنفي سوريا وحزب الله أي يد لهما في اغتيال الحريري او في جرائم القتل التي أعقبته واستهدفت شخصيات مناهضة لسوريا في لبنان.
واستبق نصر الله توجيه اي اتهام لرجاله بمحاولة تشويه صورة المحكمة بوصفها "مشروعا اسرائيليا" وحث السلطات اللبنانية على رفض أي إجراء تتخذه ضد حزب الله. وحزب الله شريك مهم في حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية.
ويضع هذا الحريري أمام معضلة محتملة فاما أن يتحدى المحكمة أو يدافع عنها ويجازف بإغضاب حزب الله أقوى كيان سياسي وعسكري في لبنان.
ومن السهل على نصر الله وحلفائه إسقاط حكومة الوحدة الوطنية. ولا يمكن تشكيل حكومة جديدة دون موافقتهم. وقد ينزلق لبنان الى أزمة سياسية مطولة.
وحتى الان لم توجه المحكمة ومقرها لاهاي اي اتهامات وقالت فاطمة عيساوي المتحدثة باسمها لرويترز يوم الخميس انه "لن يكون مفيدا" أن تزيد من التكهنات بشأن متى سيصدر ممثل الادعاء دانيل بيلمار اي اتهامات.
وقد يتوقف حجم اي اضطرابات سياسية في لبنان على مدى قوة الاتهامات التي يمكن أن توجهها المحكمة لاي من المشتبه بهم في قضية الحريري شديدة التعقيد.
وربما يكون مستقبل المحكمة نفسه محل شك اذا أوقف لبنان بتوصية من حزب الله تعاونه وتمويله للمحكمة.
وسعى الحريري الى تهدئة التوتر لكن أنصاره يقولون انه لا يمكن أن يستسلم لمطالب نصر الله.
وقال نهاد المشنوق عضو الكتلة البرلمانية التي يتزعمها الحريري "له حرية أن يقول ما يعتقد لكن هذا لا يعني أن على الاخرين الاتفاق معه" معبرا عن ثقته في أن سوريا والسعودية معا ستضمنان الاستقرار في لبنان.
وتصالح الحريري الحليف الوثيق للسعودية مع الاسد وأقام علاقات ودية معه فيما يبدو على مدى أربع زيارات لدمشق منذ كانون الأول / ديسمبر. وكان الحريري قد أنحى باللائمة في البداية على سوريا في اغتيال والده.
وكرئيس للوزراء لم يكن امام الحريري خيارات تذكر سوى التخلي عن نداءاته السابقة بنزع سلاح حزب الله وتحسين العلاقات مع سوريا وهي تخرج من عزلتها التي فرضها عليها الغرب.
وقال سالم مدير برنامج كارنيغي بالشرق الأوسط إن من الجيد أن تسارع القوى الإقليمية مثل سوريا والسعودية وتركيا وقطر لتجنب أي أزمة.
ومن المقرر أن يصل أمير قطر حمد بن خليفة ال ثاني إلى بيروت اليوم.
وأضاف "اللاعب الغائب اقليميا هو ايران الداعم الرئيسي لحزب الله... من المحتمل أن يطلب من سوريا التحدث مع إيران وحزب الله للمساعدة في العامل مع الوضع."
وليست لدى اي جماعة في لبنان رغبة في مواجهة حزب الله بعد التجربة المريرة التي شهدتها البلاد في أيار / مايو 2008 .
لكن إذا اتهمت المحكمة أعضاء بحزب الله بالضلوع في اغتيال الحريري فقد يشعل هذا التوترات مجددا بين السنة والشيعة في لبنان علاوة على ذلك يمكن أن يتسبب في أعمال انتقامية طائشة.
وقال سالم "قد تخرج دائرة العنف والانفعال عن نطاق السيطرة ... هذا هو ما يقلق الحريري والسعوديين وحزب الله. حزب الله لا يريد ان يكون مضطرا إلى التعامل مع هذا."
وأكثر ما يشغل حزب الله هو احتمال نشوب حرب أخرى مع إسرائيل ربما تتورط فيها إيران الحليفة الرئيسية للحزب الشيعي والتي تعتبرها الدولة اليهودية مصدر تهديد نوويا محتملا.