رسالة مفتوحة إلى رئيس البنك العربي المستقيل عبدالحميد شومان

تاريخ النشر: 22 أغسطس 2012 - 10:42 GMT
لا بد من القول إن مساهمات المؤسسين المرحومين في دعم النضال الوطني بصفتهم الشخصية شكلت تعبيرا واضحا عن وطنية قل مثيلها
لا بد من القول إن مساهمات المؤسسين المرحومين في دعم النضال الوطني بصفتهم الشخصية شكلت تعبيرا واضحا عن وطنية قل مثيلها

نشرت صحيفة "الغد" الرسالة التي وجهها رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري بعنوان "رسالة مفتوحة إلى عبدالحميد عبدالمجيد شومان"، وفيما يلي النص كاملا كما ورد:

إن اضطراري إلى كتابة رسالة مفتوحة إلى السيد عبدالحميد شومان ليست لدواعي شخصية، وإنما تأتي لتوضيح الأمر إلى جميع المعنيين باستمرار عمل البنك العربي كمؤسسة مالية ومصرفية رائدة بدأ تاريخها من القدس في العام 1930، على يد المرحومين المؤسسين عبدالحميد شومان وولده عبدالمجيد شومان، ولسبب مهم آخر هو الطريقة والأسلوب الذي عرض به السيد عبدالحميد شومان استقالته من رئاسة مجلس إدارة البنك العربي والتي لم تكن موفقة لا من حيث الشكل ولا المضمون ولا الأسلوب.

إن تاريخ وسمعة المرحومين عبدالحميد شومان وابنه عبدالمجيد شومان تحتم علينا أن نحافظ على هذا الإنجاز ونحميه ونطوره ولا نسمح لأحد مهما كان وأيا كان أن يتلاعب به، فتاريخ هذا البنك عريق وستبقى هذه العراقة بهمة وعطاء المخلصين من أعضاء مجلس إدارته وهيئته العامة ومساهميه وموظفيه ومعتمديه، ومن كل محبي فلسطين ومحبي الجد والمعلم المرحوم الحاج العصامي عبدالحميد شومان، وابنه المعلم عبدالمجيد شومان (أبو العبد)، اللذين اختارا أن يكون هذا البنك لكل العرب فوضعا خريطة الوطن العربي وأعز ما يفتخران به (الجمل والحصان) شعارا لهذا البنك، فكان لكل العرب بامتياز.

لم تأت سمعة هذا البنك وثقة الناس به على امتداد فلسطين ولاحقا على امتداد الوطن العربي من فراغ، بل جاءت من خلال العمل الدؤوب وطنيا، وإنسانيا، وأخلاقيا ومهنيا، وإداريا للمؤسسين ولأعضاء مجلس الإدارة والهيئة العامة والموظفين على جميع مستوياتهم، فهؤلاء ومنذ التأسيس التصقوا بالناس وكان المرحومان منذ البداية يتلمسان احتياجات الناس وهمومهم، وعملا ليس فقط في إدارة البنك وتطويره، بل أيضا في تعليم الناس وتثقيفهم على المعاملات المالية بما فيها كتابة الشيكات، وهناك من بقي من الأشخاص الذين عاشوا هذه الحقبة ويذكرون كيف أن المرحومين كانا يجوبان الأسواق حيث وجدا معتمديهم لكي يلتقوا المواطنين ويتعلموا منهم ويعلموهم، فالنجاحات العظيمة يحققها أناس عظام، وضعوا نصب أعينهم ليس فقط الربح بل أيضا بناء الأوطان بعد حقبة الاستعمار، فكان لهذا الصرح المالي مساهمات عديدة في بناء العديد من اقتصادات الدول العربية والتاريخ يشهد على هذا، كما يشهد أيضا أن البنك العربي لم يتردد يوما في رد ودائع المودعين في أحلك الظروف السياسية والأمنية التي مرت بها العديد من الدول العربية، لكن ثقة المودعين وحرص البنك على مصلحة معتمديه كانت دائما هي السياج الذي حمى البنك وأعاد الودائع في نفس اليوم أو في اليوم الذي يليه، فقد حافظ البنك العربي على السيولة النقدية وأوفى بالتزاماته المالية في أدق وأصعب المراحل. كانت أسهم البنك العربي توازي سبيكة الذهب، وتعادل ميراثا ثمينا وتورث من الأب إلى الأبناء. 

فمهما تكلمت عن هذا البنك لا أوفيه حقه، لقد بدأت علاقتي مع البنك العربي منذ عودتي من الولايات المتحدة الأميركية العام 1956 وحتى الآن، وخلال هذه الفترة شغلت مناصب عديدة منها عضو مجلس إدارة في البنك الأم وعضو مجلس إدارة في العديد من البنوك والشركات الشقيقة للبنك العربي في الدول العربية والغربية، ووصلت من عضو إلى نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك العربي، ورئيس لجنة التدقيق ولجنة التخطيط الاستراتيجي، ونائب رئيس لجنة التحكم المؤسسي والسياسات العامة. وقد شغلت أيضا منصب رئيس مجلس إدارة البنك العربي لتونس وعضو بنك عُمان العربي حتى أواخر العام 2006 وعضو البنك العربي في سويسرا حتى أواخر العام 2007. 

وكان أول ضمان بنكي حصلت عليه شركتي العائلية في الستينيات هو من البنك العربي، وردا للجميل ووفاء لمعلمي المرحومين عبدالحميد شومان وولده، عملت ليلا نهارا لمصلحة البنك بدون مقابل.

وكانت هذه السنوات التي خدمت فيها فرصة ثمينة أن أتعرف على المرحومين عبدالمجيد شومان وابنه، وأن أنهل من خبرتهما وحكمتهما، فقد تعرفت على المرحومين، وكذلك على السيد خالد شومان منذ العام 1956. 

وهنا لا بد من القول إن مساهمات المؤسسين المرحومين في دعم النضال الوطني بصفتهم الشخصية شكلت تعبيرا واضحا عن وطنية قل مثيلها، فقد كان عبدالمجيد شومان رئيسا للصندوق القومي الفلسطيني الذي أداره بحكمة ونزاهة وشفافية.

باستياء وتألم شديدين تلقيت وقرأت نص رسالة الاستقالة التي نشرها السيد عبدالحميد شومان (وغير الموفقة لا بالأسلوب ولا بالنص) والتي وجهها حسب قوله إلى أسرة البنك العربي، وليته حفظ التاريخ الذي أورده في استقالته بأن البنك بدأ منذ العام 1930، ولو تذكر ذلك بعمق لأدرك مدى الجهد والإخلاص الذي بذله المرحومان المؤسسان عبدالحميد شومان وولده عبدالمجيد شومان، وأعضاء مجلس الإدارة والهيئة العامة والموظفين من كل الفئات بفضل انتمائهم الصادق، فازدهر البنك ونمى وامتدت جذوره في العالم العربي وخارجه، وليكون له بصماته المميزة والواضحة في الاقتصاد العربي وليساهم في الشركات العملاقة. 

استمر هذا الوضع في التقدم والازدهار حتى تولى السيد عبدالحميد شومان منصبه كرئيس لمجلس إدارته، فأخذت الأوضاع بالتراجع لأسباب عديدة منها فقدان رئيس مجلس الإدارة لصلاته بأعضاء المجلس، وبالهيئة العامة، والمعتمدين، والموظفين على اختلاف مستوياتهم، وكان لتدخل زوجته في شأن هذه المؤسسة الرائدة بالإضافة إلى بعض أفراد العائلة دور سلبي جدا في تراجع وضع هذه المؤسسة على الصعيدين المالي والمهني. لو كان السيد عبدالحميد شومان يغار على مصلحة البنك العربي لما تصرف هكذا ولما سمح بالتدخل من قبل زوجته ونفر من عائلته، ولما فضل رأيهم على رأي المجلس المميز والمعطاء، والمدير العام وكبار الموظفين، والذين يمثلون الهيئة العامة التي كانت بمثابة الأسرة الكبيرة للبنك العربي ويجب أن تحمي حقوقهم وتحافظ على ثقتهم بهذا الصرح المميز وسمعة مؤسسيه. 

كان من العار أن يعمل حفيد المؤسس وابن الباني على محو تاريخ عريق يعتز به الشعب الفلسطيني برمته. 

مرة أخرى أقول ولو درس السيد عبدالحميد شومان وفهم تاريخ تأسيس البنك العربي، الذي بدأه جده البائع البسيط الذي ولد في بيت حنينا في ضواحي القدس ودرس في "الكتاب" في جامع بيت حنينا"، لما أقدم على ما أقدم عليه بهذه الطريقة والتي أوضحت للجميع أن استقالته ليست وحده بل لزوجته وأولاده، لهو دليل واضح على مدى الهيمنة والتدخل المباشرين الذي لم يكن ليسمح به المؤسس ولا أبناؤه، لقد أتت الاستقالة بعد أن حاول مجلس الإدارة التغيير والبحث عن خيرة الكفاءات لحاجة البنك إلى قيادات نوعية مهنية إلا أن جهود الإصلاح والتطوير كانت تجابه بالقيود من قبل رئيس مجلس الإدارة وزوجته وأفراد من عائلته من المسيطرين والفئة المستفيدة من العلاقات المباشرة معهم. 

حاول مجلس الإدارة العمل مع السيد عبدالحميد شومان ولكن بدون جدى نظرا للتدخلات والمعيقات والمنغصات التي كانت موجودة طوال فترة العمل. فالكل يذكر أن اجتماعات الهيئة العامة لمجلس إدارة البنك العربي كانت حدثا مهما ينتظره الجميع نظرا لأهمية وخصوصية البنك العربي ليس فقط في المجال المالي وإنما أيضا الإنساني والوطني، ولكن وبعد استلام السيد عبدالحميد شومان لمنصب رئيس مجلس الإدارة غاب هذا الحدث وغابت أهميته، لأنه فقد كل اتصال مع المحيط من الموظفين والزبائن والمساهمين.

وأقول للسيد عبدالحميد شومان وأؤكد له أن البنك العربي سيشهد نقلة نوعية بعد خطوة استقالته، وكلنا ثقة بالرئيس الجديد صبيح المصري "أبو خالد"، وأعضاء مجلس الإدارة، والمدير العام السيد نعمة الصباغ وهو مدير مهني من الطراز الأول، ولديه رصيد كبير من الإنجازات والنجاحات، في الكويت، وإنجلترا والسعودية ولبنان، بإدارة الدفة بكل حكمة ومهنية إدارية، ودراية كاملة تحافظ على رصيد البنك وسمعة مؤسسيه، وتعيد الثقة والتميز له الذي فقده خلال الفترة الماضية.

ولن ينفع خطابه التحريضي للموظفين أن يقلب الحقائق فهم أصحاب خبرة وحكمة ويتحملون المسؤولية بكل أمانة ولا يلتفتون إلا للحقائق الدامغة التي غابت عن رسالة استقالة السيد شومان، مرة أخرى لو كان هناك أي اهتمام بالبنك لما أوصل السيد عبدالحميد شومان أوضاع البنك لما هي عليه، ولما تقدم بما تقدم به ولكن نحن على ثقة ونحن من كبار المساهمين في البنك أن مصلحة البنك ومصالح المساهمين ستكون إلى الأفضل وستذكر الأيام كم أضاع السيد شومان من الوقت بتفرده هو وزوجته وبعض أفراد عائلته بشؤون البنك وبطريقتهم الشخصية التي أدت الى ما نحن عليه ونأمل أن يكون الأشخاص المحيطون بهم والذين كانوا يشورون عليهم أن ينتبهوا إلى أخطائهم ويصوبوها ويفكروا في مصلحة البنك أولا وأخيرا، أو أن يلتحقوا بركب السيد عبدالحميد شومان.

إن المستقبل سيثبت بلا شك أن الرئيس الجديد لمجلس إدارة البنك العربي وأعضاء المجلس سيواصلون ما بدأه المؤسسان شومان وسينهضون بواقع هذه المؤسسة المالية العظيمة خلال فترة قياسية بحكمتهم ومهنيتهم العالية والمشهود لها.