تقرير أمريكي: هكذا يعمل الاحتلال الإسرائيلي لإسقاط الحكم في سوريا

تاريخ النشر: 23 ديسمبر 2025 - 06:04 GMT
_

كشف تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست تفاصيل ما وصفه بمحاولات الاحتلال الإسرائيلي تقويض الحكومة السورية الجديدة، عبر إستراتيجية متعددة الأوجه تجمع بين العمل العسكري السري والدعم السياسي والميداني لفصائل محلية.

وأوضح التقرير، الذي أعده أربعة من مراسلي الصحيفة من مدينة القدس، أن إستراتيجية الاحتلال الإسرائيلي في سوريا تقوم على دعم المليشيات الدرزية لتعزيز نفوذها في مواجهة دمشق، إلى جانب احتلال مناطق إستراتيجية وتنفيذ ضربات جوية مكثفة لمنع وصول الأسلحة إلى الحكومة السورية الجديدة.

وأشار التقرير إلى أن هذه العمليات بدأت فور الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر كانون الأول 2024، إذ نظر الاحتلال الإسرائيلي إلى الرئيس السوري أحمد الشرع باعتباره تهديداً مستمراً، بسبب خلفيته وارتباطاته السابقة، ما دفعه إلى تطوير خطط سرية للتعامل معه وإضعاف سلطته منذ اللحظات الأولى.

وبحسب واشنطن بوست، تمثلت أبرز هذه التحركات في تقديم دعم مباشر وشامل للمليشيات الدرزية السورية، حيث بدأت المروحيات التابعة للاحتلال الإسرائيلي في 17 ديسمبر كانون الأول 2024 بنقل شحنات من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى جنوب سوريا.

وتضمنت الشحنات، وفق التقرير، نحو 500 بندقية وذخائر ودروع واقية، جرى إسقاطها جواً لتسليح مليشيا درزية تُعرف باسم المجلس العسكري، في إطار ما وصفه التقرير بمحاولة استمالة الطائفة الدرزية، التي تربطها علاقات تاريخية طويلة مع الاحتلال الإسرائيلي.

ولم يقتصر الدعم على التسليح، إذ أشار التقرير إلى تقديم دفعات مالية شهرية تراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 مقاتل درزي، بهدف تعزيز قدرتهم على مواجهة قوات الحكومة السورية الجديدة.

وأضاف التقرير أن مقاتلين دروزاً، من بينهم نساء، تلقوا تدريبات عسكرية قبل سقوط نظام الأسد في مناطق شمالي سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي مليشيا يقودها الأكراد وتربطها علاقات وثيقة مع الاحتلال الإسرائيلي.

ومع سقوط النظام السابق، تحركت القوات البرية للاحتلال الإسرائيلي بسرعة لاحتلال نحو 155 ميلاً مربعاً من الأراضي السورية، شملت مواقع إضافية في قمة جبل الشيخ، ذات الأهمية الإستراتيجية على الحدود السورية اللبنانية. كما شن سلاح الجو التابع للاحتلال مئات الغارات على منشآت عسكرية سورية، في مسعى لمنع الحكومة الجديدة من الوصول إلى الأسلحة وإضعاف قدرتها على توحيد البلاد.

وتناول التقرير جانباً آخر من الإستراتيجية تمثل في دعم شخصيات درزية بارزة، من بينها الشيخ حكمت الهجري، الذي دعا إلى الانفصال وتكريس حكم ذاتي للدروز، بدعم مباشر من الاحتلال الإسرائيلي. وذكر التقرير أن الهجري أعد خرائط لدولة درزية مقترحة تمتد إلى العراق، وعرضها على حكومة غربية كبرى واحدة على الأقل مطلع عام 2025.

وفي المقابل، أشار التقرير إلى بروز انقسامات داخل المجتمع الدرزي، إذ وُجهت اتهامات إلى طارق الشوفي، قائد المجلس العسكري للسويداء وضابط سابق في جيش النظام السابق، بالتعاون مع الرئيس أحمد الشرع، ما دفعه للاختباء خشية اعتقاله من قبل أنصار الهجري.

كما واجه الهجري وابنه، وفق التقرير، اتهامات بالتورط في عمليات خطف والتعامل مع شبكات تهريب مخدرات إقليمية، من بينها حزب الله.

وأوضحت واشنطن بوست أن الاحتلال الإسرائيلي سعى إلى تحقيق ما سماه “توازناً دقيقاً في السلطة” داخل سوريا، عبر الجمع بين الدعم العسكري والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك إرسال أدوية ومعدات طبية ودروع واقية للمقاتلين الدروز، حيث جرى نقل هذه المساعدات سراً إلى السويداء في أواخر سبتمبر أيلول الماضي.

وفي الوقت ذاته، حاول الاحتلال الإسرائيلي استثمار المفاوضات غير المباشرة مع الرئيس أحمد الشرع، بهدف انتزاع صيغة حكم ذاتي للدروز ضمن أي ترتيبات أمنية مستقبلية. ولفت التقرير إلى أن الشرع رفض أحياناً مطالب إسرائيلية، أبرزها نزع السلاح من جنوب دمشق، لكنه أبدى استعداداً للقبول باتفاقات خفض تصعيد عند الضرورة.

وأشار التقرير إلى أن هذه السياسات أثارت توتراً حاداً مع الحكومة السورية الجديدة، وكذلك مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي ترى في دعم الشرع جزءاً من إستراتيجيتها لتحقيق الاستقرار في سوريا. كما قوبلت الخطوات الإسرائيلية بانتقادات إقليمية واسعة، باعتبارها تهدد استقرار الشرق الأوسط.

ونقلت الصحيفة عن الشرع قوله، في مقابلة أجرتها معه في واشنطن قبيل لقائه ترامب في البيت الأبيض، إن سياسة الاحتلال الإسرائيلي “التوسعية” تطيل أمد الصراع وتهدد الأمن الإقليمي، بما يشمل الأردن والعراق وتركيا ودول الخليج.

وخلص التقرير إلى أن أهداف الاحتلال الإسرائيلي في سوريا تتمثل في دعم الدروز كأقلية دينية تواجه مخاطر في صراع معقد، ومنع قيام نظام سوري جديد معادٍ له وقادر على توحيد البلاد. وأكد أن المؤسسة الأمنية والعسكرية داخل إسرائيل تدعم بقوة التدخل في سوريا، بدفع من شخصيات بارزة مثل حسون حسون، الضابط الإسرائيلي الدرزي السابق والسكرتير العسكري الرئاسي.

ورغم ذلك، أشار التقرير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواجه تحديات كبيرة، أبرزها إدارة التنسيق مع القوى الدولية، والحفاظ على توازن دقيق مع الفصائل السورية المختلفة، والتعامل مع الانتقادات الدولية المتزايدة. وأكدت الصحيفة أن إسرائيل تدرك أن الاعتماد المفرط على الفصائل الدرزية قد لا يكون مستداماً، بسبب الانقسامات الداخلية، ما يدفعها إلى تبني مقاربة براغماتية قائمة على التكيف المستمر.

واختتم التقرير بالتأكيد على أن الأنشطة السرية للاحتلال الإسرائيلي في سوريا تهدف في جوهرها إلى إعادة صياغة ميزان القوى ومنع نشوء تهديدات جديدة على حدوده.