رسملة: 55% خسائر أسهم أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ بداية العام

تاريخ النشر: 10 ديسمبر 2008 - 10:47 GMT

لقد بدد شهر نوفمبر كافة الشكوك التي كانت لا تزال تتوقع أن تبقى منطقتنا بمنأى عن انعكاسات الأزمة المالية العالمية. وقد تضافرت عوامل عدة لتجعل من الشهر الماضي شهراً أقل إيلاماً بقليل ليس إلا، مقارنة مع الخسائر القياسية المسجلة خلال أكتوبر، بدءاً من شبه الانهيار الذي شهدته مجموعة سيتي جروب العملاقة، وتراجع برميل النفط إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، وظهور مزيد من الدلائل على وجود تصدعات في بعض قطاعات سوق العقارات في دبي، إلى القلق من مستويات المديونية في اقتصاد دبي في القطاعين العام والخاص، هذا بالإضافة إلى الاضطرابات في قطاع الاستثمار والساحة السياسية في الكويت. فبعد خسارة قدرها 22% في أكتوبر، سجل مؤشر أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خسارة قدرها 14% إضافية خلال نوفمبر، لتقترب خسائر أسهم أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 55% منذ بداية العام 2008.
ونظراً لتعرض دبي لأكثر العوامل التي تقلق المستثمرين – نمو الاقتصاد والتجارة على المستوى العالمي، سوق العقارات، مستويات الديون والسيولة – لم يكن مفاجئاً أن نجد دبي في عين الاعصار وان تتحمل  العبء الأكبر من الخسائر، حيث فقدت الأسهم المدرجة في سوق دبي المالي 33% من قيمتها في المعدل خلال الشهر المنصرم.  يرفع ذلك الخسائر المسجلة منذ بداية السنة في السوق المالية إلى 67% ليكون السوق الأسوأ أداء في المنطقة خلال 2008. وشهد سوق دبي كذلك بعض التطورات المهمة مع تشكيل مجلس استشاري عالي المستوى في أواخر الشهر لمعالجة القضايا الاقتصادية. وتجاوباً مع مخاوف السوق، ينكب المجلس – بمستوى عال من الشفافية - على معالجة المسائل المتعلقة بمستويات الديون والاستراتيجيات لحل مشكلات السوق العقارية وقطاع تمويل السوق العقارية. وتبوأت الكويت كذلك صدارة الأنباء بعد أن نجح المستثمرون في الحصول على قرار من المحكمة باغلاق السوق ليوم واحد لوقف الخسائر كما قامت هيئة الاستثمار الكويتية بضخ عدة مليارات من الدولارات في السوق لسد الحاجة الى السيولة. وتعهد البنك المركزي الكويتي بدعم شركات الاستثمار التي تواجه صعوبات في مجالي التمويل والأصول. كما أعلنت إدارة سوق الكويت للأوراق المالية عن جملة من التدابير لتنظيم عمل السوق. اما في السوق الاكبر، وهو السوق السعودي، فقد صدرت تطمينات رسمية الى الجمهور في المملكة العربية السعودية وعلى أعلى مستوى لتأكيد قوة الموقع المالي للمملكة، كما أعلنت هيئة النقد السعودية (البنك المركزي)  خفض نسب الفائدة ومستويات الاحتياطي  المصرفي بهدف ضخ السيولة في القطاع المصرفي وسوق الأسهم.
وأدت مختلف هذه التدابير بالإضافة إلى تخفيف حدة الضغوط في الأسواق المالية العالمية إلى تسجيل بعض التحسن في الأسواق لجهة الأسعار وأحجام التداول بنهاية الشهر. لكن ثقة المستثمرين ظلت مع ذلك ضعيفة، ولا شك أن الأمر يحتاج إلى عدة أسابيع من الاستقرار النسبي قبل أن يشعر المستثمرون بأن ما شهدوه كان الأسوأ ويبدأوا في الاستفادة من التقييمات العالية  الجاذبية في أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

المملكة العربية السعودية
خسرت سوق السعودية، أكبر الأسواق العربية، حوالي 14% من قيمتها خلال الشهر المنصرم لتصل خسائرها المسجلة خلال 2008 إلى 57%. وتعرض قطاع البتروكيماويات للضغوط حيث تخوف المستثمرون من تآكل الربحية مع تداعي الطلب على المستوى العالمي وانتفاء ميزة الكلفة بالنسبة للمنتجين السعوديين مع تدني اسعار الانتاج. وخسر سهم سابك الرئيسي حوالي 30% من قيمته خلال الشهر، مسجلا أكبر خسارة بين أسهم السوق المالية السعودية القيادية، تداول. ولم يكن أداء القطاع المالي أفضل بكثير، حيث سجل البنك الأمريكي السعودي والبنك البريطاني السعودي خسارة تصل الى 25% خلال الشهر، في حين سجل بنك الراجحي وبنك الرياض خسارة أقل نسبياً بلغت 10%. ولم يسلم حتى سهم السعودية للاتصالات الدفاعي فخسر قرابة 20% خلال الشهرليرتفع العائد الموزع على ربح السهم إلى 11% بالمستويات الحالية.
اتخذت السلطات السعودية تدابير صارمة للتصدي لحالة الاضطراب في السوق، وصدرت بيانات وتصريحات على أعلى المستويات الرسمية لتطمين المستثمرين والجمهور بشكل عام بأن المملكة تتميز بموقع مالي قوي. ويرتقب ان تكون ميزانية العام المقبل المتوقع صدورها قريباً سخية لأن المملكة تسعى جاهدة لتعزيز وزيادة الاستثمار والانفاق العام. كذلك، قامت هيئة النقد السعودية  بمراجعة سياستها النقدية الصارمة نسبيا التي انتهجتها خلال السنة الماضية، وخفضت أسعار الفائدة عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية كما خفضت متطلبات الاحتياطي في القطاع المصرفي.

وتفوق التقييمات في السوق السعودية اكثر بثماني مرات بقليل من أرباح العام 2008، في حين تبلغ حصيلة توزيع الأرباح أقل بقليل من 5%. ولا تزال السوق رهينة للمشاعر السائدة في السوق العالمية وأسعار النفط، حيث يتوقف انتعاش السوق وخروجها من هذه المستويات القاتمة على بعض الاستقرار في الاقتصاد العالمي وعدم تدني اسعار النفط دون عتبة 50 دولاراً لفترة طويلة.

الإمارات العربية المتحدة
كانت الأسواق المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخصوصا سوق دبي المالي، في قلب الاضطرابات التي شهدها شهر نوفمبر. واستجابة للمطالبات المحلية والعالمية، قامت السلطات بحملة حثيثة لنشر معلومات تتعلق بحجم ديون القطاعين العام والخاص وحجم الاصول. وقامت بعض شركات دبي المملوكة للقطاع العام بتسديد بعض من ديونها المتبقية سعياً منها إلى طمأنة المستثمرين. وتم الاعلان عن تشكيل مجلس استشاري على أعلى مستوى مكلف برفع توصيات الى حكومة دبي وحكومة الإمارات بشان الاستراتيجيات الضرورية لتوجيه الاقتصاد خلال مراحل الازمة. وبدأت عملية اعادة هيكلة قطاع تمويل القطاع العقاري من خلال اشراف الحكومة الاتحادية على دمج شركتي أملاك وتمويل، وهما من كبريات شركات تمويل الرهن العقاري، تحت مظلة البنك العقاري ومصرف الامارات الصناعي المملوكين للدولة. وستتلقى المؤسسة الجديدة التي تحمل اسم بنك الإمارات للتنمية، من الحكومة التمويل وحصة في راس  المال على ان تقوم مهمتها على تنشيط قطاع الرهن العقاري الذي يشهد جمودا منذ عدة اشهر. كما اعلن عن انشاء مؤسسة ثانية للتمويل العقاري بدعم حكومي هي مؤسسة ابو ظبي فاينانس. وتعتبر هذه التدابير إشارات واضحة على التزام حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم القطاع العقاري وبانها ستستخدم مواردها المالية الضخمة لهذه الغاية. وفي تطور متصل، كشف المجلس الاستشاري الذي يضم رؤساء ومدارء كبرى شركات التطوير العقاري في دبي في القطاعين العام والخاص، أن العلاقة بين كبرى شركات التطوير العقاري، اعمار ونخيل ودبي العقارية، انتقلت من التنافس الى التعاون وانها ستعمل معا من اجل اعتماد استراتيجية مدروسة ومتأنية خلال الفترة المقبلة.
وبعد فترة تردد في البداية، ادت هذه التدابير إلى تحسين مشاعر المستثمرين حيال الاسهم المدرجة في سوق دبي المالية. ومع ذلك، اقفلت السوق بنهاية نوفمبر مسجلة خسارة بنحو 33%، لتكون السوق الأسوأ أداء في المنطقة بالنسبة لشهر نوفمبر ولسنة 2008 على السواء. وسجلت الخسائر في مختلف القطاعات حيث سجلت اسهم الشركات العقارية الرائدة مثل اعمار والاتحاد العقارية والديار خسائر بنحو 40% من قيمتها، في حين خسر سهما شركتي أملاك وتمويل قرابة 50% من قيمتهما قبل تعليق تداولهما في 23 نوفمبر بانتظار دمجهما. وادى اعلان شركة ارابتك عن اصدار أسهم مجانية بنسبة 100% الى دعم اسهم الشركة، لتنخفض نسبة التراجع الى 22% خلال الشهر.  وخارج القطاع العقاري، خسر سهم الإمارات-بنك دبي الوطني، أكبر البنوك الإقليمية من حيث الأصول، قرابة 40% من قيمته، وكان وضع بنك دبي الاسلامي مشابها.
وواصلت سوق أبوظبي للأوراق المالية تسجيل أداء أفضل من سوق دبي وسجلت خسائر محدودة نسبياً بلغت 16% خلال الشهر، لكن مشاركة المستثمرين كانت في حدها الأدنى والتداولات غير واضحة الاتجاه. وسجل سهم شركة الدار للتطوير العقاري الرائدة ارباحاً بقيمة 5% خلال الشهر، في حين خسرت صروح 13% بعد ان قلصت سقف حصة الأجانب فيها. وسجل القطاع المصرفي أداء متفاوتاً حيث تعرض بنك الخليج الاول لحركة بيع من المستثمرين المحليين والاجانب وانتهى مسجلا خسارة من 24% في حين سجل بنك ابو ظبي الوطني وبنك ابو ظبي التجاري أداء افضل نسبيا.
وتعتبر الاسهم المدرجة في اسواق الامارات في المستويات الحالية بين الأدنى سعراً في المنطقة، حيث يبلغ معدل الارباح الى السعر حوالي ست مرات من أرباح 2008. وفي غياب اهتمام اجنبي جدي للشراء، ومع استبعاد المؤسسات الحكومية اي تدخل مباشر في سوق الاوراق المالية، ستجهد قاعدة المستثمرين المحليين الضعيفة والمجهدة لاحداث تحول في المدى القريب، لكن الانتعاش الطويل المدى لا يزال منتظراً رغم التقييمات الجذابة والدعم الحكومي.

دولة الكويت
عاشت الكويت شهراً مضطرباً على الصعيدين المالي والسياسي بعد شهر اكتوبر العصيب. وبلغت معاناة بنك الخليج نهايتها مع الاعلان عن خسارة فاقت المتوقع من 1,4 مليار دولار بسبب التداول في مشتقات العملات الأجنبية نيابة عن العملاء، وبدأت عملية إعادة رسملة البنك مع توقع أن تضطلع هيئة الاستثمار الكويتية بدور اساسي في عملية الاكتتاب. كما تتحرك هيئة الاستثمار الكويتية للمشاركة في صندوق سيقوم بشراء حتى 10% من رسملة السوق كما يعمل بنك الكويت المركزي على مراجعة سياستة المالية الصارمة مسبقاًمع انتقال التركيز من مكافحة التضخم الى انعاش الاقتصاد. كما تعهدت الدولة بدعم قطاع الاستثمار المضطرب الذي يعاني من صعوبات في السيولة تتضافر مع تدهور قيم الأصول. وأدى الاضطراب في اوساط المستثمرين الى استصدار قرار مؤقت عن المحكمة بوقف التداول في سوق الكويت للاوراق المالية في منتصف نوفمبر. في هذه الأثناء، سيطرت اجواء مشحونة على الساحة السياسية بين الحكومة والبرلمان مع موافقة أمير الكويت في نهاية المطاف على استقالة الحكومة وتكليف رئيس الوزراء المستقيل تشكيل حكومة جديدة، في حين سيتم تجميد اعمال مجلس الامة الى حين تنصيب حكومة جديدة في يناير.
ونجحت التدابير الحكومية لدعم سوق الاوراق المالية والاستثمارات الى حد ما في تحجيم الخسائر الى نحو 9%، لتسجل السوق الكويتية أداء أفضل من معظم نظرائها في المنطقة. وكما  كان متوقعا، سجلت شركات الاستثمارات اعلى الخسائر مثل بيت الاستثمار الكويتي، ودار الاستثمار وشركة مشاريع  الكويت KIPCO . وسجلت الشركات القوية في البورصة اداء جيدا على مدى الشهر مثل بنك الكويت الوطني وبيت التمويل الكويتي وزين، حيث توقع المستثمرون ان تكون هذه الاسهم الأولى المستفيدة من الدعم المنتظر من صندوق تمويل هيئة الاستثمار الكويتية.
يشكل التوتر السياسي والقطاع  الاستثماري المضطرب أسباباً للقلق لكننا لا نزال نؤيد وجهة النظر التي تقوم على ان الفائض الهائل المتراكم في الميزانية (40% من اجمالي النتاتج المحلي في 2007)، وأصول الصناديق السيادية التي تقدر بما بين 200 و300 مليار دولار، والدعم الحكومي القوي للقطاع المالي، كل هذا سيجعل الكويت قادرة على تجاوز الازمة الحالية بصورة جيدة نسبيا، وفي مستوى التقييمات الحالية نرى ان تراجع السوق سيكون محدودا. 

دولة قطر
فقدت السوق القطرية 12% إضافية خلال نوفمبر ليصل تراجعها خلال 2008 إلى 37% من قيمتها. وتخضع السوق لضغوط جراء تدهور اسعار النفط الذي دفع سهم شركة صناعات قطر الرائدة للسوق الى خسارة 27% من قيمتها خلال الشهر المنصرم وحده، لترتفع خسائرها خلال 2008 إلى 50%. كما يتعرض القطاع العقاري لضغوطات جراء تزايد المخاوف من التباطوء المفاجىء في السوق التي شهدت تسارعاً مفرطاً. وسجل سهم شركة بروة وكذلك شركة ازدان العقاريتين خسائر بنحو 40% من قيمتهما خلال الشهر. ولكن السوق حظي بدعم من الاداء الجيد نسبياً للأسهم القوية مثل سهم بنك قطر الوطني وقطر للاتصالات، اللذين خسرا 1,7% و7% على التوالي خلال الشهر.
واعلنت هيئة قطر للاستثمار، الصندوق القطري السيادي، انها ستدعم القطاع المصرفي عبر شراء حتى 20% من زيادة راس المال في البنوك الوطنية لتقوية ميزانياتها في هذه الفترة الصعبة. ويعتبر هذا الدعم الحكومي للقطاع المصرفي حاسما لضمان تمويل الاستثمارات القطرية الضخمة في قطاع النفط والغاز.

وتظل التقييمات في السوق القطرية أعلى بصورة طفيفة مقارنة مع الأسواق الإقليمية الأخرى، ولا تزال السوق تعاني من الارتباط الشديد مع الاسواق العالمية وتاثرها بصورة كبيرة بانعكاسات انخفاض اسعار النفط ونفسية المستثمرين وضعف القاعدة الاستثمارية المحلية، مما سيؤخر تعافيها حتى تتحسن البيئة الاستثمارية العالمية، وتستقر اسعار النفط.

سلطنة عُمان
كان نوفمبر هادئاً في سوق مسقط وانتهى مؤشر السوق مسجلا اداء ايجابياً بسيطا، لتكون السوق الإقليمية الوحيدة  التي سجلت ربحا خلال الشهر. وعوّض عن الخسارة البسيطة من 4% التي مني بها سهم بنك مسقط الرئيسي الارباح التي حققتها اتصالات عُمان، وبنك ظفار، وبنك عُمان الوطني، وشركة ريسوت للاسمنت، مما دفع سوق مسقط الى تسجيل ارتفاع بنسبة 1% خلال الشهر.

جمهورية مصر العربية
رغم الاندفاع القوي الذي شهدته بورصة القاهرة في  اواخر الشهر، الا ان أكبر أسواق المنطقة خارج دول مجلس التعاون الخليجي سجلت خسائر بقيمة 11% خلال نوفمبر، لترتفع خسائرها خلال العام 2008 إلى 60%. وخضعت السوق لضغوط اثر النتائج المخيبة للامال لشركة اوراسكوم للاتصال في الربع الثالث والتي كشفت عن تراجع بنسبة 28% في الأرباح. كما تأثرت السوق بشائعات تتعلق بخسائر كبيرة لدى بنك أي أف جي هرميس الاستثماري الذي نفى هذه الخسائر بشدة. مع ذلك، ظلت معنويات السوق ضعيفة وخسرت الاسهم الرئيسية مثل اوراسكوم للاتصالات واي اف جي هرميس واوراسكوم للبناء ما بين 20 و30% من قيمها خلال الشهر. ولكن السوق حظيت بدعم من الاداء الجيد نسبياً لشركة اتصالات مصر والبنك التجاري الدولي.
ورغم التقييمات الجذابة والتأثيرات الإيجابية لإنخفاض سعر الأغذية والوقود على ميزانية الدولة، لا يزال الاقتصاد المصري معرضا لتأثيرات التدهور الحاصل في البيئة العالمية وتقلص تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة في ظل غياب القدرات المالية لتخفيف انعكاسات الازمة العالمية.

© 2008 تقرير مينا(www.menareport.com)