اختارت «السفير» أن يكون دخولها سنتها الأربعين مناسبة لاستعراض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومدى تأثرها بالأجواء السياسية المعقّدة، لاسيما في ظل التداعيات الخطيرة للتحولات الجارية في المنطقة من حولنا، والتي تتّشح بالدماء في حالاتٍ كثيرة. وهكذا نظّمت سلسلة من المحاورات المفتوحة مع الهيئات الاقتصادية والمؤسسات التجارية والقطاعات النقابية، لنعرف أين يقف لبنان الآن؟ وما يتهدّده من مخاطر؟
تلامس هذه الحوارات موقع الدولة والقطاع العام من التحولات الجارية أو المتوقعة، كذلك موقع القطاع الخاص بمؤسساته وهيئاته المختلفة.
وتنوّه «السفير» بأنّ هذه المؤسسات جميعاً قد لبّت الدعوة إلى الحوار، وطرحت مشكلاتها وهمومها وموقف الدولة منها، بصراحةٍ مطلقة، مقدّمةً مقترحاتها الممهدة للخروج من المناخ المأزوم، والتقدم بالاقتصاد مع معالجة مشكلات القطاعات المختلفة. ولسوف تنشر «السفير» خلاصات هذه المناقشات تباعاً، لعلها تفيد في اكتشاف طريق الحل، خصوصاً أنها تتزامن في الفترة الفاصلة بين حكومتين وربما بين نهجين في ممارسة السلطة في زمن الاضطراب. هنا، عرض لوقائع الندوة الحوارية مع «نقابات القطاع السياحي» ممثلة بنقيب «أصحاب الفنادق» بيار الأشقر، نقيب «أصحاب مكاتب السفر والسياحة» جان عبود، نقيب «أصحاب المطاعم والمقاهي والباتيسري» بول عريس، نائب رئيس «نقابة المؤسسات السياحية البحرية» نزار ألوف.
«الديليفري» 40 % من مداخيل المطاعم
قبل أن يستعرض الأشقر واقع القطاع السياحي وهمومه، شاء المشاركون في اللقاء، الحديث بدايةً، عن جانب من عادات الجيل الحالي، الذي برأيهم يساهم من دون أن يقصد، بزيادة أعداد المطاعم. فبعدما يعقد الأشقر مقارنة بين الماضي والحاضر، معتبرا أن الجيل الحالي لا يكاد «يعرف يقلي بيضتين»، يكشف عريس أن حوالي 40 في المئة من مداخيل المطاعم هي من خدمة «التوصيل إلى البيوت» (الديليفري).
أما عبود فيركز على جانب آخر، وهو مبيع تذاكر السفر عبر الانترنت، موضحا أن معدل المبيع عالمياً يبلغ حوالي 750 مليون دولار عبر الانترنت، 5 في المئة منها عربيا فقط، على الرغم من وجود عروض مشجعة لذلك. من 2500 غرفة إلى 18 ألفا، يرى الأشقر أن السياحة تساهم بتعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي بين الشعوب، كما تعزز التعاون الاقتصادي بينها. وفي هذا الإطار، يعود سياحياً إلى العام 1990، مشيرا إلى أن قطاع الفنادق بعد انتهاء الحرب، كان يضم حوالي 2500 غرفة معظمها على مستوى دولي، بينما اليوم هناك 18 ألف غرفة على مستوى دولي، فضلا عن ثلاثة آلاف غرفة تحت الانشاء.
وإذ يؤكد أن السياحة قاطرة الاقتصاد، يرى أن العرب عموماً والخليجيين خصوصا، بعدما تعرفوا إلى خدماتنا وعاداتنا، بدأوا يستثمرون في البلد، فاستأجروا البيوت بدايةً، وما لبثوا أن بدأوا يشترون البيوت بكثرة في بيروت والجبل. ويذكّر هنا، بالأزمة العقارية التي شهدها لبنان، بسبب إقبال المغتربين اللبنانيين والخليجيين على شراء العقارات.
ويشير في هذا الجانب، إلى أن معظم المؤسسات السياحية الكبيرة، لم تعد ملكيتها فردية أو تقتصر على اللبنانيين، إذ أصبح رأسمالها موزعا على عدد من الشركاء، 40 في المئة منهم من الخليج. لكن ما لبثت هذه المعادلة أن تغيرت، وفق الأشقر، مع بروز شركاء من المغتربين اللبنانيين في افريقيا، ما أحدث توازنا بين العرب والمغتربين عموماً، باستثناء من هاجر إلى الغرب، إذ هؤلاء «لم نر منهم شيئاً» يقول الأشقر. إنما «كل هذا يتغير الآن»، بحسب عريس، الذي يعلق قائلا: «بعض المغتربين اللبنانيين اليوم، بدأوا بتوكيل محامين لبيع ممتلكاتهم، كي لا يعودوا إلى البلد».
«11 سبتمبر» والتحذير الخليجي
يبدأ الأشقر بتعداد الصعوبات التي واجهها القطاع بدءا من العام 2001، فيشير إلى التداعيات السلبية لحادثة 11 أيلول في أميركا، وتأجيل المؤتمر الفرنكفوني إلى العام 2002، ثم الحرب على العراق في العام 2003، واقفال الأجواء، وصولا إلى اغتيال الرئيس رفيق حريري في العام 2005، والعدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، وتفاقم الأحداث الأمنية والتوترات طوال عامي 2007 و2008 وما تخللهما من اقفال للمطار.
وبعد عامي 2009 و2010 اللذين كانا مميزين من ناحية النمو والاستقرار، استهل العام 2011 باسقاط الحكومة وتفاقم الوضع الأمني في سوريا، فكانت الأشهر الثلاثة الأولى سيئة جدا، لكن بعد تأليف الحكومة بدأ الوضع يتحسّن تدريجا، إذ «كلما كان هناك صورة واضحة للدولة، ينعكس ذلك إيجابا على النشاط التجاري والاقتصادي والسياحي».
ويمضي الأشقر قائلا: أما في العام 2012، فقد تفاقمت حدّة المشاكل في أكثر من منطقة، فضلا عن عمليات الخطف والإقفال المتكرر لطريق المطار، ما دفع دول الخليج إلى تحذير مواطنيها من السفر إلى لبنان، ما أفقدنا الأمل في استعادة الأسواق السياحية التقليدية، بعدما تراكمت خسائرنا المتواصلة في سيّاح البر (أغلبهم من سوريا، الأردن، العراق، إيران) منذ صيف العام 2011، والمقدّر عددهم بحوالي 350 إلى 400 ألف سائح سنوياً.
وبعدما يشير إلى أن نسبة الأوروبيين من إجمالي السياح حوالي 40 في المئة، يؤكد أنه «حتى اللحظة لا يوجد أرقام صحيحة»، مضيفا «إذا أردنا أن نطلق حملات تسويقية، لا نعرف الجهة التي نريد التسويق فيها، وكل الإحصاءات التي نبني عليها مؤشراتنا فعلياً، هي حصيلة عينات من عدد من الفنادق في بيروت والمناطق، موزعة حسب النجوم».
هنا يستدرك ليقول: إنما اللافت للانتباه في هذا السياق، أن نسب التشغيل متقاربة بين فنادق النجمة الواحدة والنجوم الخمسة، إذ يتبين دائما، أن نسب التشغيل لهذه الفنادق ترتفع معاً وتهبط معاً أيضاً، لكن لا شك، أن هناك مؤسسات فندقية تستحوذ نزلاء أكثر من مؤسسات أخرى».
«ملوك الفرص الضائعة»
لا ينفك الأشقر يردد «نحن ملوك الفرص الضائعة»، مذكّرا أنه كان في الإمكان أن يستقطب لبنان استثمارات مصرية وتونسية وليبية وسورية، إلا أنه خسر كل ذلك لمصلحة دول أخرى.
في هذا السياق، يقول: «بالنسبة إلى السوريين الموالين للنظام أو المعارضين له، يخاف الجانبان من الاستثمار في لبنان، خصوصا الأثرياء منهم». لكن، وعلى الرغم من ذلك، هناك رجال أعمال من سوريا يعقدون اجتماعاتهم ولقاءاتهم مع عملائهم في الخارج، في بيروت، وهذا ما يؤدي إلى تحسن طفيف في النشاط السياحي عموما. أمام هذا الوضع، يجمع المشاركون في اللقاء أنه برغم تراجع الأعمال، لم يشهد القطاع عمليات صرف واسعة للموظفين؛
- أولاً: لأن هؤلاء، خصوصاً المدربين منهم، إذا تركوا العمل وهاجروا، من الصعوبة إيجاد موظفين يتمتعون بكفاءاتهم.
- ثانيا: لا نعرف متى تنتعش الحركة فجأة، وتاليا القطاع بحاجة إلى من يواكب ذلك، وقد حدث ذلك أكثر من مرة في السابق.
«الموظف يذوب مثل الثلج»
في نبرة آسفة، يقول الأشقر: «خسرنا نخبة موظفينا في سنوات الأزمات والحروب... وحالياً، الموظف يذوب مثل لوح الثلج... ويتملكه اليأس من البلد. أما الجيل الجديد من المتخرجين، فكله يبحث عن فرصة عمل في الخارج».
وليتجنب القطاع السياحي مسألة صرف الموظفين، يعمد، كما يفيد مشاركون في اللقاء، إلى إقفال أقسام من المؤسسات، فمثلا مع اشتداد الأزمة، يقفل صاحب المؤسسة طابقا ثم طابقين وثلاثة طوابق، «في انتظار الفرج».
ليس بعيدا من ذلك، يقول ألوف: المشاكل هي نفسها في جميع المؤسسات الفندقية، إذ نتيجة تدني نسبة الاشغال المتواصل، يبدأ التفكير بالاستغناء عن موظفين، وتأخذ المشكلة منحى آخر، حيث عند عودة الاستقرار لا تجد البديل المناسب للموظف الذي صرفته. يضيف: هناك وسائل أخرى، فمثلا المؤسسات السياحية البحرية، تعضّ على الجرح عبر نقل موظفين من العمل في المبنى إلى المسابح والشواطئ صيفاً، للحد من تفاقم التكاليف.
وإذ يشير إلى عدم نمو فرص العمل في القطاع، يكشف أن بعض المؤسسات تغامر في التوظيف، وفي تدريب موظفيها في الوقت نفسه، لافتا الانتباه إلى أن معظم خريجي المعاهد الفندقية يغادرون لبنان للعمل في الخارج.
«الطبيب الشاطر»... والمرضى
يتوسع ألوف في الحديث عن صعوبة إيجاد تخصصات أساسية في القطاع الفندقي، مثل رئيسة طوابق، مدير مبيعات... حتى مدير فندق، «لأن الأكفاء منهم يهاجرون».
ويركز على جانب مهم في القطاع، وهو «نفسية العمل»، فـ«مهنتنا مهنة خدمات، والتفاعل مع النزيل، وعندما لا نجد هذا النزيل، يعمّ الاحباط، وينتابنا إحساس الطبيب الشاطر الذي لا يأتيه مرضى».
هنا يشير عريس، إلى الوضع المأساوي الذي تشهده المؤسسات السياحية في المناطق الجبلية، «فلا سياح عرب يأتون، ولا أهالي بيروت يصعدون لتمضية إجازاتهم في الجبل، كما كان يحدث ذلك تاريخياً»، فضلا عن ذلك «معظم العائلات اللبنانية المقيمة في دول الخليج، تجنبت القدوم إلى لبنان بعد قرار الحذر الخليجي، خوفاً على وضعها هناك، وخوفاً أن يحدث شيء في لبنان، ولا يعد في إمكانها العودة بعد انتهاء الإجازة».
في هذا السياق، يوضح الأشقر أن «السائح الخليجي والأردني والسوري وحتى اللبناني المغترب... كان يقيم في الفندق طوال شهري تموز وآب، إنما تغير الوضع، نتيجة الأحداث المتتالية من جهة، ونتيجة العروض السياحية المغرية للسفر إلى دول مثل تركيا واليونان وغيرهما».
ويعلق قائلا: «كان ابن الاشرفية والبسطة، يقصد مناطق الجبل لتغيير جو، والتمتع بحياة القرية، لكن نتيجة العمران العشوائي بعد الحرب، صارت منطقة برمانا مثلاً، لا تختلف عن الأشرفية، لذا بدأ يقصد المناطق الأبعد مثل فقرا والأرز». ويستدرك: «لو تمكنوا أهالي البقاع من خلق سياحة تعتمد على مقومات القرية التقليدية فقط، لاستفادوا كثيرا من هذا التحول»، مضيفا: «الجيل الجديد لا يرى دجاجة...».
80 مؤسسة بحرية
يتغير مسار الحديث، فيوضح ألوف أن «عدد المؤسسات السياحية البحرية لا يتعدى 60 مؤسسة، ومع احتساب المجمعات يرتفع العدد إلى حوالي 80 مؤسسة فقط». ويكشف أن «مداخيل هذه المؤسسات، لاسيما من أقسام المسابح، تراجعت أكثر من 20 في المئة، لعدم وجود سائح عربي، وضعف القوة الشرائية لدى شرائح واسعة من اللبنانيين».
هنا يشير الأشقر إلى تأثير سلبي آخر، وهو «عدم اقتصار الدخول إلى مسابح الجيش على الضباط فحسب، بل شرعت أبوابها لشرائح أخرى من اللبنانيين، وذلك لأسباب تمويل التوسعات، ما أدى إلى استقطاب هذه المسابح نسبة عالية من رواد البحر، مستفيدين من رخص الأسعار إن كان من ناحية بطاقة الدخول أو الأكل والشرب». ويضرب مثلا على ذلك «سعر قارورة المشروبات الغازية التي تقدم في مسابح الجيش 750 ليرة، بينما يبلغ سعرها في مسابحنا 3 آلاف ليرة، وقس على ذلك».
وبعدما رضخ القطاع السياحي للأمر الواقع، «بعد تواصله مع قيادة الجيش، ومعرفة التزاماته المالية»، يلفت الأشقر الانتباه إلى أن «مسابح الجيش التي لا تعاني من مشكلة موظفين، وأعباء تشغيلية، تستقطب أكثر من 8 آلاف شخص في الإجازة الأسبوعية».
«هل لبنان جزيرة منعزلة؟»
أما في موضوع المخالفات البحرية، فبعدما يعتبر الأشقر أن معظم المخالفات هي في قطاع المطاعم، مقارنة مع قطاع الفنادق والمسابح والمجمعات البحرية، يوضح ألوف أن «المشكلة التي يواجهها القطاع هو عدم فهم الدولة لطبيعة السياحة البحرية، لاسيما على صعيد المشترع، فضلا عن الاعلام».
ويسأل: «هل لبنان جزيرة منعزلة من ناحية الاقتصاد السياحي، وله طريقة فريدة في العالم، أو يتبع ما هو متبع عالمياً، لاسيمافي دول تعتمد على القطاع السياحي مثل مصر وقبرص وتركيا واليونان وسوريا؟».
يقول ألوف: «في لبنان، لا يوجد قانون واضح للتعاطي مع الشواطئ البحرية، وهناك استنسابية في اعطاء الرخص، فلا نعرف على أي أساس تُعطى أو تُمنع».
يتوسع في هذه النقطة، ليشير إلى أن هناك مؤسسات بحرية غير مخالفة مثل فندق الريفييرا الذي لديه مرسوم موقع من الرئيس الراحل كميل شمعون، وهناك مخالفات بحرية صغيرة، معظمها وقع خلال الحرب الأهلية، فضلا عن مخالفات عشوائية، ظهرت نتيجة الهجرة من القرى إلى المدن.
وبعدما يشدد على أهمية تنظيم الحكومة لهذا الوضع، يقول ألوف: «لكن الذي حدث في إقرار الحكومة أخيرا، مشروع تمويل سلسلة الرتب والرواتب، أن المعالجة جاءت كارثية، إذ وفق مشروع القانون، يدفع المخالف التسوية المالية، إنما يبقى مخالفاً، ما يعني أن الدولة تقول لنا: لا تريد مشاريع سياحية، ولا سياحة بحرية». ويشير إلى أنه «من أبرز التأثيرات السلبية الناجمة عن مثل هكذا قرار مثلاً، هو عدم قدرة أصحاب المؤسسات الاستفادة من قروض المصارف».
هنا يقول الأشقر: «باستثناء الرئيس رفيق الحريري، لم يضع أحد من المسؤولين خططا اقتصادية تلحظ بناء مشاريع».
750 وكيل سياحة وسفر
على صعيد قطاع مكاتب السياحة والسفر، يوضح عبود أن «هناك تخمة في القطاع، إذ هناك 750 وكيل سياحة وسفر في لبنان، مقابل 700 في مصر مثلاً»، مشيرا إلى أن «كل وزير يأتي إلى الوزارة يعطي خدمات تراخيص بقدر ما تريد».
وفيما يعتبر أن القوانين المتعلقة بالقطاع السياحي، مهترئة وتحتاج إلى تحديث، يشير إلى أن «هناك نموا في قطع التذاكر يبلغ حوالي 17 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى مقابل الفترة نفسها من العام الماضي، لاسيما بعدما صار ممكناً بيع التذاكر إلى الخارج، إلكترونياً، من دون نسيان أهمية السوقين السوري والعراقي في هذا الإطار». لكن يستدرك عبود قائلا: «هذا النمو ظرفي، ولا يمكن البناء عليه، في ظل تراجع في العديد من الأسواق التي كان لبنان يعتمد عليها سياحياً».
يلحظ عبود في هذا السياق، تفاقم الهوس الأمني لدى السياح، فالسؤال الأول الذي يطرحونه: «هل سيبقى المطار مفتوحاً؟.
ويرى عبود أن مسؤولية فشل التسويق السياحي تتحمله الحكومات المتعاقبة كافة، وليس وزراء السياحة، إذ ولا حكومة اعتبرت أن وزارة السياحة حقيبة مهمة، والدليل أن ميزانيتها لا تتجاوز 0.04 في المئة، لا تكفي لسداد رواتب موظفيها.
في مسألة المعارض السياحية الإقليمية والدولية، يلحظ عبود أن الدول تخصص ميزانيات ضخمة للترويج السياحي، ومنها عبر مشاركتها في هذه المعارض، بينما نحن في القطاع الخاص، نستدين للمشاركة.
المعارض و«قصّ الشريط»
هنا يشرح الأشقر، عن المشاركة اللبنانية في المعارض السياحية، إذ بعد أن تستأجر المؤسسات السياحية أجنحة لها في هذه المعارض، يأتي الوزير يوم الافتتاح، يقصّ الشريط، يتصوّر مع المسؤولين عن الأجنحة، يجول في المعرض، ثم يعود إلى لبنان. ويعلق الأشقر قائلا: أي كأننا لم نفعل شيئاً.
وبعدما يعتبر عبود أن المشكلة تكمن في غياب الترجمة الحكومية لمعنى: «السياحة نفط لبنان»، يؤيد الأشقر ما قاله عبود من ناحية عدم وجود ميزانية كافية لأن تمارس الوزارة المهام المطلوب منها. لكن يضيف إلى مسألة التسويق، أن الأساليب المتبعة لبنانيا، ما زالت قديمة، ولم تلحظ التطورات الحاصلة في هذا المجال. يتوسع الأشقر في هذه النقطة، مذكّرا بالاجتماع الذي عقد بين الوزراء المعنيين في لبنان وسوريا وتركيا والأردن، لربط هذه الدول سياحياً، لكن ما حدث أن 100 ألف لبناني قصدوا تركيا مثلاً، مقابل 50 تركياً زار لبنان.
يلفت الانتباه هنا إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذه الدول وغيرها، لا معلومات لديها عن السياحة في لبنان. ويذكر أنه قصد تركيا أخيرا، والتقى عددا من المعنيين في القطاع، وقد لاحظ في خلال جولته على عدد من مكاتب السياحة والسفر التركية، أنها تفتقر إلى أدنى المعلومات عن لبنان.
كتيبات الترويج في المستودعات
يضيف الأشقر: بعد عودتي، قصدت الوزارة، لأسأل عن الكتيب الترويجي عن لبنان، المترجم إلى اللغة التركية، ولماذا لم يسوّق هناك؟ فصدمت عندما علمت أن الكتيبات في المستودعات، وتعطى لمن يسأل عنها!
هنا يقول عريس: سألنا وزارة الخارجية عما تفعله بالنسبة للترويج السياحي؟ فكان الجواب: أننا نرسل المنشورات والصور الدعائية عن لبنان للسفارات، لكن توضع في المستودعات أيضاً. يضيف: عرضنا على وزارة السياحة، أن تطبع منشورات وتوزعها على حوالي 10 آلاف مطعم لبناني في بلاد الاغتراب عبر سفاراتنا في الخارج، لكن جاء جواب الوزير: لا يوجد موازنة. فقلت: الوزارة تطبعها، ونحن نوصلها إلى هذه المطاعم، فكلفتها لن تصل إلى كلفة سفرة واحدة تكبد الخزينة 300 و400 ألف دولار. ويعلق عريس: المشكلة أنه لا يوجد إستراتيجية للوزارة.
يسأل الأشقر: ما الجدوى من التسويق السياحي على قناة الـ«سي.أن.أن»؟ مضيفا: الأفضل أن نضخّ إعلانات عن لبنان بقيمة 200 ألف دولار مثلاً، عبر الشاشات التركية وبلغتهم، وعبر الشاشات العربية والخليجية، بدل من وضعها في أماكن أثبتت عدم جدواها.
ويعقد مقارنة أخرى بين الترويج السياحي في لبنان والأردن، مؤكدا أنه لم تعقد شراكة فعلية مع وكالات السياحة الأردنية، برغم أن السوق الأردني من الأسواق الأساسية في السياحة اللبنانية. في ما نجد أن هناك عروضا أردنية متواصلة، ترعاها وتدعمها الحكومة وليس الوكالات، فضلا عن ذلك هناك مراجعة مستمرة وتقييم للنشاط السياحي، ويوجد محاسبة، بينما نحن لسنا قادرين حتى اليوم، أن نتفق على جدوى المجلس الوطني لإنماء السياحة. ويشير في هذا السياق، إلى أن اجتماعا عقد مع وزير السياحة للتباحث حول إطلاق مجلس جديد للترويج، وتوسيع دائرة تمويله من قبل المصارف والصناعيين فضلا عن نقابات القطاع السياحي، وأن يتم تخصيص قسم إعلامي وآخر إعلاني يديره اختصاصيون، بالتعاون مع «ايدال».
يضيف الأشقر: طلبنا من الوزارة أن نضع موازنة لهذا المجلس مناصفة. لكن ما حدث، أن الوزير أراد أن يكون هو رئيس الهيئة، وكأنه باق إلى الأبد، وأن تسّلم الهيئة الأموال إلى الوزارة. وفي الخلاصة تتحول الهيئة إلى مكتب استشاري للوزير.
هنا يقول عبود: وكان من الاقتراحات لتمويل الهيئة، 1 في المئة من الضريبة على القيمة المضافة تدفعها المصارف، ورسم إضافي على دخول الركاب وخروجهم، ما يعادل حوالي 5 آلاف ليرة... وغيرها من الاقتراحات الممكن تنفيذها من دون أن تكبد الخزينة شيئاً، إلا أن كل هذا سقط، لأن المعنيين يعتبرون أن الهيئة ستأخذ دورهم.
يشارك ألوف في النقاش، موضحا أن دور الوزارة يبقى أساسيا، ولا يمكن الاستغناء عنه، فمن مهامها، تنظيم القطاع، ومراقبة الخدمات السياحية.
وبعدما يسأل عبود: ما هي أهمية المجلس الوطني؟ يوضح أن مهمته هو تصدير السياح، والاتصال بالمصدرين الكبار الذين يتأثرون بالمناخ السياسي، فمن مهام المجلس تقديم الضمانة لهم وطمأنتهم، وتشجيعهم، والأهم أن يساهم بوضع لبنان على خارطة السياسة السياحية العالمية.
ينتقل ألوف إلى نقطة أخرى، فيشير إلى أنه «أخيراً، أعلن الوزير فجأة، عن إطلاق حملة حسم 50 في المئة لخمسين يوما، من دون أن يتصل بنا، أو ينسق معنا كنقابات معنية بالقطاع.
يعلق الأشقر قائلا: سألت الوزير كيف تعلن عن الحملة؟ ومن هو الشريك الإستراتيجي؟ ويضيف: لكن، وعلى الرغم من ذلك، وافقنا على الحملة، وأيدناها، لأن القطاعات السياحية كانت تقدم عملياً، حسومات 50 في المئة وأكثر من هذه النسبة، بسبب تراجع الأشغال.
8 آلاف مطعم
على صعيد المطاعم، فبعدما يبرز عريس، التأثيرات السلبية التي نتجت من تطبيق قانون منع التدخين على المطاعم اللبنانية، يؤكد أن لا أحد يعلم العدد الفعلي للمطاعم في لبنان، لا النقابة ولا الوزارة، إنما الرقم التقديري هو حوالي 8 آلاف مطعم يعمل بشكل دائم وموسمي، لافتا النظر إلى أن هناك العديد من المؤسسات السياحية تقفل أبوابها، وبعضها يُزال، إنما تبقى ملفاتها موجودة في الوزارة، ما يعني لا تحديث للمعلومات.
يكشف عريس أن 70 في المئة من المطاعم تعمل من دون ترخيص، مشيرا إلى أنه بعد العام 2000، لاحظنا إقبالا على الاستثمار في المطاعم، وكان الطلب كبيرا داخليا وخارجيا، ما أدى إلى بروز أنواع عديدة ومختلفة من المطاعم.
وأمام الصعوبات التي واجهت المطاعم الجديدة في وسط بيروت بعد موجة الاغتيالات في العام 2005، والعدوان الإسرائيلي في العام 2006، والاعتصامات في قلب بيروت، خرجت مطاعم من الوسط التجاري وانتشرت في المناطق مثل: الحمرا، جل الديب وانطلياس.. وغيرها. أما أبرز المساهمين في دعم القطاع، وفق عريس، هم ثلاثة أشخاص: الرئيس رفيق الحريري، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس مجلس إدارة «كفالات» خاطر بو حبيب، إذ تعد «كفالات» الرافعة الحقيقية لانتشار المطاعم في لبنان، ودعمها عبر القروض الطويلة الأمد التي تمنحها. لكن، مقابل هذه «الحسنات»، هناك «سيئات»، إذ ينتقد عريس، غياب التخطيط، وتكدس المطاعم والملاهي في منطقة واحدة، مثلما حدث في منطقتي مونو والجميزة، ما أدى إلى وقوع العديد من الأزمات، منها مشاكل مع سكان المناطق، ومشاكل في البنى التحتية لاسيما في الطاقة الكهربائية والمياه، والصرف الصحي، فضلا عن الطرق غير المؤهلة لاستيعاب سيارات الزبائن.
يوضح الأشقر في هذا الإطار: أننا طلبنا الاستفادة ليلاً، من موقفي شارل الحلو ومؤسسة كهرباء لبنان القريبين من الجميزة، لكن لم نتمكن من التوصل إلى شيء نتيجة غياب التنسيق بين الجهات المعنية، لاسيما وزارات السياحة والأشغال العامة والطاقة، علما أننا لم نطالب الدولة ببناء مواقف جديدة، إنما تمكين المطاعم من الاستفادة من مواقف مقفلة ليلاً. يعود عريس ليشير إلى أن القطاع تخطى العديد من العراقيل والكوارث، فعلى الرغم من خسارته حوالي 6 آلاف اختصاصي في السياحة من خيرة الشباب، هاجروا إلى الخليج، وعلى الرغم من إقفال عشرات المطاعم لعدم تمكنها من تكبد المزيد من الخسائر، يسجل افتتاح العديد من المطاعم الجديدة. ويخلص عريس للقول: «القطاع يعاني من فقر في اليد العاملة المتخصصة، فنخبة خريجي المعاهد الجامعية تغادر إلى الخارج».