أنظمة الأمان الإلكتروني الرخيصة تهدد قطاع الأعمال في دول الخليج العربي

تاريخ النشر: 12 فبراير 2012 - 04:22 GMT
خسرت الإمارات في الأعوام الخمسة الماضية نحو مليار درهم (280 مليون دولار) في عمليات قرصنة إلكترونية
خسرت الإمارات في الأعوام الخمسة الماضية نحو مليار درهم (280 مليون دولار) في عمليات قرصنة إلكترونية

حذر خبراء وعاملون، في قطاع أمن المعلومات الإلكتروني، من تأثيرات انتشار بعض البرامج والتطبيقات الأمنية الرخيصة في الأسواق على قطاع الأعمال في الدولة، لافتين إلى أن هذه الأنواع من الشركات التي تروّج تلك المنتجات تضر بالحركة الاقتصادية أكثر مما تنفع، حيث يعتمدون بشكل رئيس على «حرق أسعار» منتجاتهم في محاولة لرفع حصصهم في السوق المحلي، بينما قد تحتوي هذه البرامج على ثغرات يتسلل من خلالها القراصنة الإلكترونيون إلى بيانات الشركات والعملاء. وأفاد مسؤولون في شركات كبرى، لتوفير الأنظمة الأمنية الإلكترونية، بأن كثيراً من المؤسسات الصغيرة العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، مازالت غير مدركة لحجم الضرر المترتب على محاولات اختراق شبكاتها الداخلية، وما قد يسفر عنه ذلك من تأثيرات سلبية تهدد مستقبلها كلياً، كما تضر بحصص وأنصبة الشركاء فيها، أو ببيانات العملاء العاديين لديها.

ووفق تقديرات غير رسمية، فقد بلغ عدد الشركات الصغيرة المعنية بتوفير حلول تكنولوجية وأنظمة برمجة وحماية وصيانة وبيع وشراء ما يناهز 11 ألف شركة بنهاية العام الماضي، بزيادة قدرها 10 بالمئة عن العام الذي سبقه، ما يعكس صورة جدية للمخاطر التي من الممكن أن تتسبب فيها هذه الشركات الآخذة في النمو في الأسواق المحلية.

مكاسب شخصية

وقال المهندس محمد عبد المنعم، خبير الأنظمة الأمنية لدى شركة «الحلول المتقدمة»، «إن هذه الشركات الصغيرة تبالغ في طرح برامج حماية للشبكات والأنظمة الإلكترونية ولقواعد بيانات العملاء أحياناً، فضلاً عما ترفده تلك الشركات من منتجات الحماية من الفيروسات رخيصة الثمن، بينما لا تعنيها الأضرار التي قد تلحق بقاعدة عريضة من العملاء بقدر ما يعنيها تحقيق مكاسب شخصية». وأشار إلى أن المتابع لأوضاع بعض الشركات الصغيرة المنتجة لبرامج الأمن والحماية «أنتي فيروس»، يجد أنها غالباً ما تبدأ عمليات التسويق لمنتجاتها بعروض خاصة وأسعار متدنية، حتى تلاقي القدرة الشرائية لبعض المستهلكين، بينما يفاجأ هؤلاء المستهلكون في العام التالي بارتفاع أسعار المنتج بنسبة تتراوح بين 50 و75 بالمئة من سعر بيعه الأصلي في السابق، ما يضع هذه الفئة أمام خيارين، إما الرضوخ للأسعار الجديدة للشركات، أو الاستغناء كلياً عن برنامج الحماية، واستبداله ببرنامج آخر.

وزاد عدد الشركات الصغيرة العاملة في توريد وتسويق أنظمة الحماية الإلكترونية وأعمال الصيانة والتوزيع في الإمارات بنحو 10 بالمئة نهاية العام الماضي، من 10 إلى 11 ألف شركة ومؤسسة، حسب تقديرات خبراء وعاملين في قطاع التكنولوجيا، مستندين في ذلك إلى إحصاءات وأرقام وبيانات صادرة عن غرف التجارة والصناعة على مستوى الدولة في هذا الشأن، ويأتي ذلك في وقت تحتل فيه كل من الإمارات والسعودية المرتبة الأولى بين الدول الأكثر استهدافاً من قبل القراصنة الإلكترونيين، ولصوص الإنترنت، ومروجي البرمجيات الخبيثة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأن هاتين الدولتين الأكثر تقدماً في القطاع التكنولوجي، إضافة إلى ما تمتلكانه من بنية تحتية متطورة في هذا القطاع، واحتوائهما على فروع لشركات عالمية كبرى.

وفي وقت تشهد فيه دول الخليج طفرة استثمارية وتنموية، لا يمكن للشركات أن تستغني عن استيراد أنظمة الأمن الإلكتروني لمعاملاتها على شبكة الإنترنت، والتي أخذت معظم الدوائر والشركات الحكومية والخاصة بالتوسع في الاعتماد عليها أخيراً، فيما لم يعد لدى شركات التكنولوجيا الصغيرة قدرة على مجاراة بعض التحديات التي تواجه مسيرة نمو أعمالها عندما تصطدم بمثل هذه المعوقات التقنية.

استهانة بالقرصنة

إلى ذلك، قال المهندس حسام الدين يوسف، خبير تقنية المعلومات، «إن ثمة تحذيرات كثيرة أطلقها البعض مؤخراً، تختص بالاستهانة بقدرة القراصنة الإلكترونيين على التحول والتبدل لمواكبة عمليات الحماية الإلكترونية للبيانات والمعلومات، في الوقت الذي مازال فيه كثير من الشركات والهيئات يعتقدون أنهم في مأمن من عمليات الاختراق والقرصنة، بينما نستطيع أن نؤكد أن وجود مثل هذه الشركات الصغيرة المورّدة للحلول الأمنية من شأنه تسهيل عمل القراصنة وعمليات الاختراق». وأوضح أن تزايد أعداد هذه الشركات التي يعتمد عليها كمقاول باطن لتوريد حلول تقنية لحماية البيانات والمعلومات أمر يؤثر سلباً في الأداء الوظيفي والدور التنموي للجهات التي تعتمد على خدماتها، أو ربما يؤدي إلى تلويث سمعة هذه الجهات، لاسيما عند تعرضها للاختراق من قبل القراصنة، الأمر الذي يهدد مستقبل واستمرارية عملها الخدمي، أو حتى التجاري في المجتمع.

وأشار يوسف إلى أن الشركات الصغيرة المورّدة للحلول الأمنية لا تستطيع الحيلولة دون حماية البيانات والمعاملات الخاصة بعملاء شركات أخرى وقّعت بالفعل تعاقدات معها لتوريد بعض البرامج، بينما تضطر تحت ضغوط حرق الأسعار إلى أن تورّد تقنيات رخيصة الثمن وقد تكون غير أصلية، ما يتسبب في أضرار مباشرة لمصلحة عملائها، في حين تؤدي الزيادة في عدد هذه الشركات إلى عدم قدرة الجهات الرقابية على السيطرة عليها بشكل أو بآخر، أو الوصول إلى حلول جذرية لتقنين عملها.

وكانت دراسة استطلاعية موسعة نشرت نتائجها أخيراً، رأت أن عدم توافر المهارات الكافية داخلياً وعلى صعيد منظومة الشركاء، يشكل أكبر تحدٍ يواجه كبار مديري تقنية المعلومات في الشركات العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بازدياد قيمة الاستثمارات في حلول أمن وتخزين المعلومات، حيث إن الإنفاق على حلول أمن التقنية في بلدان مجلس التعاون الخليجي مازال قوياً، إذ رصدت الدراسة زيادة لافتة في الميزانية المخصصة للتقنية مقارنة بالعام 2009، فيما بدا من تعليقات المشاركين أن المشاريع الحاسمة التي تستلزم إنفاقاً منخفضاً، وتنطوي على مخاطر متدنية هي دون غيرها، التي ستمضي قُدماً في العام 2010.

مشاريع صغيرة

من جهة أخرى، اعتبر جوني كرم، المدير الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة «سيمانتك» لحلول أمن المعلومات، أن بعض الشركات الكبرى التي تطور حلول وأنظمة حماية إلكترونية بدأت تتجه نحو التوسع في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أبرزها شركة «سيمانتك» التي خصصت حزمة من الحلول الموجهة خصيصاً لهذه الفئة في قطاع الأعمال، على اعتبار أن هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة تعتمد على تقنيات رخيصة، أو ربما تهمل تحصين أنظمتها الإلكترونية. وأوضح أن نسبة تصل إلى 60 بالمئة من حلول وتقنيات حماية البيانات التي تنفذها شركته أصبحت موجهة إلى الشركات المتوسطة والصغيرة في الإمارات والمنطقة ككل، فيما طرحت الشركة حلولاً تقنية إضافية أو ربما بديلة لمكافحة القرصنة والسطو الإلكتروني، وتأمين دورة البيانات لدى هذه المؤسسات بأسعار منخفضة مقارنة بأسعار بعض المنتجات المنتشرة في الأسواق، وهي حلول لهذه الشركات تتناسب مع ملاءتها المالية المنخفضة.

وتتجه شركات كثيرة إلى تخزين المعلومات ذات العلاقة بالمصارف والبنوك مثلاً، والتي تتطلب حمايتها على الأغلب عبر وسائل تقنية معينة، مثل منع إمكانية طباعة هذه الملفات أو نسخها على أسطوانات مدمجة أو أقراص، وذلك لمراعاة الخصوصية والسرية في المكاتبات والمراسلات الداخلية والوثائق، وهو ما يحتاج إلى تأمين دقيق.

خسائر

وخسرت الإمارات في الأعوام الخمسة الماضية نحو مليار درهم (280 مليون دولار) في عمليات قرصنة إلكترونية، حسب تقديرات شركة «آز تك - الشرق الأوسط» للاستشارات التكنولوجية، ومقرها دبي، بينما خسرت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة 3 مليارات دولار خلال الفترة نفسها.

ورصدت جمعية منتجي برامج الكمبيوتر التجارية، زيادة في قيمة الخسائر التي لحقت بالشركات والأفراد بسبب عمليات القرصنة، حيث زادت في العام قبل الماضي بنحو 8 مليارات دولار، لتصل إلى نحو 48 مليار دولار، وعزت أسباب الزيادة إلى النمو السريع لقطاع تكنولوجيا المعلومات في الدول التي تشهد ضعفاً في تنفيذ قوانين حقوق التأليف، وتوسعاً في استخدام الإنترنت.