شاهدنا في "النهار" الأسبوع الماضي صورة من "دبي مول" الذي أقفلت الشرطة الإماراتية أبوابه بعدما فاق عدد الزوار طاقته الاستيعابية في عيد الأضحى، فيما كانت بيروت غارقة في فراغ يضرب فنادقها ومنتجعاتها. لم يقفل "المتروبوليتان" أبوابه، لكنه معطل بسبب ندرة نزلائه، وفندق "الموفنبيك" كما تردّد معروض للبيع بعدما تراكمت خسائره، وفندق "الريفييرا" أقفل طبقتين من خمس طبقات. و"البودابار" وضب أغراضه لإخلاء المكان بعدما ضربته الخسائر، ومطاعم بيروت تعاني قلّة الزبائن وتراكم الديون.وسائل الإعلام، وشركات الإعلان والإنتاج يعاني معظمها من تراجع المدخول الإعلاني، حتى لتكاد تعجز عن سداد رواتب موظفيها.
والمدارس الخاصة تهدّد بالإقفال في مناطق نائية حيث عدد التلامذة قليل وتلوّح الأخيرة بالاستغناء عن نحو 20% من المعلمين، اذا ما أقرت سلسلة الرتب والرواتب الجديدة.شاهدنا عدداً من مودعي "بيت التمويل العربي" يتظاهرون طلباً لحقوق مهدورة في المصرف المذكور. ونشاهد في كل يوم لبنانيين ينتظرون مستحقات في الضمان الاجتماعي وفي صندوق المهجرين، ويأملون من الهيئة العليا للإغاثة سداد ما يتوجب لترميم منازلهم المنكوبة في الأشرفية...مزارعو البقاع يوضّبون نتاجهم في البرادات لا طمعاً بأسعار أفضل في موسم الأعياد، بل لأن أبواب التصدير مقفلة، والترانزيت عبر سوريا متوقف، ولأن بيع انتاجهم حالياً لا يردّ لهم تكاليفهم. فكيف يمضون فصل الشتاء مع عيالهم؟ والتهريب الذي كان يفيد منه أهالي البلدات المتاخمة لسوريا، للإفادة المنزلية لا للتجارة، توقف، رغم ما كان يوفر على جيوب هؤلاء من نفقات خدمات سعرها في لبنان مضاعف.
في هذه الأثناء، وفي ظل عجز فاضح، عن توفير مقومات الصمود في الداخل وجذب السياح، نجد ان الحكومة ماضية في اقرار زيادات على الرواتب، وخصوصاً في زيادة مخصصات الوزراء والنواب، في استمرار ما يعتبر مخالفة فاضحة، اذ كيف يحق لنائب سابق أمضى 4 سنوات "في الخدمة"، ان ينال تعويضاً دائماً، في حين لا يتوافر هذا الامتياز لأي موظف لم يخدم الدولة 20 عاماً على الأقل، ولا يتأمن أيضاً لمنتخبين في البلديات والهيئات الاختيارية؟
الوضع الاقتصادي على شفير الهاوية. ومن حق الموظفين على اختلاف مستوياتهم، ان ينالوا زيادات، ربما تقيهم العوز في ظل الغلاء الفاحش، ولكن من الضروري أيضاً توفير مداخيل جديدة للخزينة، لا تسرق المواطنين، ولا تسحب أموال تلك الزيادات من جيوبهم، فتسبقهم الى لقمة عيشهم. الزيادات لن تطال كل الناس، أما الضرائب والرسوم فتلاحقهم جميعاً. ان الثورة الحقيقية التي لم تولد بعد في لبنان، ربما تكون ثورة جياع، اذا لم يتم تدارك الأمر قريباً. وابقاء لبنان في معزل عن الأزمة السورية قد ينجح أمنياً وسياسياً، لكن المفاعيل الاقتصادية الخطيرة لتلك الأزمة ستضرب الامن الاجتماعي كله.