إيفان سبيجل يحدق في أرض بورصة نيويورك للأوراق المالية، بينما يصوره المتفرجون وهو يرتدي نظارات شمسية تصنعها شركته. بعدها ضغط على جرس الافتتاح في اليوم الأول لـ "سناب" باعتبارها شركة مساهمة عامة.
كان يرتدي بدلة رسمية وربطة عنق، على خلاف التقليد المتبع لدى عمالقة شركات التكنولوجيا، ويبتسم ابتسامة عريضة. وعلى عكس أكبر منافس له، لم يقدم أي تصريحات كبيرة حول إمكانية تغيير شركته للعالم.
قبل نحو خمس سنوات، استهل مارك زوكربيرج اليوم الأول من تداول "فيسبوك"، مرتديا بلوزة رياضية متصلة بطاقية، متوليا دور الحالم الذي يتصور رؤى التكنولوجيا. قال حينها: "مهمتنا ليست أن نكون شركة مساهمة عامة. مهمتنا هي جعل العالم أكثر انفتاحا وأكثر اتصالا".
المغايرة والتمايز لا ينتهيان عند هذا الحد: كانت فيسبوك شركة مربحة عند طرحها للاكتتاب العام، على عكس سناب، التي فقدت مزيدا من المال في العام الماضي، بدلا من توليده. لكن المستثمرين الذين دفعوا شركة سبيجل إلى قيمة سوقية تجاوزت 28 مليار دولار بحلول نهاية جلسة التداول يوم الخميس، يأملون بوضوح أن تقلل "سناب شات" من هيمنة فيسبوك على الإعلان على شبكة الإنترنت، خصوصا مع المستخدمين الأصغر سنا.
سناب - مالكة سناب شات، وهو تطبيق معروف لدى الشباب برسائله التي تختفي - تريد أن تكون أول شركة تتصدى بنجاح لفيسبوك، التي تبلغ قيمتها الآن نحو 400 مليار دولار. والسؤال هو ما إذا كانت قاعدة المستخدمين الموالية لها والتكنولوجيا الذكية ستكونان كافيتين، أم أنها ستتبع مسارا مخيبا للآمال لشركة أخرى كانت ترغب في تكون منافسا لفيسبوك هي تويتر؟
سبيجل استجلب المقارنات بفيسبوك. فقد أقر بأن سناب لا يمكن أن تصل إلى مستوى قاعدة المستخدمين النشطين يوميا على الشبكة الاجتماعية، البالغ عددهم 1.2 مليار. بدلا من ذلك يصر على أن جمهورا أصغر وأكثر انتقائية – لدى سناب شات 158 مليون مستخدم يوميا – يعد نقطة إيجابية.
قال سبيجل في شريط فيديو للمستثمرين: "أحد التحديات التي تواجهنا مع مرور الوقت أن نشرح للناس لماذا الأكبر ليس هو الأفضل". وفي إشارة انتقادية إلى فيسبوك، رفض الشريك المؤسس البالغ من العمر 26 عاما، فكرة أنه إذا كان لديك المزيد من الأصدقاء أو المتابعين "فإن حياتك ستكون أفضل". بدلا من ذلك، لدى سناب "تركيز لا هوادة فيه" على ضمان اختيار المستخدمين للأشخاص الذين يضيفونهم بعناية، على أمل أن يقضي الناس المزيد من الوقت في التطبيق، لأنه مخصص للتواصل مع أصدقائهم المقربين. خاصية رسائل الصور التي تختفي في التطبيق تسمح للناس بالدردشة مع الصور وارتياحهم لكونهم على طبيعتهم بدلا من إنشاء ملف محفوظ للأجيال المقبلة.
والأمل هو أن هذا الجمهور الشاب المشارك سيكون جذابا للمعلنين. أكبر فئة عمرية لسناب هي من الأمريكيين الذين تقع أعمارهم بين 18 و24 سنة. وأكثر من 60 في المائة من مستخدمي التطبيق يعيشون في أفضل عشر أسواق للإعلانات، بحسب ما جاء في الطلب المقدم إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات.
يقول دينيس فيلبس، وهو شريك في IVP، شركة رأس المال المغامر التي اشترت في البداية أسهم سناب بما يعادل 98 سنتا لكل سهم، إن فيسبوك أصبحت "صورة مفتعلة" للكيفية التي يريد الناس أن يُنظَر إليهم من خلالها. ويضيف: "سناب شات أشبه بمحادثة صريحة خاصة مع الأصدقاء. خصائص فيسبوك أشبه بلوحة إعلانات عامة".
سناب شات نمت في ظل فيسبوك. كان عمر التطبيق أقل من سنة عندما طرحت فيسبوك للاكتتاب العام في 2012. لكن بعد 18 شهرا فقط اعتبرت فيسبوك أنها تشكل تهديدا لا يستهان به، وعرضت شرائها مقابل ثلاثة مليارات دولار. رفض سبيجل وشريكه المؤسس، بوبي ميرفي، هذه اللفتة، وهي خطوة آتت أكلها بالنسبة إليهما: بعد الاكتتاب العام الأولي الأسبوع الماضي أصبحت قيمة حصة كل منهما أكثر من أربعة مليارات دولار. عندما لم يتمكن زوكربيرج من شراء التطبيق الاجتماعي الناجح للغاية - كما فعل مع إنستجرام، وبعد ذلك مع واتساب – طلب من مهندسيه أن ينسخوه. وبعد فشل أولي مع تطبيقي Poke وSlingshot نجحت فيسبوك في الصيف الماضي عندما عرضت "ستوريز" stories - مجموعات من الصور تستمر لمدة 24 ساعة فقط – داخل تطبيق إنستجرام. الآن لدى ستوريز إنستجرام أكثر من 150 مليون مستخدم نشط يوميا. ويهدف البرنامج إلى نسخ تلك الميزة وإدخالها إلى تطبيق واتساب والتطبيق الرئيسي لفيسبوك.
يقول فيلبس: "إذا كان التقليد أصدق أشكال الإطراء، عندها يجب أن يشعر إيفان بالإطراء الشديد بسبب الاهتمام به من قبل مارك زوكربيرج، وكيفن سيستروم وغيرهما"، مشيرا إلى الرئيسين التنفيذيين لفيسبوك وإنستجرام.
الاحتكار الثنائي
لا تعتبر سناب الشركة الأولى التي تحاول كسر الاحتكار الثنائي لفيسبوك وجوجل اللتين كانتا تمتلكان مجتمعتين، وفقا لـ "إي ماركيتر"، 57 في المائة من سوق الإعلانات الرقمية العالمية في عام 2016. وكان أحدث منافس في هذا المجال – وهذه حكاية تحذيرية وبالنسبة لسناب - هو تويتر. وتتمتع منصة الرسائل هذه بشهرة واسعة لعلامتها التجارية بما لديها من مستخدمين مشهورين من بينهم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
مثل سناب، حققت تويتر نجاحا في الاكتتاب العام الأولي حين أقفل سعر سهمها على زيادة بلغت 73 في المائة في اليوم الأول من التداول عام 2013، لكن نمو عدد المستخدمين أخذ يتباطأ ولا تزال الشركة تخسر المال. وتبلغ قيمة تويتر اليوم نحو نصف الرسملة السوقية لاكتتاب سناب ويتم تداول سهمها بأقل من 40 في المائة عن سعرها وقت الاكتتاب العام.
يقول ديفيد كيركباتريك، مؤلف كتاب "مفعول فيسبوك": "لم يقترب أحد قط من النجاح في التنافس مع فيسبوك. هذا أمر يكاد يكون دلالة على السخف".
وكما هي الحال مع سناب، حاولت فيسبوك شراء تويتر ثم نسخت العناصر الرئيسية لهذه الخدمة، بدءا من السماح للناس بنشر موضوعاتهم إلى الهاشتاجات الرائجة. ويعتقد كيركباتريك أن تويتر كان سيكون لديها الآن "ثقل نسبي" أكثر كأعمال تجارية لو لم تنفذ فيسبوك تلك التغيرات.
في الوقت الذي كانت فيه فيسبوك تروج حجمها وقدرتها على استخدام البيانات الشخصية لعمل الإعلانات المستهدفة، كانت تويتر، الأصغر والأقل غنى بالبيانات، تعاني جاهدة لإثبات نفسها لدى المسوقين.
تقول ديبرا آهو وليامسون، وهي محللة أبحاث في ماركيتر، بمجرد أن انقلبت وول ستريت ضد تويتر بدأ المسوقون بالتساؤل عما إذا كانت الشركة تستحق دولاراتهم أيضا.
"في كل ربع كانت وول ستريت توجه ضربة لتويتر. ومع مرور الوقت بدأت الرسائل تستقر في أذهان المستخدمين والمعلنين. سيكون سناب شات تحت المجهر بشكل مماثل في الأرباع والسنوات المقبلة. كيفية تعامل إيفان سبيجل والآخرون مع هذا التدقيق ستكون أمرا له دلالته المهمة". وتلاحظ جيسيكا ليو، المحللة في مؤسسة فورستر للأبحاث، أن المسوقين الاجتماعيين يشتكون من افتقار سناب شات إلى بيانات المستخدمين وقدرة الشركة على قياس فعالية الإعلانات. وتحذر قائلة: "يمكنك فقط ركوب موجة ’لطيفة‘ لفترة محدودة فقط".
لكن على خلاف تويتر، تحولت سناب بالفعل عن منتَجها الأساسي. الرسائل التي تختفي ليست سوى عنصر واحد من تجربة سناب شات، التي يضيف فيها ربع المستخدمين اليوميين لقطات إلى "قصصهم" حتى يتمكن أصدقاؤهم من رؤية ما فعلوه في الساعات الـ 24 الماضية وحتى ينشئ الناشرون، ابتداء من "كوزموبوليتان" إلى شبكة "سي إن إن"، محتوى معد خصيصا للتطبيق.
في السنة الماضية أعادت الشركة صياغة العلامة التجارية على أنها "شركة كاميرا"، وبالتالي غامرت بالدخول إلى عالم الأجهزة وأطلقت نظارات تصوير الفيديو التي يقال إنه تم اختبارها بكاميرات 360 درجة وطائرات بدون طيار.
بنديكت إيفانز، وهو شريك في شركة رأس المال المغامر "آندريسن هورويتز"، يقول إن لدى سبيجل "سجل مذهل جدا" في بناء أنواع جديدة من المنتجات التي تركز على التعبير والخبرة. ويضيف: "سناب شات يميل إلى فعل الأشياء التي تخالف القواعد في وادي السليكون".
وموقع سناب شات في شاطئ فينيسيا الذي يبعد نحو ست ساعات بالسيارة إلى الجنوب من وادي السليكون، يعطيه منظورا مختلفا. سيكون هناك ضغط على سناب من أجل أن تعمل على الابتكار بطريقة لا تستطيع فيسبوك، بما لديها من قاعدة مستخدمين كبيرة، أن تعمل بها.
سناب تعرف هذا: عندما تباطأ نمو المستخدمين لديها في الربع الرابع من عام 2016 ألقت باللوم جزئيا على تراجُع معدل إطلاق المنتجات، إلى جانب خلل في نظام تشغيل أندرويد في الهواتف الذكية.
يقول جبريل كان، مدير في مختبر الابتكار Annenberg، وهو جزء من جامعة جنوب كاليفورنيا، إن سناب شات جذاب بشكل خاص للشباب الذين لا يستهلكون وسائل الإعلام على الإنترنت بأشكال قريبة من مقاطع التلفزيون التقليدية أو المقالات الإخبارية. بدلا من ذلك، الأشخاص الذين تقع أعمارهم في العشرينات يحبون حقيقة أن لدى سناب شات مفردات خاصة به.
ويضيف: "لا بأس في أن إنستجرام تقلد سناب شات، لكن سناب شات لا يمكن لها أبدا أن تنجو من تبعات تقليد إنستجرام. يتوقع (المستخدمون) من سناب أن تخترع شيئا جديدا. سيكون موطن قوتهم في حال فعلوا ذلك".
ومن غير المرجح أن تصل سناب إلى مستوى نطاق وقوة فيسبوك، التي يمكن أن ينتهي بها المطاف لأن تكون الشبكة الاجتماعية الكبيرة الوحيدة.
يقول بعضهم إن سناب يجدر بها أن تتجنب ذلط تماما. تقول ليو: "فيسبوك حالة شاذة من حيث كونها شبكة اجتماعية، وأية شبكة اجتماعية ترجو تحقيق شيء مماثل لنمو المستخدمين لدى فيسبوك ونجاحها في الإيرادات ستصاب بخيبة أمل". ويرى تشي هوا تشيان، وهو من أوائل المستثمرين في فيسبوك وتويتر، وشريك مؤسس لشركة جودووتر كابيتال، أن سناب ينبغي النظر إليها على أنها أقرب إلى كونها شركة إعلامية.
ويقول: "إطلاق صفة الشبكة الاجتماعية هو الشيء الذي أنشأت فيه فيسبوك قدرا كبيرا من القيمة الذي فازت فيه فعلا. HBO و ESPN ونيتفليكس هي شركات قيمة جدا جدا. لا داعي لأن يكون لديك جميع المستخدمين في العالم لكي تصبح شركة قيمة".
وتحاول سناب أن تجعل المستخدمين يفهمون أنها ليست الجيل الثاني من فيسبوك. ويحذر محللو وول ستريت من تباطؤ النمو في أعداد المستخدِمين والمنافسة الشرسة. ويضع المحللون في كل من نومورا وبيفوتال للأبحاث أهدافا سعرية تقل عن سعر العرض البالغ 17 دولارا. لكن من غير الواضح ما إذا كان قد تم استيعاب الرسالة. نتيجة لشعور المستثمرين بالإثارة الناشئة عن أول اكتتاب عام أولي لشركة تكنولوجيا أمريكية رائدة منذ تويتر، رفعوا سعر أسهم سناب إلى أن بلغت عند الإقفال 24 دولارا للسهم، بزيادة 44 في المائة.
الآن لدى الشركة التي أصبحت شركة عامة توقعات أعلى حتى من قبل يتعين عليها أن تفي بها.
اقرأ أيضًا:
التحديث الأخير لـ "سناب شات".. ماذا زاد؟
سناب شات يستمر في التجديد.. الآن ميزة المحادثات الجماعية لمستخدميه
لعشاق سناب شات.. نظارات Spectacles ستباع عبر موقع الإنترنت!
هل يدفع تحديث سناب شات Snapchat الأخير مُستخدميه الأوفياء نحو هجرة جماعية؟