أوضح خبير مصري في القانون الدولي أن قرار وقف تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، هو «قرار تجاري بحت، وليس سياسيًا». وفي حديث خاص مع سويس إنفو اعتبر الدكتور السيد مصطفى أبوالخير أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم في البلاد خلال الفترة الإنتقالية، يريد أن يعطيه الشكل السياسي في محاولة منه «لاستثماره سياسيًا في تجميل صورته لدى الشارع المصري» التي تأثرت كثيرًا خلال الفترة الماضية.
وذهب أبو الخير، أستاذ القانون الدولي في الجامعات العربية، إلى وجود علاقة بين توقيت صدور القرار ونشره في وسائل الإعلام، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، التي يسعى المجلس العسكري من خلالها لتوصيل مرشحه – غير المعلن عنه رسميًا - عمرو موسى، إلى سدة الحكم، لضمان «الخروج الآمن للمجلس العسكري»، و«الوضعية المتميزة للمؤسسة العسكرية في الدستور المقبل». وتوقع مصطفى أبو الخير، المحامي لدى محكمة النقض، والمهتم بملف العلاقة بين مصر وإسرائيل، أن يكون الإعلان عن قرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل محاولة لإرضاء الشعب، وإلهائه عن الحكم المرتقب وغير المستبعد من المحكمة الدستورية العليا ببطلان الانتخابات البرلمانية (الشعب والشورى)، وهو ما يعني العودة بالمشهد السياسي المصري إلى المربع رقم (صفر).
وفيما يلي نص الحوار:
بداية، هل يمكن إعطاء خلفية مركزة عن اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل.. وملابسات التوقيع عليها.. والأسباب والدوافع التي أدت إلى ذلك؟
في ظل النظام الفاسد للرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، وفى غيبة المراقبة والمحاسبة، عقد النظام المصري اتفاقية سيئة السمعة مع إسرائيل، بمقتضاها تقوم مصر بتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، وبأسعار دون الأسعار العالمية بكثير، في وقت يُحرم فيه الشعب المصري من حقوقه في هذا الغاز، حيث يعاني الأمرّين في ظل نقص أنابيب البوتاجاز. وقد وقعت الاتفاقية عام 2005، ونص فيها على أن تستمر لمدة 15 عامًا، قابلة للمد 5 أعوام أخرى، وقد جاءت ضمن خطوات التطبيع الاقتصادي مع مصر، لذلك يعدها البعض مكملة لاتفاقية كامب ديفيد، أو تطبيقًا لها، وهذا ما استندت إليه المحكمة الإدارية العليا، في إلغاء حكم أول درجة بإلغاء الاتفاقية، حيث اعتبرت المحكمة أن الاتفاقية من أعمال السيادة التي تخرج عن رقابة القضاء، وهى اتفاقية بين شركة مصرية وشركة إسرائيلية.
وما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء صدور مثل هذا القرار بــ قطع إمداد إسرائيل بالغاز؟
أعتقد أن الأسباب اقتصادية بحتة، وليست سياسية، لأن هناك متأخرات على الشركة الإسرائيلية المستوردة للغاز الطبيعي، وقد نقل التليفزيون المصري عن وزير البترول المصري عبد الله غراب، يوم الإثنين 23/4/2012، قوله إن «قرار وقف تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل يرتبط بنواح تجارية، ولا تحكمه أية اعتبارات سياسية». وربما يكون مناورة مصرية للرد على الشركة الإسرائيلية التي أقامت دعوى لطلب التعويض بسبب خسائرها من التفجيرات المتعددة لخط الغاز (14 مرة)، عما أصابها من أضرار، حيث تطالب بتعويض قدره (8) مليارات دولار، فردت الحكومة المصرية بإلغاء الاتفاقية لعدم سداد الشركة الإسرائيلية متأخرات عليها.
ولماذا صدر قرار وقف إمداد إسرائيل بالغاز في هذا التوقيت بالذات؟ هل تعتقد أن هناك ثمة علاقة بينه وبين الانتخابات الرئاسية؟
نعم بالتأكيد هناك علاقة بين صدور مثل هذا القرار والانتخابات الرئاسية، وربما لدعم عمرو موسى مرشح (المجلس) العسكري غير المعلن عنه، وأعتقد أن المجلس العسكري يريد زيادة شعبيته، بعد أن انخفضت في الشارع السياسي المصري، كما أن هذا القرار سيعقبه قرار سياسي خطير، ربما يكون حل مجلس الشعب، عن طريق حكم المحكمة الدستورية العليا المنتظر قريبًا. لأن الأمور لن تسير كما يريدون، لأننا في بداية شهر مايو والمدة الباقية أقل من شهرين، لا تكفى لعمل الدستور، ولا تكفى لانتخابات الرئاسة، ومن ثم فإنني أعتقد أن إلغاء الاتفاقية وهو قرار تجاري سيُستخدم سياسيًا، لمحاولة إحياء شعبية المجلس العسكري التي بدأت في الانخفاض.
عندما طالب الشعب والبرلمان بقطع الغاز رفض المجلس العسكري، وقال إن هناك اتفاقًا ولابد من الالتزام به، والآن يصدر القرار في لحظات ودون مطالبة.. فما تفسيركم؟
القرار مؤقت وسياسي، لأن الحكومة صرحت بأنه لا مانع من كتابة عقد جديد، أي أن الأمر مجرد خلاف اقتصادي ربما على سعر الغاز، يستخدمه المجلس العسكري لأغراض سياسية، لتجميل صورته في الشارع المصري، ولا أستبعد الاتفاق بين المجلس العسكري والكيان الإسرائيلي على كتابة عقد جديد بعدما تهدأ الأمور.
ما هي التأثيرات المحتملة لهذا القرار على مستقبل العلاقات الاقتصادية، بين مصر وإسرائيل؟ وخاصة على اتفاقية «الكويز»؟
سيتم تدارك هذا الأمر، والأخطار الاقتصادية له، ولا أعتقد أن إمداد الكيان الإسرائيلي بالغاز توقف أو سيتوقف في ظل النظام الموجود حاليًا، كما أستبعد أن يترتب عليه المساس بالاتفاقيات الاقتصادية الأخرى مثل اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة والمعروف إعلاميًا باتفاقية «الكويز»، وفي أكثر الاحتمالات ربما يتم تعديل بنود الاتفاق فيما يخص نسب المواد الخام الإسرائيلية الداخلة في صناعة النسيج المصري.
ما مدى إمكانية تأثير هذه الامتدادات مستقبليًا على اتفاقية «كامب ديفيد»، في ظل مطالبات العديد من نواب البرلمان (ذي الأغلبية الإسلامية) بإعادة النظر في الاتفاقية إن لم يكن إلغاؤها بالكلية؟
من أهم مهام النظام السابق الذي مازال موجودًا حماية أمن إسرائيل، لإطالة عمره، سواء بتأمين الجبهة الجنوبية لهذا الكيان، أو إمداده بوسائل الحياة، لذلك لا أعتقد أن أيًا من الاتفاقيات سيُعاد النظر فيها بما يشكل تهديدًا لأمن إسرائيل، وإن كانت مصر تستطيع من الناحية القانونية إلغاء الاتفاقية (تصدير الغاز/ كامب ديفيد) بالقانون الدولي. _ هل من حق تل أبيب اللجوء إلى التحكيم الدولي لطلب تعويض 8 مليارات دولار كما تدعي؟ ولماذا؟
نود أن نوضح هنا أن اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل منعدمة، وباطلة بطلانًا مطلقًا، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها من قبل كافة أشخاص وآليات القانون الدولي، أو التمسك بها، لمخالفتها مبادئ عامة في القانون الدولي هي: مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة، ومبدأ حق تقرير المصير، ومبدأ حق الدفاع الشرعي. وفى الاتفاقية بند يشير إلى حق اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالة الخلاف، وإذا كان من حق إسرائيل اللجوء للتحكيم الدولي بدعوى طلب تعويض للضرر، فإنه يمكن لمصر أن تدفع ذلك بأنها في حالة ثورة منذ 25 يناير 2011، وأن هناك قوة قاهرة، فإما أن تزيل الالتزام القانوني عنها، أو أن تخففه، وهذا أمر معروف في القانون الدولي، لكن في كل الأحوال فإن الإلغاء سيُوقف نزيف الخسارة اليومي جراء بيع الغاز المصري بأقل من السعر العالمي.