لطالما كانت العلامة التجارية الشهيرة “فولكسفاجن” ترمز لبراعة الهندسة الألمانية ومتانتها، لكن أربعة أيام فقط، كانت كفيلة بتغيير ذلك جذرياً، حيث أرخت فضيحة الغش في اختبارات انبعاثات الديزل الأميركية بظلالها على الشركة، لتهز سمعة شعار “صنع في ألمانيا”.
خشية الشركات الألمانية الأخرى، كالمرسيدس، وبي إم دبليو، وغيرها، على سمعتها جاءت بمحلها، بعد اعتراف الشركة العملاقة لصناعة السيارات، بأنها تحايلت على اختبارات، تتعلق بانبعاثات عوادم سياراتها، التي تعمل بوقود الديزل.
وذكرت وكالة “حماية البيئة الأميركية”، أن بعض السيارات بيعت في الولايات المتحدة، بعد تزويدها بأجهزة تمكن المحركات من معرفة أوقات اختبار الانبعاثات، ما يجعلها تحسن من أداءها وقت الاختبار لاجتيازه، مؤكدة أن “فولكس فاغن” مندفعة باتجاه زيادة مبيعاتها من سيارات الديزل في الولايات المتحدة، في إطار حملة تسويق حملت شعار “انبعاثات أقل”.
وكشفت الوكالة، عن وجود 482 ألف سيارة، زودت بتلك الأداة التي تخدع أجهزة قياس الانبعاثات في الولايات المتحدة وحدها، من بينها سيارات “أودي A3” التي تصنعها “فولكس فاغن”، من طرازات “جيتا”، و”بيتل”، و”غولف”، و”باسات”.
لكن الشركة اعترفت بوجود حوالي 11 مليون سيارة، تحتوي على أجهزة الخداع في جميع أنحاء العالم، أو ما يُعرف بـ”جهاز خداع اختبارات الانبعاثات”.
يوجد بعض التفاصيل البسيطة، عن كيفية عمل جهاز خداع اختبارات الانبعاثات، وذلك رغم تأكيد وكالة حماية البيئة، أن السيارات المزودة بذلك الجهاز، مدعومة ببرمجيات الكترونية تساعد المحرك على الإحساس بسيناريو اختبار الانبعاثات من خلال رصد السرعة، ووضعية تشغيل المحرك، إضافة لضغط الهواء، وحتى وضعية عجلة القيادة.
وعندما تعمل السيارة في ظروف معملية مُراقَبة، والتي تتضمن وضع السياراة على منصة اختبارات الانبعاثات في وضع الثبات، تضع أجهزة الخداع السيارة بوضع يشبه وضع “الأمان” في الكمبيوتر، ليبدأ المحرك في العمل بمستوى أقل من مستوى القوة العادية له، ويظهر أداء أضعف من الطبيعي.
وهنا تكون النتيجة الطبيعية أن يصدر المحرك انبعاثات نيتروجين أقل، ولكن ما أن تنطلق السيارة على الطريق، ترتفع نسبة الانبعاثات مرة أخرى.
كيف استجابت فولكسفاجن لما حدث؟
يبدو أن وضع الشركة أصبح حرجاً، بعدما طفت تلك الأزمة على السطح، إذ يقول رئيس الشركة في الولايات المتحدة مايكل هورن: “إننا أخطأنا خطأً فادحاً”، كما أكد المدير التفيذي للشركة مارتن فينتركورن، أن الشركة فقدت ثقة عملائها، وثقة الرأي العام، وبدأت فعلياً بتحقيق داخلي.
خسائر “فولكس فاجن”، لن تتوقف عند تكلفة سحب 500 ألف سيارة من الولايات المتحدة، وهي التكلفة التي تقدر بـ 6.5 مليار يورو، بل يمتد الأثر المالي على الشركة، إلى غرامة مالية يحق لوكالة حماية البيئة فرضها على الشركة.
وعليه، من المتوقع أن يتعرض عملاق السيارات الألماني، للمزيد من الخسائر في حال لجوء العملاء، وحاملي أسهم الشركة، إلى القضاء للحصول على تعويضات، فضلاً عن تكهنات، تشير لإجراء “وزارة العدل الألمانية” تحقيقاً جنائياً بتلك الأزمة.
إلى أي مدى انتشرت مشكلات فولكس فاجن؟
ظهرت تلك المشكلات بدايةً في الولايات المتحدة، لكنها امتدت إلى دول أخرى تضمنت بريطانيا، إيطاليا، فرنسا، كوريا الجنوبية، كندا، وبالطبع ألمانيا، وهي الدول التي فتحت بالفعل تحقيقاً في تلك المسألة، وتقول أستراليا، إنها تراقب الموقف الحالي، قبل اتخاذ أي إجراء.
ويتسائل السياسيون، والمسؤولون، وجماعات الدفاع عن البيئة، من جميع أنحاء العالم، عن مدى شرعية اختبارات الانبعاثات التي تتعرض لها سيارات “فولكس فاجن، حيث بلغ عدد السيارات التي استخدمت فيها أداة التضليل نحو 11 مليون سيارة وفقاً للشركة، من بينها 2.8 مليون سيارة في ألمانيا نفسها.
هل هناك استقالات منتظرة في عملاق السيارات الألماني؟
استقال مارتن فنتركورن، الرئيس التنفيذي لـ”فولكس فاجن” رغم نفيه وقوع الشركة في خطأ فادح.
لكن من المؤكد أن الشركة، لديها تنظيماً هرمياً من المديرين، صدّق على تزويد السيارات بأداة تضليل اختبارات الانبعاثات، وهو ما يؤكد أن المؤسسة العملاقة، سوف تشهد المزيد من الاستقالات خلال المستقبل القريب.
هل يطال الشك صانعي السيارات الأخرى؟
هناك عدد من التحقيقات التي تجريها جهات تنظيمية وحكومية، يتطلب منها، تحديد ما إذا كانت شركات أخرى سيطالها الشك، فيما يتعلق بنتائج اختبارات الانبعاثات.
وقالت شركات “فورد”، و”بي إم دبليو”، و”رينو – نيسان”، إنها لا تستخدم “جهاز خداع اختبارات الانبعاثات” أو “defeat device”، فيما لم تصدر شركات أخرى أي استجابة، أو رد فعل للأزمة، وأخرى ذكرت بأنها تلتزم بالقوانين.
وبيّنت “جمعية صانعي وتجار السيارات” في بريطانيا، أن الاتحاد الأوروبي، يستخدم نظاماً مختلفاً باختبار السيارات المقرر بيعها في الولايات المتحدة، مع إجراء الاختبارات الأوروبية للانبعاثات، وفقاً لشروط صارمة تفي بمتطلبات القانون الأوروبي، وتحت إشراف وكالة حكومية مستقلة، مكلفة بالتصديق على النتائج.
وأضافت أن اختبارات الانبعاثات المطبقة حالياً قديمة، وهناك مساع تستهدف للتوصل إلى اتفاقية من قبل المفوضية الأوروبية، من أجل استحداث طريقة جديدة لتلك الاختبارات، تتضمن تكنولوجيا جديدة لتلك الاختبارات وتختبر السيارة في وضعية السير على الطرق.
هل يعني ذلك أن هناك حاجة لقواعد أكثر صرامة في اختبارات الانبعاثات في دول الاتحاد الأوروبي؟
يقول الكثير من نشطاء البيئة، “إن قواعد الانبعاثات تخترق في أوروبا، حيث تُشغل سيارات الديزل في أوروبا بتكنولوجيا أسوأ بكثير مما هي عليه في الولايات المتحدة، مؤكدين وجود تقارير حديثة، توضح أن 90% من سيارات الديزل، تكون غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، من حيث مستوى الانبعاثات عند انطلاقها على الطرق.
هل هناك ضربة متوقعة أخرى لسوق سيارات الديزل؟
يتوقع أن، تكون هناك ضربة جديدة، سيتعرض لها سوق سيارات الديزل، فعلى مدار 10 سنوات ماضية، ضخت شركات السيارات، استثمارات هائلة في تلك الفئة من السيارات، علاوة على تلقيها دعماً من قبل حكومات عدة، اعتقاداً منها بأنها أفضل للبيئة.
لكن أدلة علمية توفرت خلال الآونة الأخيرة، رجحت أن هذا ليس صحيحاً، مما أدى إلى ظهور اتجاه نحو الحد من سيارات الديزل في عدة مدن، حيث بدأت مبيعات سيارات الديزل بالتدهور فعلياً، حتى قبل أزمة “فولكس فاجن”.
يقول الخبير الاستشاري في السيارات، لدى شركة “فينديجيتال” ريتشارد جاين: “إن الكشف عن فضيحة فولكس فاجن، من الممكن أن يؤدي لتراجع حاد في الطلب على سيارات الديزل”.
وأضاف، “أنه في الولايات المتحدة، تمثل سيارات الديزل 1% فقط من مبيعات السيارات الجديدة، وهو ما يجعل الزيادة في تلك المبيعات أمراً غير متوقع بالمدى المتوسط.”
وأكد أنه رغم ذلك، من الممكن أن تشهد مبيعات سيارات الديزل بأوروبا أثراً سلبياً مضاعفاً لتلك الفضيحة، ما قد يؤدي إلى تحول قطاع كبير، من مستخدمي السيارات إلى استخدام سيارات البنزين.
يشار إلى أن، بعض المصارد المقربة من الشركة، أكدت أن موظفين في الشركة، وأحد مورديها، حذروا منذ سنوات بشأن برنامج مصمم لتضليل اختبارات الانبعاثات، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه شركة صناعة السيارات، معرفة منذ متى يعلم مسؤولوها التنفيذيون بهذا الغش.
والجدير بالذكر، أن أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم، تحسب خلال الوقت الراهن، تكلفة أكبر فضيحة تواجهها منذ إنشائها قبل 78 عاماً على عملها وسمعتها، بعد أن أقرت بتزويد محركات الديزل بتطبيق، يهدف إلى إخفاء حجم انبعاثاتها من الغازات السامة.
اقرأ أيضاً:
اودي RS4 2018 قادمة في وقت متأخر