الفلسطينيون يؤسسون مركزا للتكنولوجيا في الضفة الغربية

تاريخ النشر: 14 أغسطس 2012 - 12:20 GMT
تضمّ شركة «أصال للتكنولوجيا» 120 موظفاً، وهي بالتالي إحدى أكبر الشركات في قطاع التكنولوجيا الفلسطينيّ الصغير
تضمّ شركة «أصال للتكنولوجيا» 120 موظفاً، وهي بالتالي إحدى أكبر الشركات في قطاع التكنولوجيا الفلسطينيّ الصغير

الكافتيريا نظيفة ومجهّزة بلمسة عصرية؛ فالطاولات فيها بلوني البرتقاليّ الفاقع والأخضر المائل إلى الصّفرة، وفي الطابق السفلي، ثمّة طاولات للعبتي كرة الطاولة والفووسبالل. فما عسى أن تكون هذه الشركة غير شركة تكنولوجيا، حديثة ومتطوّرة، حتّى في هذه المنطقة من العالم؟ قال مراد طحبوب البالغ من العمر 42 سنة، وهو المدير العامّ لشركة «أصال للتكنولوجيا»، إنّ الهدف من هذه الفكرة هو تأمين ظروف عمل للموظّفين تشبه تلك المريحة والمحفّزة على التجديد التي تتميّز بها الشركات في وادي السيليكون حول العالم. فطموح مدينة رام اللّه، التي تقع في الضّفة الغربيّة حيث المقرّات العامّة الإداريّة للسلطة الفلسطينيّة، هي أن تصبح مركزاً لصناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

تضمّ شركة «أصال للتكنولوجيا»120 موظفاً، وهي بالتالي إحدى أكبر الشركات في قطاع التكنولوجيا الفلسطينيّ الصغير، ولكن المزدهر في الوقت نفسه، والذي يؤكّد كلّ المعنييّن فيه أنّه على وشك تحقيق إنجازات مهمّة جداً. وأضاف طحبوب، الذي يبدو مناسباً جداً لمنصبه بشعره المصفف إلى الخلف ونظاراته السوداء الإطار من ماركة «لاكوست»: «نسير على الطريق السليم الذي يخوّلنا تعزيزَ نمو لافت». ومقارنة مع قطاعات أخرى قد يسعى اقتصاد الضّفة الغربيّة الضعيف تطويرها، يتّسم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بميزة، ألا وهي أنّه يتأثّر أقلّ بكثير بالعوائق التي تحول دون الحركة، كالحواجز، ونقاط التفتيش وشروط الحصول على إذن التي تفرضها إسرائيل على المنطقة تحت شعار المحافظة على الأمن. وفي هذا الصّدد، يعلّق طحبوب: «إنّه قطاع لا تقيّده حدود، وكلّ ما يحتاج إليه هو كهرباء وخطّ هاتفيّ».

وخلال السنوات الأربع التي تلت قيامَ شركة «سيسكو سيستمز» بأوّل استثمار مدروس هنا بقيمة 10 ملايين دولارٍ، لتمويل إطلاق خدمات الأعمال التي تؤمّن تعاقد في الخارج لشركات فلسطينيّة، ودعم برامج التدريب، وجذب شركاء دوليّين آخرين، يُقال إنّ القطاع الذي كان يشكّل أقلّ من 1 % من الاقتصاد الفلسطينيّ قد نما ليشكّل اليوم أكثر من 5 % منه – وإن كان يُقدّر إجمالي ناتج هذا الاقتصاد من 5 إلى 6 ملايين دولارٍ فقط. وعلى الرغم من حماسة الفلسطينيين حديثي الكفاءة في اللغة الدوليّة الخاصة بهذا القطاع وحديثهم عن «نظام بيئيّ» ناشئ، لا يزال يتحتم على الخبراء الفنيّين في رام الّله مكافحة بعض التّحديات التي تواجه اقتصاد فلسطين ومجتمعه على نطاق واسع، خاصّة الغياب المستمرّ لدولة فلسطين المنتظرة منذ فترة طويلة. إلى ذلك، ذكر تقرير نشره البنك الدولي في شهر يونيو أنّه في حين حققّت السلطة الفلسطينيّة تقدّماً مستمرًّا نحو إنشاء مؤسّسات ضروريّة للدولة المستقبليّة، لا يزال الاقتصاد حاليا غير قويّ بما فيه الكفاية ليدعم دولة كهذه، فهو يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجيّة. كما جاء في التقرير أنّه مهمّ جداً أن تعزّز السلطة الفلسطينيّة التجارة، وتحفّز نمو القطاع الخاصّ، وتدمج المنطقة في الاقتصاد العالمي قدر المستطاع. من جهة أخرى، يقول خبراء وكبار رجال الأعمال إنّ المصدر الأساسيّ الذي يجب أن يعتمد عليه الفلسطينيّون هو الفئة الشابة من السكان، المتعلّمة وذات التفكير الرياديّ. ولكنّهم يشدّدون على ضرورة التغلّب على الصورة التي يرسمها العالم عن منطقة النزاع المتقلّبة هذه حيث يركب الناس على الجمال للذهاب إلى العمل. وعلى الرغم من أنّ عقود الاستعانة بمصادر خارجيّة هي الدعامة للنشاط الصناعي هنا، إنّ المثال الذي يريد قطاع المعلومات والتكنولوجيا في فلسطين الاحتذاء به ليس قطاع المعلومات والتكنولوجيا في الصين، مع عدد سكّانها الهائل، ولكن ذلك الذي في إسرائيل. وبدوره، قال طارق معياه البالغ من العمر 45 سنة، وهو المدير التنفيذي في شركة « إكزالت تكنولوجيز»: «الهدف هو أن يكون الابتكار والإبداع في الطليعة، بدلاً من الاعتماد على كميّة هائلة من المهارات الأساسيّة».

وعلى غرار إسرائيل، يريد الفلسطينيّون قطاعاً للتكنولوجيا يتميّز بالمرونة وبكونه مجالاً خالياً من السياسة. وأضاف معياه: «إنّ الاحتلال محبط، ولكن لطالما عمل الإسرائيليّون والفلسطينيّون مع بعضهم البعض في أصعب الأوقات». ونوّه إلى أنّ شركة «إكزالت» تتعامل مع عقود الاستعانة بمصادر خارجيّة من شركات متعدّدة الجنسيّات تعمل في إسرائيل ومن بعض الشركات المحليّة أيضاً. وأضاف: «إننّا الآن منتجون ونبيع لإسرائيل، بدلاً من أن نكون فقط مستهلكين؛ إنّها إذاً بداية لتحقيق توازن أفضل في العلاقة الاقتصاديّة». وأشار آخرون إلى أنّ إسرائيل قد أنشأت قطاعاً للتكنولوجيا، وهو سريع النمو، على الرغم من أنّها كانت تخوض حروباً عدّة في السنوات الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أنّه ما من نقصٍ في الموظّفين المحتملين، بل على العكس؛ فيتخرّج حوالي 2000 فلسطيني من الجامعات المحليّة كلّ سنة بعد حيازتهم شهادات في اختصاصات تقنيّة، ويتراوح عدد النساء من بينهم من الثلث إلى النصف، ولكن يجد حوالي 30 % منهم فقط عملاً في القطاع المحليّ. يضمّ اتّحاد شركات أنظمة المعلومات الفلسطينية 125 عضواً، ويتّخذ حوالي ثلاثة أرباع هؤلاء الأعضاء من الضفة الغربيّة مقراً لهم ويعمل باقي الأعضاء من غزّة، التّي يديرها مسلّحون من حركة حماس، وليس السلطة الفلسطينيّة التي تقودها حركة فتح.

ويعترف رجال الأعمال أنّ القطاع لا يزال في مراحله الأولى، إذ تُقدّر الإيرادات الإجماليّة جرّاء الاستعانة بالمصادر الخارجيّة بـ6 ملايين دولار فقط في السّنة. ولكّنهم يقولون إنّ ذلك قد يكون خياراً بديلاً للشركات التي تتّخذ من إسرائيل مقرًّا لها بسبب موقعها القريب، ووجود المعرفة الثقافيّة وموهبة المهندسين الفلسطينيّين وولائهم لشركاتهم. يدير سام حسيني شركة «ليون هارت»، وهي شركة تدير برنامج تدريب بمساعدة شريك إسرائيليّ يعطي دروساً لرجال الأعمال الفلسطينيّين في مهارات التسويق. وقال كلّ من حسني أبو سمرا، المدير التنفيذي لشركة «موبي ستاين» الحديثة، وهي تصمّم تطبيقات للرعاية الصحيّة في اللغة العربيّة، وسعيد زيدان، المدير التنفيذي لـ «ألتيميت» التي تطوّر برامج وتقوم بأعمال استشارة– إنّهما تعلّما كثيراً من برنامج التدريب، وبخاصّة عمّا لا تزال يحتاج إليه القطاع لكي ينمو. وقال زيدان: «أهمّ شيء هو لانكشاف، فنحن ليس لدينا انكشاف على السوق الدولي». وبالمقابل، قال يحيا الصلقان المدير التنفيذي في شركة «جافا.نت» التي تتطوّر البرامج، إنّ السوق المحليّ يقدّم وعوداً كبيرة. وأشار إلى أنّ قطاع التكنولوجيا الفلسطينيّ يتوسّط بشكل فريد ما يُسمّى وادي السيليكون في إسرائيل، الذي يبعد عن ساحل البحر المتوسّط مسافة تحتاج إلى أقلّ من ساعة في السيارة، وما سمّاه حاجةً ناشئةً وهائلةً لخدمات التكنولوجيا في البلدان العربيّة.

وقد عمل الصلقان في وادي السيليكون في كاليفورنيا، في وقت سابق من سيرته المهنيّة وعاد بعد ذلك إلى الوطن منذ 15 سنةً لتأسيس «جافا.نت»، التي افتتحت فرعاً في رام اللّه وآخر في نابلس شمال الضّفة الغربيّة. وتعمل «جافا.نت» على تطوير تطبيقات مصرفيّة عبر الهاتف المحمول وهي في طور فتح مكتب في الخليج العربي وتحديداً في قطر. كما واعتبر العديد من الأشخاص هنا أنّ وصول شركة «سيسكو» عام 2008، كان نقطة تحوّل في القطاع. فقد بدأ بتقديم التمويل على مدى سنة لشركات في رام الّله كي تقوم ببحوث وتتمكّن من التطوّر، ومن ثمّ قام بتوظيف مهندسين فلسطينيّين ضمن عقود عاديّة للاستعانة بمصادر خارجيّة. ومؤخّراً، استثمر مبلغ 5 مليون دولارٍ في «صدارة فينتشورز» التي قيل إنّها أوّل مشروع صندوق رأس المال يركّز اهتمامه على الأراضي الفلسطينيّة.

ولا يكون دائماً عقد لقاءات شخصيّة مع مستهلكين ومستثمرين من إسرائيل أمراً سهلاً، رغم المسافات القصيرة. فقال حسيني من «ليون هارت» إنّ شركته قد عقدت اجتماعات في «منتجع بينكيني» على البحر الميت، جنوب أريحا، ليس بسبب موقع المنتجع، بل لأنّ وصولَ الناس إليه ممكن من جانبي الطوق الأمني الإسرائيليّ. وفي هذا الصدّد، تتذكّر زيكا أبزوك، المديرة العامّة لشؤون شركة «سيسكو» في إسرائيل، ما جرى عندما علقت هي وفريق من الموظفين الإسرائيليّين في جهة من نقطة تفتيش عسكريّ مغلقة بالقرب من أريحا، في حين علق على الجهة الأخرى 16 رجل أعمال فلسطينياً كانوا يأملون التشاور معهم. وفي النهاية، ما كان عليهم إلاّ عقد اجتماعهم على أرض حياديّة، أي داخل خيمة استقبال على الطريقة البدويّة في محطّة للوقود بالقرب من نقطة التفتيش.