ما العوائق التي تقف أمام التنوع الاقتصادي في دول الخليج؟

تاريخ النشر: 24 يناير 2016 - 10:22 GMT
البوابة
البوابة

لا تخلو دراسة أو تقرير حول الأوضاع الاقتصادية في منطقة الخليج، من إشارة إلى ضرورة تبني إستراتيجية للتنوع الاقتصادية بهذه الدول، تجنباً لمخاطر تقلبات السوق الدولية، حيث مرت أسواق النفط بأزمات سعرية متكررة منذ الثمانينيات والتسعينيات، ومؤخراً أزمة بدأت من منتصف 2014 ومستمرة حتى الآن.

وسجلت بعض دول الخليج عجزاً في الموازنات لأول مرة، وبعضها لجأ للاقتراض المحلي، فيما يفكر الآخر بالاقتراض الخارجي، فضلاً عن السحب من الاحتياطيات الدولية، وتبني برامج تقشفية في الموازنات العامة بتلك الدول، بصورة وضعت المواطن الخليجي أمام إجراءات تتعلق بخفض الدعم على الوقود وغيرها من السلع والخدمات الأساسية، بحسب صحيفة “العربي الجديد”.

وتجربة الدول الصاعدة، بها كثيرٌ من الدروس المستفادة في قضية التنوع الاقتصادي، فماليزيا مثلاً، كان اقتصادها قائماً على تصدير المطاط والأرز، ثم تحولت فيما بعد لمنظومة كبيرة لمساهمة النشاطات الاقتصادية، فكان هناك توظيف لنشاط السياحة، والزراعة وصيد الأسماك، والإنتاج الصناعي، وتجارة الخدمات، وإنتاج تكنولوجيا المعلومات.

ويتجلى وجود تفاوت بين مساهمة كل قطاع وآخر، وليس بالضرورة لكي يتحقق التنوع الاقتصادي أن تكون القطاعات على قدم المساواة في العطاء للناتج المحلي، ولكن أن يكون هناك حسن استغلال للفرصة في توظيف الموارد المحلية، أو الأجنبية بما يؤدي إلى فتح مجال جديد يستوعب رؤوس أموال وعمالة، وينشط حركة التجارة، ويفعل القطاع المصرفي، فيساعد ذلك على تلافي الوقوع تحت مخاوف أو تقلبات قطاع أو سلعة بعينها سواء لاعتبارات محلية أو دولية.

ويالنسبة لدول الخليج، يوضح مراقبون العوامل التي تعوق تنوع اقتصادها.

شيوع النموذج الريعي

سيطر النموذج الريعي بشكل كبير على متخذي القرار وكافة الفاعلين في مجتمع الأعمال الخليجي، فبدلاً من التوجه للبناء لنموذج يعظم من مساهمة الإنتاج، من حيث الكم والكيف، تركزت التجربة الخليجية في الاتجاه نحو النشاط العقاري والسياحي، وحتى تلك القطاعات لم تعكس بيئة المنطقة، ولا إمكانياتها ومواردها الطبيعية.

ويرى خبراء محليون، أن الاستثمار في قطاعات السياحة والعقار بدول الخليج، لو كان راعى البيئة الخليجية بشكل أساسي لكان أكثر جذباً، وأكثر انتشاراً على مساحات واسعة بالخليج.

ومن اللافت للنظر، أن التنوع الاستثماري للخليجيين، حكومات وأفراداً، ينحصر في العقارات والبورصات والمشروعات السياحية ذات الطابع السريع من حيث تحقق العائد، وهو ما خلق دائرة تضخمية كبيرة داخل المجتمعات الخليجية، ولا يعد ذلك تنوعاً اقتصادياً، بل هو تنوع تجاري فقط.

عجز المورد البشري

يعتبر عجز المورد البشري أهم معوقات التنوع الاقتصادي الخليجي، ويتمثل هذا العجز في قلة السكان من جانب، ومن جانب آخر عدم ملائمة العنصر البشري من حيث التوعية التنموية لقضية التنوع الاقتصادي، كما أن مخرجات مؤسسات التعليم الخليجية، والدور الاقتصادي والاجتماعي لدول الخليج يكرسان ثقافة النشاط الريعي.

وحتى حينما فكرت دول مثل البحرين في الاستفادة اقتصادياً من وجود العمالة الوافدة، تم اللعب على الأنشطة الريعية، مثل حصول العمالة الوافدة على إقامة لمدة أطول أو مدى الحياة نظير شراء عقار، أو وحدة سكانية في حدود مبلغ مالي معين، وليس التخطيط لتنوع اقتصادي إنتاجي يمنح نفس الميزة في حالة وجّه المغترب أو الوافد أموالاً بقيمة معينة في الإنتاج النوعي المطلوب، أو الذي يمثل حالة عجز أو نقص في تلك البلدان.

الإمارات أقل تأثراً بتراجع النفط

وأجمع الخبراء على أن أهم الظواهر في “الواقع النفطي الجديد” تتمثل في ضعف قدرة وتأثير منظمة الدول المنتجة للنفط “أوبك”، على ضبط الأسعار وتحديد سقف الإنتاج، مؤكدين أن نجاح سياسات التنويع الاقتصادي، وزيادة الفوائض المالية المحققة من ارتفاع أسعار النفط على مدار الأعوام الماضية، جعلت الإمارات من أقل الدول المنتجة للنفط تأثراً بالتراجع الحالي في سعر النفط.

ودعا أستاذ الاقتصاد في “جامعة الملك فهد للبترول”، محمد السهلاوي، دول الخليج إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي، وزيادة عدد القطاعات المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.

وفيما يخص المخاوف من زيادة المعروض من النفط بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، أكد السهلاوي ضرورة عدم المبالغة في تأثير هذه الخطوة، خصوصاً أن التراجع الحالي لأسعار النفط لم يأت من زيادة المعروض فقط، وإنما جاء من تراجع الطلب أيضاً، نظراً لتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني.

وتوقع أستاذ الاقتصاد، أن تستقر أسعار النفط عند المستويات السعرية المنخفضة الحالية في حدود الـ20 دولاراً للبرميل خلال 2016، ومشددا أن “تخمين” سعر معين للنفط خلال الأعوام القادمة يعد أمراً صعباً للغاية، نظرا لتعدد العوامل المؤثرة في السوق حالياً.

أساليب جديدة للموازنة بين العرض والطلب

ورأى رئيس مجلس إدارة “جمعية الإمارات للمتداولين في الأسواق”، محمّد الهاشمي، أنه من الواضح أن “الواقع النفطي الجديد” سيفضي إلى ظهور أساليب جديدة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب ضمن قطاع النفط والغاز في مختلف أنحاء العالم، متوقعاً تعافي أسعار النفط خلال الربع الثالث 2016.

ودعا الهاشمي الدول المنتجة للنفط إلى التكيف مع “الواقع النفطي الجديد”، لكنه استبعد في الوقت ذاته حدوث ركود وشيك في أسواق المال في المنطقة، لافتاً إلى أن ما يحدث في أسواق الأسهم في المنطقة لا يعكس أساسيات تلك الأسواق، وإنما يعبر عن مشاعر وتخوف المستثمرين.

هبوط النفط فرصة لإصلاحات اقتصادية

واعتبر مسؤولون خليجيون الجمعة خلال منتدى “دافوس” الاقتصادي في سويسرا، أن هبوط أسعار النفط يشكل فرصة لبلدانهم المصدرة للخام لإنهاء نظام الدعم واعتماد إصلاحات اقتصادية.

وقال وزير النفط الكويتي بالوكالة، أنس الصالح: “إنه الوقت المناسب مع انخفاض الأسعار، لخفض الدعم على المنتجات النفطية”.

ورأى الوزير، خلال نقاش حول مستقبل الإصلاحات الاقتصادية في العالم العربي، أن تدني الأسعار يجعل المستهلكين أكثر تقبلاً لرفع الدعم عن منتجات النفط.

بدوره قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي: “إنها فرصة لكي يقوم الناس بما هو مناسب، ألا وهو دفع السعر الفعلي لمنتجات الطاقة”.

وأضاف “علينا أن نعيد التفكير في الإصلاحات الرئيسية التي ستسهم في جعل ميزانياتنا غير معتمدة على العائدات النفطية”.

وذكر المزروعي أنه بعد تحرير الأسعار في يونيو (حزيران) الماضي، تسعى الإمارات إلى رفع الدعم عن منتجات وخدمات أخرى مثل الكهرباء.

وحول بيع الغاز إلى الشركات المنتجة للكهرباء بسعر مدعوم، قال إن “هذا غير صائب”، مشدداً على ضرورة اعتماد أسعار السوق العالمية.

من جانبه، وصف مدير مكتب التنمية الاقتصادية في البحرين خالد الرميحي، تراجع أسعار النفط بقوله “رب ضارة نافعة”، لأنه يوفر “فرصة لتطبيق الإصلاحات”، موضحاً أن تدني أسعار النفط يمكن أن يفضي إلى إصلاحات مالية، و تنويع اقتصاد بلدان النفط الخليجية.

في حين قال الوزير الكويتي إنه في حال عادت الأسعار للارتفاع، على الدول أن تفكر في توفير الدعم “لمن يحتاجون إليه”.

وقررت البحرين، التي تصدر كمية صغيرة من النفط، زيادة أسعار الوقود بأكثر من 50% بعد أن خفضت الدعم على الكهرباء.

وبدأت الكويت ببيع الديزل والكيروسين بسعر السوق بداية 2015. وأكد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح اتجاه بلاده لوقف دعم مواد أساسية كالوقود والمياه والكهرباء، ورفع أسعارها لمواجهة انخفاض أسعار النفط.

واتخذت السعودية، أول مصدر للنفط في العالم، تدابير غير مسبوقة لخفض الدعم عن مشتقات النفط.

ورفعت قطر سعر البنزين 30%، وامتد تخفيض الدعم للسلع الغذائية في سلطنة عمان.

وحسب تقرير “صندوق النقد الدولي” في تقرير عن نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، حول الأوضاع الاقتصادية في الخليج، سوف يبلغ العجز 12.7% من إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج، ويتراجع معدل النمو من 3.4% في 2014 إلى 3.2% خلال 2015، ثم يتزايد تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.7% نهاية 2016

ومن المتوقع أن يتراجع نمو اقتصاديات الخليج إلى 2.7% في 2017.

اقرأ أيضاً: 

ماذا ستعتمد دول الخليج لمواجهة العجز المالي؟

التنوع الاقتصادي يقوي التصنيفات الائتمانية للإمارات

دول الخليج تقلق حول انعكاس ضريبة القيمة المضافة على الاقتصاد