"كارنيجي ميلون في قطر" تتقصى اللهجات القطرية لرسم خريطة تفاعلية تحفظها للأجيال القادمة

تختزن اللغة تاريخ الشعوب، فهي أساس كل مجتمع بشري وتطور حضاري، لأن وجودها يعني التفاعل مع الآخر، ونقل الثقافات، والإسهام في بناء المجتمع الإنساني.
ولأن اللغة هي لسان المجتمع، وناقلة لحيويته، فإنها تخضع أيضاً لتغيرات وتبدلات تستمدها من الاختلاط بين مختلف مكونات المجتمع. "نحن نعمل على استكشاف وتحليل وضع اللهجات الفعلي في قطر. فعلى الرغم من أن لدينا العديد من الأهداف، إلا أن هدفنا الرئيسي هو إضافة قاعدة المعرفة باللهجة والتراث والثقافة والهوية القطرية"، حسبما تقول زينب إبراهيم، أستاذ الدراسات العربية والباحث الرئيسي في مشروع "وضع خريطة لغوية تفاعلية للهجة القطرية"، الذي يموّله برنامج أبحاث الأولويات الوطنية للبحث العلمي التابع للصندوق القطري لرعاية البحث العلمي.
في إطار المشروع، يعمل فريق بحثي من جامعة كارنيجي ميلون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، لتتبع الاختلافات الاجتماعية والجغرافية للهجة القطرية على مدى أجيال، وإنشاء أداة رقمية لاستكشاف النطق والاستخدام والتعبيرات. ومن بين الباحثين الرئيسيين المشاركين في المشروع كل من هدى بوعمور، الأستاذ المساعد في أنظمة المعلومات بجامعة كارنيجي ميلون في قطر، وعائشة سلطان من معهد الدوحة الدولي للأسرة، وهاني عبد الرحيم من جامعة جورجتاون في قطر.
أهمية هذا المشروع، تكمن، بحسب إبراهيم، في مساعدته بالحفاظ على تعلم اللغة العربية، وتعزيزها في قطر. وتقول: "أعيش في قطر منذ فترة طويلة، ولاحظت أنه لا توجد مراجع للهجة المحلية التي شهدت تغيراً على مدار السنين. كما أنه يوجد الكثير من الأشخاص الذين يأتون ويعملون هنا، ويرغبون بتعلّم اللهجة القطرية، ولكن لا يوجد أي مرجع لذلك، كما لا يوجد كتاب مدرسي بهذا الشأن. لذلك، يمكن الاستفادة من نتائج هذا الجهد البحثي في تطوير مناهج دراسية، تساعد الطلاب القطريين على تعلّم اللغة العربية الفصحى".
أما هدى بوعمور، الأستاذ المساعد في أنظمة المعلومات بجامعة كارنيجي ميلون في قطر، فتتطرق إلى المشروع من منظور "علم اللغة الحاسوبي"، فتقول: "إذا راقبنا كيف يكتب الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، تجد أنهم إما يستخدمون الإنجليزية أو اللهجة القطرية. لذا بات من المهم إنشاء مرجعيات للموارد اللغوية المستخدمة. فاللهجات تختلف من دولة إلى أخرى حتى ضمن الخليج العربي، فاللهجة الإماراتية تختلف عن الكويتية مثلاً. لذلك يجب علينا البحث فعلياً ما إذا كانت لهجة ما هي "خليجية" عامة أم أنها لهجة خاصة بدولة دون أخرى؟".
وتضيف بوعمور بالقول: "نلاحظ أن الكثير من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً مثلاً، يستخدمون تعابير لغوية مختلفة عن تلك التي يستخدمها الشباب في العشرينيات. لذلك، يجب علينا تتبع هذه التغيرات، ووضع خريطة مرجعية لذلك".
أبرز تحديات المشروع
ضمن الجهود المبذولة لوضع خريطة لغوية تفاعلية للهجة القطرية، يعمل الفريق البحثي على جمع البيانات من المتحدثين الأصليين، لجمع المفردات اللغوية بصيغتها الأساسية. إذ يقوم المشروع، الذي يشارك فيه باحثون قطريون، على إجراء جميع مقابلات مع قطريين، وإنشاء قاعدة قياسية مكتوبة للمصطلحات باللهجة القطرية، ورقمنة هذه المعلومات للتمكن من استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي في تحليلهم.
ويشرح حامد القحطاني، وهو باحث قطري مساعد من جامعة كارنيجي ميلون في قطر، يشارك كباحث ميداني في قسم اللهجة البدوية في قطر، طبيعة الجهد الذي يبذله الفريق البحثي بالقول: "ضمن عملنا، يتوجب علينا إجراء مقابلات مسجلة مع عدد معين من الأشخاص من مختلف الأعمار، نتطرق خلالها إلى 5 مواضيع محددة، تتصل بالتراث والعادات القديمة، وما شهدته من تغيّر بين القديم والجديد، إلى جانب طبيعة العمل قديماً، والفرق بين الأمس واليوم. كما نسألهم عن رأيهم عن قضايا معاصرة، مثل موضوع إقامة بطولة كأس العالم في قطر، وما إذا كانوا متحمسين لها، وغيرها من المواضيع المتصلة بحياتهم اليومية.
ولكن هذا الجهد دونه صعوبات، أبرزها اكتساب ثقة الأشخاص للحديث بعفوية وتلقائية، حسبما تؤكد دلما الهاجري، التي تشارك كباحثة مساعدة، إذ تقول: "من الصعوبات التي واجهتها أن العينة المطلوب مقابلتها لم تظهر القبول المتوقع. فالبعض وجد نفسه غير مهتم بالموضوع، أو أنهم لم يرغبوا بتسجيل الحديث، خوفاً على خصوصية المعلومات رغم تأكيدنا على استخدامها لأغراض البحث حصراً".
وعن أكثر المواضيع التي أظهر المشاركون حماسة في الحديث عنها فكانت، بحسب ملاحظة القحطاني: "بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر وحماسهم تجاهها بالنسبة للشباب، أما عند الكبار فكانوا متحمسين للحديث عن التراث القطري، والأشغال والعادات القديمة".
التحدي الآخر الذي يشير إليه القحطاني فيكمن في التداخل بين المناطق، "فمن ضمن متطلبات عملنا أن نسجل المنطقة التي أجرينا فيها المقابلة. لكن التداخل بات في عموم الدولة من ناحية السكن والنسب. سابقا كان البدو يعيشون في مناطق غير مناطق الحضر، لكن الناس اليوم باتوا متداخلين في عموم قطر، وهوما يضع هذا المشروع الهام أمام تحدّ حقيقي".
من جهتها، تعتبر الهاجري أن هذا المشروع سيقدم للناس فهماً أفضل حول لهجاتهم المحلية، وتقول: "هذا البحث سيضع اللهجة القطرية في إطار ذهبي لامع يحفظها من شوائب كثيرة نراها اليوم. فقد تلمست، خلال عملي البحثي، أن البعض باتوا يميلون إلى إنكار لهجتهم البدوية الأصيلة، واستخدام مصطلحات حضرية كنوع من "الكشخة".
اختلافات البدو والحضر
في ملاحظة أولية عن النتائج المستخلصة من المقابلات التي أنجزها الباحثون، تشير الأستاذة زينب إبراهيم إلى الفروق بين الأجيال المتعاقبة، وأيضاً بين أهل البدو والحضر، إلى جانب الفروقات بين الذكور والإناث. "ولكن هناك دائماً ميزة استخدام اللغة العربية الفصحى الحديثة، وهي ميزة قد تكون مفيدة بالنسبة للمعلّمين لمعرفة كيف يمكنهم جعل الطلاب يتغلبون على بعض الأخطاء اللغوية الشائعة. كما يمكن أن تساعد، مثلاً، في وضع كتاب مختص باللهجة القطرية تحديداً".
وتقول هدى بوعمور: "من منظور حسابي، يعتبر هذا مصدر رائع قابل للاستخدام لإنشاء أدوات مختلفة تعالج اللهجة القطرية بشكل تلقائي، انطلاقاً من بناء الخريطة اللغوية لدولة قطر. كما يمكننا، مثلاً، أن نضع رسماً بيانياً يُظهر لنا أين تظهر كلمات محددة بشكل أكبر، حسب المناطق، وهذا أحد أهداف هذا المشروع. ولكن بعد ذلك من منظور التعلم الآلي للغة البرمجة اللغوية العصبية، يمكننا بناء أداة التحليل الصرفي. كما يمكن استخدامه لبناء أنظمة ترجمة آلية، حيث يوجد الكثير من التطبيقات التي يمكننا من خلالها استخدام هذه الأنواع من الموارد. كما يصبح بإمكاننا، مثلاً، البحث عن المستندات والمعلومات باستخدام اللهجة المحلية الصرفة".
وتقدم جامعة كارنيجي ميلون في قطر برامج جامعية في العلوم البيولوجية، وإدارة الأعمال، وعلوم الحاسوب، وأنظمة المعلومات. ويمكن للطلاب اختيار متابعة تخصص فرعي في دراسات اللغة العربية، أو من أكثر من عشرة مجالات أخرى.
خلفية عامة
جامعة كارنيجي ميلون
على مدى ما يزيد عن قرن من الزمن، ظلَّت جامعة كارنيجي ميلون تُلهِم إبداعات تُغَيِّر العالم. كما أن جامعة كارنيجي ميلون، التي تصنّف دوماً بين أفضل وأرقى الجامعات في العالم، تقدم مجموعة من البرامج الأكاديمية لما يزيد عن 12,000 طالب، 90,000 خريج و50,000 جامعة وهيئة تدريسية يتوزعون على فروعها الجامعية في مختلف دول العالم.
تقدم جامعة كارنيجي ميلون قطـر برامجها التعليمية الجامعية ذات المستوى المرموق في العلوم البيولوجيّة، إدارة الأعمال، علم الأحياء الحاسوبي، علوم الحاسوب و أنظمة المعلومات. جامعة كارنيجي ميلون جِدُّ ملتزمة بالرّؤية الوطنية لدولة قطر 2030 من خلال تنمية الشعب، المجتمع، الإقتصاد و البيئة.