تكشف البيانات المالية الفعلية للعامين الماليين الماضيين، عن أن عجز الموازنات الحكومية في كل بلدان الخليج سيكون أمراً واقعياً، كما أن توقعات العجز في العام المالي القادم تبدو جلية، فكيف سيكون التعامل مع هذا العجز؟
وبين الكاتب والخبير الاقتصادي عامر ذياب التميمي، أن هناك طروح متباينة، أهمها الاقتراض من أسواق المال من طريق إصدار سندات وأذون خزينة، نظراً إلى انخفاض تكاليف الاستدانة، وتوافر أموال تبحث عن قنوات تمويل في القطاع المصرفي ببلدان المنطقة، كما أن السندات والأذون ستكون من أدوات التوظيف الجذابة لكثير من مؤسسات الاستثمار، بحسب صحيفة “الحياة”.
خفض الإنفاق العام
واعتبر التميمي، أن الاستدانة لتمويل العجز ليس أمراً جديداً، إذ ثمة سابقة خلال ثمانينات القرن العشرين عندما تراجعت أسعار النفط في طريقة دراماتيكية، ويمكن حكومات بلدان المنطقة أن تسحب من احتياطاتها المالية، وربما تسييل أصول لمواجهة العجز.
وأوضح أنه في حال اعتماد حل الاستدانة والسحب، فإن أمام هذه الحكومات سيناريو ترشيد الإنفاق.
وطرح خبراء محليون وأجانب ومؤسسات مالية مثل “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”، أهمية مراجعة آليات الإنفاق وأدواته، وضرورة إعادة النظر في السياسات المالية المتبعة، والعمل لتخصيص العديد من الأعمال والنشاطات التي تضطلع بها الدولة.
وأكد المختصون ضرورة ترشيد مخصصات الدعم في هذه البلدان، وتطوير الآليات التي يمكن أن تفعّل خفض استهلاك الوقود والكهرباء والمياه، من خلال رفع التكاليف التي يتحملها المستهلكون بكل فئاتهم.
وبين الخبير، أن خفض الإنفاق العام في أي من دول الخليج، لا بد من أن يصيب نشاط القطاع الخاص بالتباطؤ، نظراً إلى دور الحكومات في الاستثمار، وخلق التراكم الرأسمالي من خلال مشاريع البنية التحتية، والمرافق والخدمات التعليمية والصحية وغيرها، التي تقدّم إلى القطاع الخاص إمكانات التعاقد لتنفيذها أو تأمين مستلزماتها من البضائع، والسلع، والخدمات اللوجستية والاعتيادية.
تعزير دور القطاع الخاص
ويمكن أن تعمل حكومات بلدان الخليج لتعزيز دور القطاع الخاص في مسائل تشغيل اليد العاملة الوطنية، ما يتطلب عملية التخصيص، وتشجيع المواطنين على العمل في مؤسسات القطاع الخاص، وتقنين الاعتماد على العمال الوافدين.
وشهدت أسواق المال في الخليج، تراحع معدلات التداول اليومية والسيولة، كما فقدت نسباً لا بأس بها من قيمها الرأسمالية، لذا يجب إعادة النظر بسياسات التمويل في البنوك، خصوصاً تلك المتعلّقة باقتناء الأصول المالية أو العقارية.
وستكون هذه الاحتمالات واقع إذا عادت الثقة إلى القطاع الخاص، وتبنت الحكومات سياسات إصلاح ملائمة تعزز دوره في النشاط الاقتصادي، أو اتبعت سياسات تحفز الإنفاق الرأسمالي وتشكّل بيئة استثمارية جاذبة تمكّن من تطوير الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص من أجل إنجاز المشاريع التنموية.
الاستفادة من القطاعات الحيوية
ويمكن دولة الأمارات أن تستفيد من التطور في قطاع السياحة، وتعمل لتنمية موارده وتوظيف أعداد لا بأس بها من المواطنين في هذا القطاع الذي يدار بغالبيته من القطاع الخاص.
ويأخذ قطاع إنتاج الطاقة الكهربائية بالتوسع في بلدان مثل الإمارات، والكويت، والسعودية، وقطر، ما يقدم فرصاً جيدة لإنجاز برامج التخصيص، وتوظيف رؤوس الأموال الخاصة المحلية والأجنبية.
أما قطاع الرعاية السكنية الذي تتولى الحكومات دوراً أساسياً فيه، فهو أيضاً قابل للهيكلة ودعم دور القطاع الخاص، بما يقدم فرصاً للتمويل المصرفي، ويتيح للمصارف قنوات مهمة لتوظيف الأموال، ويمكن طرح إمكانات مشابهة في قطاعي التعليم والرعاية الصحية.
وتملك قطاعات النفط والطاقة في بلدان الخليج، إمكانات جيدة للاستثمار الأجنبي، فأسعار النفط المنخفضة تجعل حقول النفط في الخليج أكثر جاذبية من الحقول الأخرى، سواء في البلدان التي تنتج النفط التقليدي، أو تلك المنتجة للنفط والغاز الصخريين الأعلى كلفة.
إجراءات الترشيد تخفض العجر إلى 4%
توقع “صندوق النقد الدولي”، أن يصل العجز في الموازنات الحكومية لدول الخليج إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2015، وقد يتراجع إلى 4% بحلول 2016 بعد اتخاذ إجراءات الترشيد.
وقدر “بنك الكويت الوطني”، قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بنحو 1.68 تريليون دولار خلال 2015، وأن تصل إلى 1.77 تريليون دولار بحلول 2016.
ووفقاً لأرقام الميزانية السعودية الفعلية منذ 2008 وحتى 2014، أخذ الإنفاق منحى تصاعدي، رغم تذبذب أسعار النفط خلال هذه الفترة، فإنفاق 2009 كان أعلى من إنفاق 2008 رغم التراجع الحاد للنفط خلال 2009.
ويبلغ مجموع الانفاق في موازنة قطر 2016 نحو 202.5 مليار ريال، مقابل 218.4 مليار خلال 2015، وتعتزم قطر إجراء تخفيضات في أبواب المصروفات الجارية، والمصروفات الرأسمالية، مع زيادة الانفاق في مجال المشاريع الرئيسية قيمته 3.3 مليار ريال.
وتوقعت قطر أن يصل العجز في موازنتها لـ2016، إلى 46.5 مليار ريال (12,77 مليار دولار)، مع تراجع الايرادات في ظل هبوط اسعار النفط والغاز.
وتشير الموازنة إلى أن ايرادات 2016 ستبلغ 156 مليار ريال (42,85 مليار دولار)، في مقابل 226 مليار ريال (62,07 مليارا) السنة الجارية.
إلى ذلك، أقرّ “مجلس الوزراء” الإماراتي، موازنة إتحادية لـ2016 أصغر حجماً من موازنة العام الجاري بنسبة 1.3%.
وتم خفض الموازنة الاتحادية للعام القادم إلى 48.5 مليار درهم (13.2 مليار دولار)، وهي موازنة بلا عجز متوقع، انخفاضاً من 49.1 مليار درهم موازنة 2015.
اقرأ أيضاً:
النقد الدولي يتوقع نمو العجز المالي في الخليج 13%
تراجع سعر النفط الخام قد يؤدي الى عجز مالي في دول الخليج العربية